لم يخفِ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي يوم 24 سبتمبر نبأ انتهاء التوافق الذي جمع حزبه "نداء تونس" بحركة النهضة الإسلامية، بعد أن فضلت النهضة تكوين ائتلاف مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، منهيةً قصة ائتلاف نادر بين حزب علماني وآخر ديني، في دولة حديثة العهد بالديمقراطية، هذا الإعلان قد يعمّق فجوة الانقسام السياسي في البلاد.
وعلى عكس دول أخرى خاضت تجربة "الربيع العربي"، نجح التوافق الذي بدأ قبل خمسة سنوات بين حزبي نداء تونس العلماني وحزب النهضة الإسلامي، وهما الحزبان الرئيسان في الائتلاف الحاكم، في تجنيب تونس السقوط في أتون العنف.
وكان الحزبان قد اتفقا آنذاك على دعم الائتلاف الحكومي بعد انتخابات عام 2014، التي خرجا منها بتحالف بعد تراشق بينهما في الحملة الانتخابية، ائتلاف بقي لأربعة أعوام محل نقد وتجاذب حتى من داخل الحزبين، رغم الرسالة الإيجابية التي يرسل بها إلى الخارج على قدرة الحزبين على صنع الاستقرار والأمن واحتواء التطرف.
رغم هشاشته، كان التوافق بين نداء تونس وحزب النهضة خطوة كبيرة وشجاعة في تونس بعد ثورة 2011، لكن اليوم وقد تبدد حلم الوفاق بينهما، تبدو الخسارة في مكيالي الحزبين غير متساوية.
ما الذي قاله السبسي؟
يوم الاثنين ظهر السبسي في حوار تلفزيوني على قناة الحوار التونسي ليعلن: "انقطعت العلاقة بيني وبين حركة النهضة بسعي منهم بعدما فضلوا تكوين علاقة أخرى مع يوسف الشاهد". لم ينكر السبسي أهميه توافقه مع حزب النهضة مقرًا بأن "التوافق حقق لتونس استقراراً نسبياً" لكنه أضاف "الآن دخلنا في مغامرة جديدة"، مشيرًا إلى اختيار النهضة" طريقًا آخر”على حد تعبيره قائلًا : "إن شاء الله تكون (هذه الطريق) جيدة لتونس.. لكن لا أظن". ويتخوف كثير من التونسيين من أن يفاقم الانقسام بين السبسي والحزب الإسلامي الأكبر في البلاد مشاكل تونس التي تمر بالفعل بعدة أزمات أحدّها الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة. وتعرضت تونس لعدة هجمات إرهابية آخرها في يوليو الماضي حين نصبت مجموعة مسلحة كميناً أوقع ستة قتلى في صفوف الحرس الوطني. كما تمر تونس بأزمة اقتصادية شديدة منذ نحو ثماني سنوات مع عزوف المستثمرين الأجانب عن الاستثمار بها وارتفاع عدد العاطلين عن العمل. وتسعى تونس لدعم ميزانيتها عبر برنامج تمويل بقيمة 2.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي الذي يضغط عليها لتسريع نسق الإصلاحات وهو ما تعارضه نقابة العمال بشدة. وايتزامن إعلان السبسي "فك الارتباط" مع النهضة بعد رفضها سحب الثقة من رئيس الحكومة يوسف الشاهد مفضلة حسب قولها "المحافظة على الاستقرار السياسي".كيف رد حزب النهضة على قرار السبسي؟
اعتبر القيادي بحركة النهضة لطفي زيتون أن ما أعلنه الرئيس التونسي من شأنه أن يعمق الأزمة السياسية في البلاد، مضيفاً في تصريح لوكالة رويترز "يجب أن نقوم بجهود لعودة العلاقة وأن يجلس الجميع للحوار". وتابع زيتون: "الوضع الاجتماعي والاقتصادي (في تونس) لا يحتمل مزيدًا من التأزم"، مؤكداً أن حزبه حريص على الاستقرار والوصول إلى تفاهمات عبر الحوار. وإلى جانب الأزمات الأمنية والاقتصادية التي تمر بها تونس، اندلعت أزمة سياسية بعد أن طالب حافظ قائد السبسي نجل الرئيس بإقالة الشاهد، وهو المطلب الذي يؤيده اتحاد الشغل (أكبر نقابة عمالية في البلاد) ذو النفوذ القوي. وعلى نقيض الصورة الديمقراطية التي تعكسها تونس واستقلال السلطات فيها، إلا أن لرئيس الدولة ابن يتدخل في شؤون الحكومة وينادي بإقالة رئيسها، في مشهد يذكر التونسين بتدخل أصهار الرئيس الأسبق في الحكم وأياديهم الطويلة، لكن السبسي الذي يحرجه تكرار السؤال عن دور ابنه في تأزيم الوضع بالبلاد لا يرى غضاضة في رحيل ابنه ورئيس الحكومة معًا وهذا ما قاله أمس حرفيًا: "تونس لن تتضرر برحيلهما الاثنين". لكن إقالة رئيس الحكومة ليست بهذه السهولة فالدستور ينص على أن البرلمان هو من يسحب الثقة من الحكومة وهو أمر لن يتم لأن النهضة صاحبة الكتلة الأكبر في البرلمان لا تفكر بذلك.هذه النقطة جعلت من السبسي يكشف عن رغبته "في تحسين دستور البلاد" لكن الأمر ليس بيده، على حد تعبيره.رغم هشاشته، كان التوافق بين نداء تونس العلماني وحزب النهضة الإسلامي خطوة كبيرة وشجاعة في تونس بعد ثورة 2011، لكن اليوم وقد تبدد حلم الوفاق بينهما، تبدو الخسارة في مكيالي الحزبين غير متساوية.
يوم الاثنين ظهر السبسي في حوار تلفزيوني على قناة الحوار التونسي ليعلن: "انقطعت العلاقة بيني وبين حركة النهضة بسعي منهم بعدما فضلوا تكوين علاقة أخرى مع يوسف الشاهد".
من الخاسر الأكبر من الانقسام؟
قد يكون حزب نداء تونس هو الخاسر الأكبر من إنهاء التوافق مع حزب النهضة الإسلامي، فالحزب العلماني مر في الفترة الأخيرة بأزمات عدة كانت أبرزها الانشقاقات التي طالته، إضافة إلى الخلافات والاتهامات المتبادلة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمدير التنفيذي لحزب نداء تونس حافظ قائد السبسي، والتي قللت كثيراً من مصداقة الحزب لدى الرأي العام التونسي. كما يشهد الحزب صراعاً داخلياً قوياً بين جناحه البرلماني المتمسك بالشاهد لمواصلة قيادة المرحلة التوافقية، وبين الإدارة التنفيذية للحزب بقيادة حافظ السبسي. ورغم أن رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد قد نجا من محاولات حزبه والنقابات لإقالته من منصبه، إلا أن الطريق أمامه سالكة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية بدعم من صندوق النقد الدولي. ويقول تحليل لوكالة رويترز إن المانحين الغربيين يأملون في بقاء الشاهد من أجل الاستقرار في البلد الذي شهد تسع حكومات منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في عام 2011. وبدأ الشاهد بالفعل بعض الإصلاحات الضريبية، كما رفع أسعار المحروقات عدة مرات هذا العام، ويحسب له صموده لأكثر من عامين في المنصب، وهي أطول فترة لرئيس حكومة بعد ثورة 2011. لكن طيلة الأشهر الماضية، ظل رئيس الوزراء يصارع من أجل بقاء حكومته والمضي قدماً في برنامجه الاقتصادي. ويبدو أن اقتراب محطة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، المتوقع إجراؤها العام المقبل، جعلت الصراع السياسي بين اللاعبين الرئيسيين في البلاد يحتدّ، ما أدخل البلد بالفعل في نفق مظلم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين