لطالما عُرفت مشاعر الأمومة بأنها الأكثر عُنفاً لما تحمله معها من حبٍ جارف لكائنٍ تحمله الأم في داخلها، ويختلط نبضه بنبضها. ولكن هذا المفهوم، غَيَرته مواطنة مصرية تُدعى "هَنَا محمد" بإعلانها عرض "جنينها" للبيع قبل أسبوعين من ولادته.
"لو في حد حابب يتبنى طفل هيتولد إن شاء الله كمان أسبوعين بالكتير، والتبني هيتم من خلال أم وأب المولود: التواصل ع الخاص للجادين فقط والله المستعان".
بهذه الكلمات، قطعت هَنَا الحبل السري الذي جمعها بجنينها قبل ولادته بنحو 14 يوماً، معلنةًً استغنائها عنه "علناً" عبر صفحة "تبني طفل" على "فيسبوك".
"مبلغ 20 ألف جنيه مصري (1115 دولار أمريكي) غير قابل للتفاوض" هذا هو المبلغ المطلوب من "الأم" لإتمام الصفقة.
أثار منشور هَنَا جدلاً واسعاً لا فقط لقسوته، بل لأنه يكرس من جديد الاتجار بالبشر، ما جعل جهات عدة تتصل بخط نجدة الطفل "16000" التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة الذي تقدم من جهته بشكوى رسمية إلى النيابة العامة، وانتهى الأمر بإلقاء الأجهزة الأمنية القبض على الأم وزوجها المُشارك في الجريمة، الذي اعترف بصحة الإعلان رغم "حالته الميسورة"، دون أن يقدم مبرراً لفعلتهما، بحسب ما نقلته صحيفة "التحرير" المصرية.
وفي خضم التساؤلات عما إذا كانت المولودة ابنته بالفعل، طلبت النيابة العامة إجراء تحليل DNA للزوج، وأمرت بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق. أما "الوالدة"، فأُمر بالتحفظ عليها إلى حين خروجها من أحد المستشفيات في الإسكندرية، بتهمة الاتجار بالبشر وإثارة الرأي العام.
بدورها، أعلنت الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة الدكتورة عزة العشماوي: "حرصاً على الطفل والذي تم ولادته يوم السبت (22 سبتمبر 2018)، فقد تم تشكيل فريق من خط نجدة الطفل لتقديم سبل دعم الرضيع، وحرصاً على مصلحته لن يتم فصله عن أمه ورعايته حتى لا يتعرض للخطر".
وكان المجلس، قد تقدم في فبراير الماضي، ببلاغ ضد القائمين على صفحة "أطفال مفقودة" على "فيسبوك"، لترويجهم بيع الأطفال في مصر، أسفر عن القبض على الجناة تنفيذاً لقانون العقوبات في مادته 291: "السجن المشدد لمدة عشرة سنوات وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مائتي ألف جنيه لكل من باع طفلاً أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسلمه أو نقله".
بـ 20 ألف جنيه، أعلنت بيع جنينها قبل ولادته بنحو أسبوعين… "أولادكم ليسوا لكم.. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم"، مثلما قال الأديب جبران خليل جبران.
قطعت "هنا" الحبل السري الذي جمعها بجنينها قبل ولادته بنحو 14 يوماً، معلنةً استغنائها عنه "علناً" عبر صفحة "تبني طفل" على "فيسبوك"...
حادثة بيع المولود ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بعضهم يفعل ذلك كنوع من الاحتجاج وللفت انتباه السلطات حين تشتد أزمته المادية أو الصحية ويجد نغسه غير قادر على توفير لقمة العيش لعائلته، مثلما رأينا في بعض دول "الربيع العربي"، لكن إعلان البيع ذاك يتوقف عند لحظة التفاف المجموعة حول الأب أو الأم لمساعدتهما على تجاوز البؤس، بعكس هذه الواقعة التي لم تكن احتجاجاً على وضع مأساوي، بل تم إعلان البيع فيها على مواقع التواصل، مثلما تعرض أي بضاعة.
مواقع التواصل التي يتجرد فيها بعض البشر من إنسانيتهم ليبيعوا أبنائهم ربما تستحق وقفة تأمل. هنا نستحضر مقولة الأديب جبران خليل جبران: "أولادكم ليسوا لكم.. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...