الأحد 23 سبتمبر كان أول يوم دراسي في المدارس الحكومية المصرية، تجمع مئات الطلاب صغار السن أمام بوابة المدرسة الحديدية الضخمة مع أهاليهم.
بوابة المدرسة الثقيلة تُشرّع على مصراعيها في حدود السابعة صباحاً، يهرول الأولياء إلى الفصول الدراسية محاولين حجز المقعد الأول لأطفالهم. تعم الفوضى، وتتحول المنافسة إلى معارك، البقاء فيها للأقوى.
يتكرر هذا المشهد في بداية كل عام دراسي في مدارس مصر الحكومية، لا سيما في المرحلة الابتدائية.
لكن هذا الصراع على حجز المقعد الأول تحول أمس إلى فاجعة، حين دُهس تلميذ تحت أقدام المهرولين في إحدى مدارس محافظة الدقهلية، الواقعة شمال شرقي الدلتا بمصر.
وبحسب ما نشرته صحيفة الشروق المصري، لقي ذلك الطفل مصرعه دهسًا، قبل أن يبلغ صفه الثالث بمدرسة الزهراء الابتدائية. وقع جسمه الصغير على السلم أثناء تدافع التلاميذ لحجز المقاعد الأولى.
وصل الطفل بزيه المدرسي إلى وحدة طبية قريبة من المدرسة مصاباً بكدمات وكسور متفرقة، غير قادر على التنفس، وتوفي على الفور. ويقول التقرير الطبي إن سبب وفاته "الدهس تحت الأقدام".
ضريبة "المقعد الأول" في المدارس الحكومية المصرية، ثقيلة وضحاياها من الأطفال كُثر. طفلة أخرى بالصف الأول الابتدائي في مدرسة ديسط الابتدائية بمركز طلخا بالمحافظة نفسها أصيبت بكسور في تدافع مماثل.
لماذا يسعى الجميع إلى المقعد الأول؟
تعاني الفصول الدراسية من أزمة تعترف بها الحكومة المصرية لكنها لا تقوم أبدًا بوضع خطة لحلها، وهي كثافة الفصول الدراسية، فمتوسط الفصل الدراسي في المدارس الحكومية 80 تلميذاً في الفصل الواحد في حين من المفترض ألا يستوعب الفصل أكثر من 35 تلميذاً. الزحام الشديد يجعل دائماً الصفوف الأخيرة مكاناً غير مضمون للأطفال من وجهة نظر بعض العائلات.
تعتقد أغلبية العائلات المصرية أن أي طالب يجلس في الصفوف الأخيرة هو دون شك "طالب فاشل"، لا يحقق درجات جيدة في امتحانات آخر العام. هناك اعتقاد متداول بأن الطالب الذي يجلس في الصفوف الأمامية يحصل على اهتمام أكثر من المعلمين، ويكون منضبطًا ولا يقوم بأي "حركات شقاوة" داخل الفصل خوفاً من المعلم الذي يقف أمامه مباشرة، وهذا ما يجعله يركز جيداً والنتيجة: "طالب متفوق".
هناك أيضاً سبب طبي وراء سعي أغلب العائلات لحجز المقعد الأمامي لأبنائهم، حيث تقول نوال محمد وهي ولية أمر طالبة في الصف السادس الابتدائي بمدرسة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، إن ابنتها تعاني من ضعف في النظر، يجعل قراءه الكتابة على السبورة من مسافة بعيدة أمرًا صعبًا.
وتقول محمد لرصيف22: ذهبت مع ابنتي أمس إلى مدرستها ولم أستطع حجز مكان لها في المقاعد الأمامية، رغم أنني أخبرت المدرسين إنها تعاني من نقص في النظر وترتدي نظارة طبية.
مدير المدرسة أخبر الأم أن المقاعد الأمامية حُجزت ولا يمكنها مساعدة ابنتها للحصول على مقعد يمكنها من القراءة بشكل أيسر.
"كأننا في غابة، جلست طفلتي في نهاية الصف، أخشى أن يتراجع مستواها الدراسي".
هناك سبب آخر متعلق بقصر القامة، يقول علي عبد الله، وهو ولي أمر لطالب بالصف الرابع الابتدائي إن طفله يعاني من قصر القامة مقارنة بزملائه، لذلك فهو حريص كل عام على الذهاب معه إلى مدرسته الواقعة بحي الدقي بمحافظة الجيزة لحجز مكان له في الصفوف الأمامية، ويضيف إنه أقنع مدير المدرسة بإصدار قرار هذا العام بأن يجلس كل الطلاب قصار القامة في الصفوف الأمامية.
متوسط الفصل الدراسي في المدارس الحكومية 80 تلميذاً في الفصل الواحد في حين من المفترض ألا يستوعب الفصل أكثر من 35 تلميذاً.. الزحام الشديد يجعل دائماً الصفوف الأخيرة مكاناً غير مضمون للأطفال من وجهة نظر بعض العائلات..
أصدر وزير التربية والتعليم قراراً بالتأمين على حياة كل طلاب المدارس المصرية عقب موت طالب الدقهلية دهساً.. "نعلم أن هذا لن يعوض أسرته، لكننا سنعمل جاهدين على ضمان عدم تكرار هذا الحادث"
الوزارة ستضع حلاً لهذه المشكلة
يقول أحمد خيري المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم إن الوزارة تضع خطة لحل مشكلة الصراع الشديد الذي يتم على المقاعد الأولى في المدارس كل عام دراسي، ويعترف بأن الأمر أزمة حقيقية تحتاج لحل.
عرضنا على خيري حالة الطفلة المصابة بضعف نظر وحالة الطفل قصير القامة فأخبرنا أنه سيعرض الأمر على وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي لإصدار قرارات رسمية تجبر كل المدارس على جعل الطلاب قصار القامة وضعاف النظر وأصحاب أي حالات صحية أخرى الجلوس في المقاعد الأمامية.
يضيف خيري لرصيف22 أن وزير التربية والتعليم طارق شوقي لديه تقرير كامل عن حادث الطفل الذي توفي في محافظة الدقهلية، مضيفاً أن الوزير سيشرف على خطة جديدة لإيجاد حل سريع لهذه المشكلة.
ويعول كثير من المصريين على الوزير الحالي لتطوير منظومة التعليم المصرية. وزير التعليم تحدث مرارًا على عدة قنوات فضائية عن سلبيات التعليم الحكومي في مصر واعداً بخطة لتطوير التعليم في جميع المدارس المصرية.
وقام شوقي يوم 23 سبتمبر ب 27 جولة على مدارس بعدة محافظات مصرية ليكتشف بنفسه السلبيات.
ووثق الوزير العديد من السلبيات ومنها عدم نظافة بعض المدارس، وتأخر وصول الكتب المدرسية في مدارس أخرى، والكثافة الكبيرة في العديد من الفصول.
يقول خيري إن الوزير أصدر قرارا الأحد بالتأمين على حياة كل طلاب المدارس المصرية عقب موت طالب الدقهلية دهساً. "نعلم أن هذا لن يعوض أسرته، لكننا سنعمل جاهدين على ضمان عدم تكرار هذا الحادث" يقول المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم.
"لكننا سمعنا الكثير من الوعود، نريد أن نرى حلاً حقيقياً لمشاكل التعليم في مصر".. تقول نوال محمد بحزن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 11 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.