لا يستطيع أي مؤرخ موسيقي تجاهل عنوان مثل "عيشة" 1996، و"ديدي" 1991، وألبوم "الكوتشي" عام 1986 للشاب خالد الذي صنف أفضل ألبوم في القرن العشرين، كما لا يستطيع أحد أن يُدير ظهره لتجربة الشاب مامي مع النجم العالمي ستينغ في أغنية "وردة الصحراء" 1999، وهي جزء بسيط من ألوان ربيع الأغنية الجزائرية، تحديداً "فن الراي" الذي خرج من جلسات ما يطلق عليهم "الشيخات" بغرب الجزائر، إلى أهم مسارح أوروبا والولايات المتحدة، بعد أن ترجمت اللهجة الجزائرية إلى عشرات اللغات.
ولا يزال تميّز الأصوات الجزائرية في فرنسا، مستمراً، يوقعه هذه المرة جيل جديد، من المهاجرين إلى عاصمة "الجن والملائكة"، منهم من وصل "حرقاً"، بأحلامه وموهبته، ومنهم من قاده القدر ليولد إبن مهاجر جزائري، كان إلى وقت قريب جداً، يصارع أدراج البيروقراطية من أجل الحصول على أوراق الهوية، وبات له اليوم ابن يعانق النجوم.
سولكينغ - Soolking
"سولكينغ "، هذا الشاب النحيف، القمحيُ البشرة وصاحب الشعر الأسود الأشعث بلحية خفيفة مرسومة على وجهه، وصوته الرخيم الممزوج بكلمات فرنسية وعربية، هو صورة تكاد تكون طبق الأصل لعشرات الشباب الجزائريين في شوارع المدن الجزائرية. اسمه الحقيقي عبد الرؤوف دراجي "33 سنة"، قرر أن يسافر إلى فرنسا بعد أن بح صوته في شوارع الجزائر، يقضي ساعات جالساً على شواطئ بلدية سطاولي "مسقط راسه بالعاصمة"، التي لا تزال شاهدة على العبور الأول لاحتلال الجزائر عام 1830، وأصبح عبد الرؤوف يحاور زرقة البحر، ويستنشق النسيم القادم من الشمال، غير مشغول إلا بهَمّ واحد: الهجرة أو الهرب. لم تكن المهمة سهلة أمام المغني "سولكينغ" عام 2014، فقد احتاج إلى عصا سحرية كي يبدو بشكل مختلف، في رحلة البحث عن مكان له في عالم أغنية الراب، بعد أن وصل متأخراً بعض الشيء مقارنة بباقي الأسماء الفنية. في وقت انتهت فرنسا من رسم ملامح خارطة نجوم الراب الفرنسي، حاول عبد الرؤوف رفقة صديقه جام شو البحث عن تأشيرة المرور إلى قلوب الفرنسيين، وعرف في زمن وجيز كيف يحول تجربته في ألبوم "شد روحك "إلى لون موسيقي مختلف، يشد انتباه الفرنسيين إلى درجة أن عدة شركات إنتاج موسيقية فرنسية معروفة، وقعت في غرامه، وطالبته بالمزيد، بعد أن وجدت الشوارع والحانات والملاهي الليلية في فرنسا، طعماً فريداً من نوعه في موسيقى "سولكينغ".لأن مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا تعتبر الحضن الدافئ للمهاجرين العرب والأفارقة، فقد كان من الطبيعي أن تكون عاصمة "الراب" في فرنسا، حيث ينتمي إليها معظم الفنانين الجزائريين الشباب.
ما يميز "سولكينغ"، التطرق لمشاعر الحنين والإصرار على الوفاء لقضايا مهاجرين، لا نعرف ملامحهم، ولا عنوانهم ولكن كلمات أغاني الراب تشبه الروبرتاج الذي يكشف المستور لحياة المهاجرين في فرنسا، ينفض الغبار عن الذكريات، ويخط مساحة للرقص بطريقة متمردة.وهكذا وقع الشاب ورقة المرور لإصدار أول ألبوم له في فرنسا بعنوان "جونغل صولدا"، وهو العمل الذي أعلن ميلاد نجم كبير، كان إلى وقت قريب "حراقاً" في فرنسا. لقد تمكن المهاجر الجزائري الشباب من تصدر مشهد أغنية الراب الفرنسية، من خلال أغاني تصب مواضيعها في واد الحب والحياة والقضايا الاجتماعية، وترسل بين الحين والآخر رسالة حب إلى الجزائر، دون ملامسة السياسية أو المواضيع الدينية، كما هو شأن أغنية "حرب العصابات" التي قدمها "سولكينغ"،التي عبر فيها عن اعتزازه بأصوله الجزائرية والأفريقية، وقدم فيها تحية للزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا، وهي الأغنية التي تجاوزت حدود 160 مليون مشاهدة في وقت قياسي، وقد جمع فيها "سولكنيج" مجموعة من المهاجرين وقفوا خلف الميكرفون في استديو إذاعة "سكايروك" الفرنسية حيث تم تسجيل الأغنية التي تعتبر من أنجح أغاني الراب في فرنسا خلال الربع الأول من عام 2018. ما يميز "سولكينغ"، صوته المرهف بلمسة عاطفية، مع التطرق لمشاعر الحنين والإصرار على الوفاء لقضايا مهاجرين، لا نعرف ملامحهم، ولا عنوانهم ولكن كلمات أغاني الراب تشبه الروبرتاج الذي يكشف المستور لحياة المهاجرين في فرنسا، ينفض الغبار عن الذكريات، ويخط مساحة للرقص بطريقة متمردة، كأنها خلطة من المنشطات، أو كوب من عصير العنب المخملي المخمر، تعطي المستمع نشوة خاصة نرتشفها بأصوات هؤلاء الشباب، وإن لم نفهم كلماتها باللغة الفرنسية الممزوجة بعبارات عربية لا يمكن تفكيك شفرتها بسهولة، إلا أن التوزيع يجعل من أغاني "سولينغ" فسحة مع الحكايات التي نعيشها يومياً. لقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في انتشار ظاهرة "سولكينغ"، رفاقه الجزائريين الذين يؤدون ببراعة هذا النوع الغنائي، ما جعلهم في صدارة الأغنية الفرنسية وتجاوزت شهرتهم حدود أوروبا لتصل إلى العديد من الدول العربية خصوصاً المغاربية، هو ما تورده عناوين الصحافة الفرنسية، وقد كتب موقع"130 أر" الفرنسي :"سولكينغ، يحجز له مكاناً بين أشهر نجوم العالم"، فالظاهرة التي يمثلها "سولكينغ"، تجاوزت حدود الخيال بإمكانات بسيطة جداً، ليلتقي بمئات العناوين في الإعلام الفرنسي، كما كتب موقع "شارتز إن فرانس":"سولكينغ" يكسر الرقم القياسي". عدة عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية، سهلت مرور أسماء فنية جزائرية شابة إلى صدارة الـ" توب 10" في الأغنية الفرنسية، في عام 2018. فلم يعد من الممكن الحديث عن واقع الأغنية الفرنسية الحديثة، دون الإشارة إلى اسم "لاجيرايونو" و"سولكينغ" و"ريماكا" و"لارتيست" و"لاكريم" وهم من جيل الجزائريين الأفارقة المهاجرين إلى فرنسا، الذين يقفون اليوم إلى جانب "ماتر جيمس" ذي الأصول الكونغولية، الذي سحب البساط من تحت رواد الأغنية الفرنسية. ونذكر أيضاًً النجاح المبهر الذي حققته فرقة "ماجيك سيستم" الكوديفوارية، التي انطلقت من فرنسا وقدمت أغنية "السحر في الجو" عام 2014 لكأس العالم.
لالجيرينو - L'Algérino
النجاح الذي حققه أبناء الجالية من القارة السمراء في عالم أغنية الراب، أسال لعاب الشاب سمير جغلال، "37 سنة" المعروف باسم "لالجيرينو"، القادم من ولاية جنشلة بشرق الجزائر، واستقر رفقة أخيه في مدينة مراسيليا، ودخل عالم الراب في سن الحادية عشرة، وبدأ "لالجيرينو" في إصدار أشرطة يسجلها في بيته، وهكذا ذاع صيته، وأول ألبوم احترافي سنة 2005 بعنوان "الأخيرون" مع شركة التسجيلات 361 ريكوردز العالمية. لم تتوقف طموحات "سولكينغ" و" لالجيرينو" بل فاقت كل التوقعات، وقد وقعا معاً أغنية "أديوز" وهي أغنية مشتركة تعتبر من أهم أغاني الراب في صيف 2018، وقد تجاوزت حدود الـ50 مليون مشاهدة، في أقل من شهر، وهذا النجاح السريع زاد من شهية الشباب. فقرر "سولكينغ" رفع سقف التحدي، والمضي قدماً في مسيرة إبهار الجمهور، ليس فقط بالصوت والكلمات والتوزيع الموسيقي، بل أيضاً بالرقصات، وهكذا قدم أغنية وفيديو كليب" دليدا" ، محققاً بها رقم الـ17 مليون مشاهدة في أقل من 48 ساعة من أطلاق الأغنية على يوتوب، وتحولت إلى ظاهرة حقيقة. كما ألهب مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر معجبوه عبر العالم فيديوهات تقلد رقصاته في الفيديو كليب الذي أطلقه هذا الشهر، زبدة تعاقد المغني الشاب مع شركة " كابيتل غروب ميزك" العالمية ضمن ألبوم لمجموعة لـ" افرانشيس ميوزك" الذي وقع معها "سولكينغ" مؤخراً عقداً، وهو النجاح الذي وضع "سولكينغ" في مرمى عيون الفنانين الكبار على غرار الشاب خالد الذي يستعد هو الآخر لإطلاق أغنية ثنائية مع" سولكينغ".سفيان / فينسو - Fianso
وبالحديث عن "افرانشيس ميوزك"، فالموضوع يحيلنا مباشرة إلى شاب آخر، من أصول جزائرية، هو المعروف في عالم أغنية الراب بـ"سفيان فينسو" وإسمه الحقيقي سفيان زرماني، من مواليد 1986، هاجر والداه الجزائر وقررا الاستقرار في مدينة كلوس سانت لازار بفرنسا، وتحول سفيان اليوم إلى أحد أبرز مغنيي الراب في فرنسا، يقدم لوناً يشبه لون "سولكينغ" ولكن أكثر فرنسية، إذ لا يستخدم اللغة العربية إطلاقاً، وأصدر ألبومه الأول عام 2007 بعنوان "برامير كلاك" رفقة مجموعة "افرانشيس ميوزك".لطفي دوبل كانون – Lotfi Double Kanon
بالنسبة لعلاقة أغنية الراب الفرنسية، بالأصوات الجزائرية، فقد كانت البداية مع المغني الجزائري لطفي دوبل كانون، الذي شكل نقلة نوعية في مجال أغنية الراب الجزائرية، ثم قرر أن يستقر في فرنسا، ليحجز مكانة هامة في أواخر التسعينيات، قبل أن يتراجع مؤخراً، بعد الحملة التي تعرض إليها، بسبب كلمات أغانيه المدافعة عن الهوية العربية والإسلامية، إلى درجة أن شركة فيرجين التي تعتبر من أكبر الشركات الأمريكية الصوتية رفضت توزيع ألبومه الغنائي، لأنه ضم أغنية ضد رئيس وزراء إسرائيل الراحل أرييل شارون. اليوم أغنية الراب الفرنسية هي صوت المهاجرين بلا منازع، فكل رواد هذا النوع من الأغاني، من أبناء الضواحي، فلا يزال هذا اللون الموسيقي ويحتضن أصوات البسطاء، لهذا عادةً يمر إليه أبناء المهاجرين، ولأن مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا تعتبر الحضن الدافئ للمهاجرين العرب والأفارقة، فقد كان من الطبيعي أن تكون عاصمة "الراب" في فرنسا، حيث ينتمي إليها معظم الفنانين الجزائريين الشباب، فمرسيليا تعتبر قبلة الجزائريين المهاجرين الأولى منذ استقلال الجزائر 1962،حتى يومنا هذا، بحكم العلاقات التاريخية وخاصة اللغة الفرنسية التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من العامية الجزائرية.لاكريم - LaCrim
في هذه المدينة الساحلية التي تبعد حوالي 900 كلم فقط عن الجزائر، يصفها الجزائريون بالولاية الجزائرية رقم 49ـ"عدد ولايات الجزائر 48"، نظراً للعدد الكبير للجالية الجزائرية المقيمة فيها، إذ تقع في الضفة الشمالية للبحر الأبيض متوسط، ما يجعلها مدينة شبيهة من عدة بمدن جزائرية هامة على غرار وهران والعاصمة وعنابة، ولا تتقاسم فقط نسيم البحر، إنما الثقافة والهوية والمواهب، وقد أنجبت هذه المدينة واحداً من أهم مغنيي الراب في أوروبا وهو المعروف باسم "لاكريم" واسمه الحقيقي كريم زنود" 33 سنة"، وهو من أصول جزائرية، تحول ظاهرة حقيقة في عالم أغنية الراب في فرنسا، منذ أن بدأ مسيرته عام 2001، مع المغنين الصاعدين وتناول المواضيع الاجتماعية. &list=PLX4v9w38uJ7gIUkXTrjqNtBFbUf4WAB0j لقد بات من المستحيل اليوم، أن تستغني الساحة الفنية الفرنسية عن المواهب الجزائرية والإفريقية، سواء في الموسيقى والسينما والمسرح، إذ نجد أسماء الجزائريين في الصفوف الأولى للفن السابع على غرار ابن مدينة وهران طاهر رحيم وزوجته ليلى بختي، أو حفيد الروائي الجزائري الكبير الراحل كاتب ياسين، وأصبح ابن أخيه الممثل الشاب رضا كاتب متصدراً الأفلام الفرنسية الهامة، شأنها في ذلك شأن ساحة الأغنية الفرنسية، فللأصوات الجزائرية مكانة هامة لدى الأذن الفرنسية، التي تعشق بحة الجزائريين وموسيقاهم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...