راب التونسيين المهاجرين: استنسخ من ساحة الراب الأميركية مظاهر البذخ والإجرام والفحش
الاثنين 22 يناير 201808:44 م
في تونس، وفي ظلّ أمركة العالم، ظهرت موسيقى الراب منذ تسعينات القرن الماضي مع مجموعات نشطت في معظم الأحياء الشعبيّة في العاصمة، واستلهمت من هذه الموسيقى الوافدة طابعها المقاوم للسلطة واتّخذت منها وسيلة للفت أنظار الشباب لمشاكلهم الاجتماعيّة ودعوتهم للثورة على أوضاعهم المتردّية مع مواقف تتسم بالجرأة، في بعض الأحيان (تلميحاً لا تصريحاً)، من السلطة السياسيّة التي تعتبر السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع.
فمنذ التسعينات إلى ما قبل الثورة، كانت ساحة الراب في تونس تشهد تطوّراً تدريجياً على المستوى الموسيقيّ، ولكنّها ظلّت حبيسة مواضيع تتمحور أساساً حول الأوضاع الاجتماعيّة بما تحمله من مشاكل ومشاغل في وسط الشباب تنهل منها لتقدّم أعمالها.
لكن مع هبوب رياح الثورة وانفتاح المجال الاعلاميّ أمام الرابرز الذين خرجوا للضوء وأصبحوا مضطرين للتعامل مع الشهرة، ظهرت أساليب جديدة في تقديم موسيقى الراب رافقه كذلك ظهور لرابرز جدد لم تعرفهم الساحة التونسيّة، فهم إمّا شباب هاجروا وعاشوا خارج تونس لمدّة طويلة أم أنهم ينتمون لما يسمى بالجيل الثاني والجيل الثالث من المهاجرين التونسيين الذين وجدوا في موسيقى الراب ضالتهم واتخذوها وسيلة للتعبير عن مشاغلهم من زاوية جديدة على المستمع الذي اعتاد رابرز من قلب الأحياء الشعبية في تونس.
ههنا يُطرح العديد من النقاط المهمّة لأنّ هؤلاء الرابرز قاموا، لاإرادياً، بعمليّة انحياز بالراب التونسي ليخلقوا فضاءات ومجالات ومصادر إبداعيّة جديدة يرى البعض أنّها إضافة لهذا النمط الموسيقي في حين يرى البعض الآخر أنّهم مجرد دخلاء.
في هذا المقال، سنحاول التعرّف على أبرز هؤلاء الرابرز التونسيين الذين يقدّمون أغانيهم من خارج تونس. وسنعمد إلى مقاربة رؤاهم لهذه الموسيقى والمقوّمات التي يعتمدونها لجلب أكبر عدد من المتابعين. كما سنتتبع مكانة عامل البعد عن الوطن ومدى تأثير ذلك على موسيقاهم.
يعتبر كادوريم من الرابرز التونسيين المهاجرين الذين قلبوا هذه المفاهيم وقدموا إلى الساحة التونسيّة بعقليّة ربحيّة، متعالية ومستنسَخَة من الساحة الاميركيّة، التي ترتكز على إظهار جانب البذخ والإجرام والفحش. لذلك يمكن أن نستنتج أنّ الراب الذي يقدّمه كادوريم هو "راب مستورد" يصل في شكل صورة شاحبة رغم الأضواء والبهرجة.
ففي أغنيته "إسكوبار"، يظهر ضعف الكلمة والأداء اذ يبدأ الكليب بموسيقى هادئة مع صوت نداء حاد كخلفيّة متموّجة ويباغت المستمع بانقلاب في الإيقاع مع موسيقى الكترونيّة مملّة ومتكرّرة لا تتماشى مع تدفّق الرابر الذي يسابق الموسيقى تارة ويتخلّف عنها طوراً.
ولا يختلف الأمر كثيرا فيما يتعلّق بالنص فهو تباه بالإمكانات الماديّة وإشارة إلى انّه رقم واحد (موضوع قُتِلَ واستُهلك مئات المرات). وقد جرى تصوير الأغنية على طريقة الفيديو كليب والصور والإشارات، وهو انعكاس ونموذج حقيقيّ لتأثّر هذا الرابر بمدرسة راب البذخ والفحش الأميركي (خلال الكليب يرتدي سترة عليها علم الولايات المتحدة ويظهر بها أكثر من مرّة).
يبدو كادوريم مثالاً حياً عن الرابرز التونسيين الذين تأثّروا بالمحيط الذي تعرفوا عليه في المهجر، فحاولوا نسخ هذا النموذج وتقديمه للمستمع التونسي. وإن جازفنا بالمقارنة بين كادوريم وأيّ رابر تونسي ينتج موسيقاه بإمكانات بسيطة سنلاحظ فرقاً شاسعاً على مستوى جودة الكلمات والموسيقى والأداء.
فراب التبجّح على طريقة المدرسة الاميركيّة يبدو انّه لا يستهوي المستمع التونسي الذي كانت له تجربة مع هذا النمط مع رابر عاش في العاصمة (قبل أن يعتزل ويلتحق بتنظيم الدولة الاسلاميّة) هو إيمينو، الذي تمكّن من احتلال مكانة مهمة على الساحة، لأنّه اشتغل على الصورة وإبراز مظاهر الترف ولكنّه لم يهمل الموسيقى، كما أولى عناية كبيرة للنصوص والأداء، وهو ما يهمله كادوريم ولا يعطيه أيّ أهميّة لأنّه يعتبر موسيقى الراب مجرّد "بيزنس"، كما أشار في إحدى مقابلاته التلفزيونية. وهذا التوجّه نحو الماينستريم وتحقيق أقصى عدد ممكن من المشاهدات بات هدف جيل كامل من الرابرز التونسيين.

التسعينات الأميركيّة والألفية الثانية التونسيّة: الراب مُسْتَنْسَخاً
شهدت موسيقى الراب تطوّرا على عدّة مستويات، لكنّ أهمّها هو ظهور نقطة التقاء مع الرأسماليّة وستايل العيش انعكست على الأغاني المصوّرة على طريقة الفيديو كليب أين يبرز الرابر ثراءه ويستعرض البذخ الذي يعيشه. من التسعينات إلى الألفيّة الثانية كان الرابر بيغي مثلاً بأغنيته بيغ بوبا خير دليل على هذا التحوّل وذلك تعمّق أكثر مع الجيل الذي يليه مثل فِيفْتِي سَانت بأغنيته كاندي شوبْ. هذا الالتقاء بين النظام الرأسمالي وقيمه وتأثيرها على أغنية الراب التي أصبحت تجسّد صورة الخارج عن القانون، والمحارب للبوليس وقع استنساخها من طرف رابرز تونسيين مهاجرين اختلطوا بهذا الميدان وأصبحوا متأثرين بهذه الدائرة التي طبعت فنّهم، فكانت أغانيهم نتاج عمليّة استنساخ للراب الأميركي. الرابر التونسي كادوريم، الذي هاجر في سنّ السادسة عشرة من تونس إلى فرنسا ثمّ إلى الولايات المتحدة حيث يقيم الآن، هو أحد هؤلاء الرابرز الذين يسعون إلى فرض أنفسهم بقوّة المال. لقد قام هذا الرابر بمجموعة من الثنائيات مع تي- باين وغيره من الفنانين المشهورين. ما يلفت الانتباه في أسلوب كادوريم هو هذه النبرة المتعالية في نصوصه. فالإيغو-تريب بالنسبة له هو المبدأ وليس الاستثناء. والحقيقة أنّ هذا الرابر كظاهرة (إن كان يمكن اعتباره كذلك) هو من مظاهر الانحياز بالراب التونسي نحو مسالك جديدة ورؤى لم يعهدها المستمع التونسي الذي اعتاد كليبات مصوّرة بتكاليف وتقنيات بسيطة. مع كادوريم، أخذت موسيقى الراب بعداً جديداً (بالنسبة للتونسيين) فمنهجيّة عمله تعتمد أساساً على الاستثمار واللعب على الصورة بإخراج هوليودي مع الظهور محاطاً بالعديد من الموديلز. وربّما يستمدّ الاستفسار عن آليات انحياز هذا الرابر بالراب التونسي مستمداً لمشروعيّته من كون هذه الموسيقى كنمط متفرّد مرتبط في ذهن المتلقي التونسي ببحث على مستوى الكلمات والموسيقى رغم الإمكانات المنعدمة تقريباً.