لم تكن تعلم "ندى" أن خروجها للسهر في تلك الليلة سيكلفها ثمناً باهظاً.
فما إن انتهت من احتساء الكأس الذي قدمه لها صديقها الجديد، حتى بدأت تشعر بشيءٍ غريبٍ يسري في عروقها، إذ انتابها إحساس بأنها مسلوبة الإرادة وغير قادرة على التحكم بجسدها وتفكيرها.
للوهلة الأولى ظنّت أن ما اختبرته هو مجرد "هلوسات" بسيطة نتيجة الكحول، إلا أنها سرعان ما أدركت أنها تعرضت للخداع إذ انتهى بها المطاف في بيت "صديقها" والذي اتّضح أنه وضع لها مادةً مخدرة في شرابها بهدف ممارسة الجنس معها.
أكثر من مجرد أوهام
إذا كتبنا على غوغل مصطلح "الكحول المغشوشة" سوف نحصل على نتائج مذهلة، البعض منها يقدم نصائح حول كيفية تجنب الوقوع في هذا الفخ، في حين أن البعض الآخر يستعرض بعض الطرق لاختبار هذه المشروبات، وهنا سؤال يطرح نفسه: هل "دسّ" المواد المخدرة في المشروبات الكحولية هو عملية شائعة في الحانات الشعبية أم أنها مجرّد أوهام وهلوسات شخصية ناجمة عن الإفراط في احتساء الكحول؟ سعى فريق بحث بقيادة "سوزان سوان"، من جامعة كارولينا الجنوبية، إلى الإجابة عن بعض الأسئلة من خلال دراسة نشرت في مجلة Psychology of Violence وكان هدفها تحديد مدى شيوع ظاهرة "المشروبات المغشوشة".تبيّن أن المرأة أكثر عرضةً للوقوع في فخ المشروبات المغشوشة، أما الدافع وراء ذلك فهو استغلالها جنسياً في حين أن دسّ المواد المخدرة في كأس الرجل يكون في الغالب بغية التسلية وقضاء وقتٍ ممتع
لا تشربوا أي شيء من دون أن تكونوا قد اِطلعتم في وقتٍ سابق على طريقة تحضيره وسكبه.وبعد إجراء المسح على 6064 طالباً من ثلاث جامعاتٍ، وجد الباحثون أن 462 طالباً أبلغوا عن 539 حادثة وقعوا خلالها ضحية "التخدير"، في حين أن 83 طالباً اعترفوا بأنهم قاموا بتخدير أحد أو عرفوا عن قيام أحدهم بوضع المخدر في كأس شخص آخر. وقد علّقت "سوان" على هذه النتائج بالقول:" هذه البيانات تشير إلى أن عملية التخدير هي أكثر من مجرد أوهام". لا يوجد دراسات دقيقة تحدد نسبة الكؤوس المغشوشة في بعض الدول العربية، لكن الحكايات عديدة حول فتيات (وحتى فتيان) تم استغلالهن بهذه الطريقة، وبالتالي خضعن للتجربة نفسها ولو بسيناريو مختلف.
جريمة مميتة
لعلّ أكثر أنواع الغش الذي يحدث في الحانات يكون عن طريق وضع بعض المواد المخدرة في كأس أحد الأشخاص دون علمه، وذلك لعدّة أسباب أهمها: الاستغلال الجنسي، الخطف، الانتقام، السرقة أو لمجرد التسلية. ولكن من المستهدف أكثر في عمليات الغش هذه: المرأة أم الرجل؟ يمكن لأي شخص أن يقع ضحية "المشروبات المغشوشة"، ولكن في معظم الأحيان تكون النساء أكثر عرضةً لمثل هذه الحوادث، خاصة اللواتي تراوح أعمارهنّ بين 18 و30 عاماً. وقد وجدت الدراسة التي أجرتها "سوزان سوان" اختلافاً واضحاً بين الجنسين، إذ تبيّن أن المرأة كانت أكثر عرضةً للوقوع في فخ المشروبات المغشوشة، أما الدافع وراء ذلك فهو استغلالها جنسياً في حين أن دسّ المواد المخدرة في كأس الرجل يكون في الغالب بغية التسلية وقضاء وقتٍ ممتع. وتعليقاً على هذا الموضوع، قالت "سوان":"حتى لو قام شخص ما بتخدير الآخر من أجل المتعة فقط ومن دون وجود أي نية سيئة للاستفادة من الشخص المخدر، إلا أن هذا السلوك يعدّ قسرياً ومهيمناً". وبدوره اعتبر موقع Casa Palmera أن وضع المواد المخدرة في مشروب أحد هو جرم بحد ذاته، خاصة أنه من خلال هذه العملية يتم تعريض الشخص المستهدف لخطرٍ صحي كبير، لا سيما أن بعض الناس تكون لديهم ردود أفعال خطيرة تجاه هذه المشروبات المغشوشة، الأمر الذي قد يؤدي حتى في بعض الحالات إلى الوفاة.كيف تتم عملية الغش في المشروبات الكحولية؟
إن المواد التي يتم وضعها "خلسةً" في المشروبات الكحولية يطلق عليها إسم "عقاقير الإغتصاب"، وهي تشمل: -غاما-هيدروكسي بتيرايت (GHB) وغاما-بيوتيرولاكتون (GBL): هذان العقاران يستخدمان بشكلٍ واسعٍ في حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي لكونهما يؤديان إلى الشعور بالنشوة والنعاس وشلّ الحركة. واللافت أن الآثار تبدأ بعد حوالي 10 دقائق ويمكن أن تستمر نحو 7 ساعات أو أكثر. -المهدئات، بما في ذلك benzodiazepines والتي تشمل الفاليوم والروهيبنول: هذه العقاقير تستخدم لعلاج الأرق والقلق وقد يصبح المرء مدمناً عليها، واللافت أنها تعمل عن طريق زيادة تأثير مادة كميائية في الدماغ تعرف بـ(gamma amino butyric acid (GABA والتي تؤثر سلباً على التفكير العقلاني وعلى الذاكرة. وعادةً، يبدأ مفعول هذه المهدئات بين 15 و 30 دقيقة مع ظهور بعض الأعراض مثل التقيؤ والارتعاش وغيرهما من الأعراض التي قد تستمر لعدة ساعات حسب الكمية المستهلكة. -كيتامين: مخدر قوي يمكن أن يقلل من الإحساس الجسدي، مما يدفع المرء إلى الشعور وكأنه أصبح عائماً وغير قادر على تحريك جسده، ويمكن للآثار أن تشمل أيضاً الهلوسة، ونوبات الهلع وفقدان الذاكرة. تبدأ الآثار بعد مرور 5 دقائق على استهلاك هذه المادة وغالباً ما يستمر المفعول ما بين 30 دقيقة وعدة ساعات.حماية النفس والوقاية
وضع موقع Casa Palmera بعض الإرشادات والنصائح لتفادي الوقوع ضحية المشروبات "المضروبة": -لا تتركوا مشروبكم يغيب عن نظركم خلال السهرة وفي حال اضطررتم للمغادرة لبعض الوقت احرصوا على تركه مع شخص موثوق به. -لا تشربوا أي شيء من دون أن تكونوا قد اِطلعتم في وقتٍ سابق على طريقة تحضيره وسكبه. -على غرار الأمثولة التقليدية "لا تأخذوا الحلوى من الغرباء"، لا تسمحوا لأي شخصٍ غريبٍ بأن يقدم لكم المشروب. -حاول أن تصطحب معك إلى السهرة صديقاً مقرباً، فبهذه الطريقة يمكن أن يراقب أحدكما مشروب الآخر أو المغادرة سوياً في حال شعر أحدكما بأي أعراضٍ غريبة. -في حال كنتم على موعد مع شخصٍ غريب، اِعلموا المقربين منكم عن مكان تواجدكم. من جهتها أكدت المستشارة الطبية سارة جارفيس لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية أنه من غير المحتمل أن ترى أو تشمّ أو تعرف من خلال المذاق أي اختلاف في شرابك إذا تم وضعه فيه أي مواد مخدرة، مشيرةً إلى أن الطريقة الوحيدة لمعرفة عمّا إذا كان المشروب مغشوشاً هو التركيز على الأعراض التي غالباً ما يتم ربطها بالثمالة. وفي هذا الصدد تقول جارفيس:" في حال بدأتم تشعرون بأمورٍ غريبة وبأنكم ثملون أكثر من المعتاد، فعندها عليكم أن تحصلوا على المساعدة فوراً من شخصٍ موثوق به". وتؤكد أن الوقوع في هذه التجربة يمكن أن يؤدي إلى خسائر أكثر حدّة، خاصة لناحية ترك الضحية تتصارع مع مشاعر العار والشعور بالذنب والخوف.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...