ما يزيد على عشرة أعوام، والأغنيات الشعبية في مصر، المسماة بـ«المهرجانات» تنتشر وتتوغل، وتحجز لنفسها مكانًا بارزًا، وسط طبقات لم تكن تتوقع يومًا أن يغزوها شباب طامح في تقديم لون فني غريب من النواحي المتعارف عليها موسيقيًا، وأحيانًا بذيء، بعدما كانت تخاطب فئة بعينها، هي شباب الشارع.
عام بعد آخر، ومحبو الطرب الأصيل بحق، ومن يتشدقون به، ما إن يسمعوا كلمة المهرجانات، حتى يتحسسوا مسدساتهم، ويجعلوا أصابعهم في آذانهم، معلنين الحرب على هؤلاء الشباب، الذين لا يجلسون في مجالس المثقفين ولا يسمعون انتقادهم، أو بالأحرى لا يعنيهم.. باختصار يعملون في صمت تحول لضجيج يسمعه الأصم.
طوال هذه المدة منذ نشأة المهرجانات، والأسئلة ما زالت عالقة: ما الذي يكرهه رافضو المهرجانات فيها.. هل الموسيقى؟ أم الكلمات؟ أم الخلفية الاجتماعية الآتي منها هؤلاء الشباب، الذين لا يشبهون مشاهير الطرب، من حيث الشكل والمضمون؟
«فريق الأحلام»: نحن نختلف عن الآخرين
«نحن شباب بسيط لا يرغب في شيء سوى إدخال السرور على أهل منطقتنا، بعمل أغنيات بسيطة، لا تخلو من إلقاء التحية في كلماتها على الذين ساهموا في خروجها للنور، وكثيرًا ما يُذكر أسماء أناس لمجرد شكرهم لحضورهم الفرح الشعبي المقام على أنغام مهرجاناتنا». بهذه الكلمات دافع أعضاء «فريق الأحلام» عما يقدمونه، مؤكدين أنهم يقدمون أغنيات تحمل مضمونًا اجتماعيًا يختلف عما يقدمه غيرهم من فرق المهرجانات. في المقابل، فإن أشد المدافعين عن المهرجانات، لا يغفل أبدًا إشكالية المحتوى المقدم من خلال الكلمات؛ لكن زيزو النوبي، شاعر فريق الأحلام ينفي ذلك في حديثه لـ«رصيف 22»، قائلًا: «مهرجاناتنا لا تخلو من قيمة اجتماعية تمس كل مواطن، فنحن من قدمنا أغنية الحاكم والمحكوم، التي انتقدنا من خلالها الظلم الواقع على المواطن الفقير، فقلنا في كلماتها: «النوبي فتح قاموسه في دنيا الحاكم والمحكوم ابن اللواء بيقتل.. ده نفوذ أبوه خلّاه جريء والظابط لما ينزل بيشيّلها لحد برئ تحلف قدام القاضي إنك مظلوم والظلم حرام واللواء يدفع وراضي والمظلوم ياخد الإعدام تسلمي وتعيشي يا بلادي وعلى الطيبة يالا السلام الناس محبوسة في قفص أسود مفيهوش أي نفَس والقوي يسلك ويعدي والطيب جواه يتهرَس».ما إن يسمعوا كلمة المهرجانات، حتى يتحسسوا مسدساتهم، ويجعلوا أصابعهم في آذانهم، معلنين الحرب على هؤلاء الشباب، الذين لا يجلسون في مجالس المثقفين ولا يسمعون انتقادهم، أو بالأحرى لا يعنيهم..
مهرجاناتنا لا تخلو من قيمة اجتماعية تمس كل مواطن، فنحن من قدمنا أغنية الحاكم والمحكوم، التي انتقدنا من خلالها الظلم الواقع على المواطن الفقيرعن هذه الأغنية تحديدًا، يقول النوبي: «هذه الأغنية تحديدًا قدمنا منها أربعة أجزاء، وفي كل مرة بكلمات مختلفة، ولحن مغاير». لم تكن هذه الأغنية الوحيدة من نوعها لـ«الأحلام» التي تحكي من مشاكل اجتماعية يعيشها المواطن البسيط في منطقة الدخيلة بمحافظة الإسكندرية، التي يقظنون بها بصورة خاصة، وفي مصر بشكل عام، فنراهم في أغنيتهم الوحيدة التي صورتها قناة «شعبيات» على طريقة الفيديو كليب بشكل بدائي جدًا «كله بالفلوس»، يسيرون على نفس النهج الاجتماعي الخالص، فيقول أشرف بنوا، أحد أعضاء الفريق: «هذه الغنوة تحديدًا لم تكن في حاجة لتصويرها بطريقة الفيديو كليب لتنال ما تستحقه من شهرة». مصطلح «كله بالفلوس» شهير في مصر، ويستخدم في الغالب بين أشخاص يتحاسبون على أمر ما بينهم، ويبدو أن هذا ساهم في انتشار الأغنية، التي حققت على موقع الفيديوهات «يوتيوب» 24 مليون مشاهدة، بالطبع هذا لا ينفي جودة الكلمات وتناسقها مع اللحن البسيط، والأداء المغلف بخاصية الـ«أوتو تيون» التي تعتمد عليها كل فرق المهرجانات. وبشأن هذه الأغنية يقول حمو صبحي، ثالث أعضاء فريق الأحلام: «اعتمادنا على الكلمات المؤثرة في مستمعينا هو ما ساهم في اختلافنا عن غيرنا، ولا أذكر غنوة لنا عقّب عليها أحد بأنها مسيئة، فمثلًا في "كله بالفلوس"، لخّص زيزو النوبي، كاتب الأغنية، حالة الجشع التي أصبحت مسيطرة على مجتمعنا، فيقول:
كل ما أعرفه عن الاشتراكية أنها تهتم بالمواطن البسيط، فلو كانت كلماتي اشتراكية، فأنا اشتراكي«الدم يا ناس صبح ميّة.. أخ ويّا أخوه.. عايز ورث أبوه.. قالوا نعمل إيه.. قالوا نقتلوه.. لحم ويا دم العيال نسوه.. هوبا جابوا سم.. قاموا سمموه.. ده لأجل الفلوس.. تغور الفلوس.. ابن قتل أبوه.. علشان الفلوس.. فوقوا يا خلق هو.. ملعون الفلوس.. إنتو ليه خليتم كله بالفلوس؟».
نحن ننتمي للشارع.. اشتراكيون بالفطرة
بسؤال النوبي عن كونه يعرف أم لا أن كلماته تنضح بالفكر الاشتراكي، أشار إلى أنه لا يفهم في السياسة، قائلًا: «كل ما أعرفه عن الاشتراكية أنها تهتم بالمواطن البسيط، فلو كانت كلماتي اشتراكية، فأنا اشتراكي». ويضيف: «عُرض عليّ أكثر من مرة الغناء لمرشحين لمقاعد البرلمان في الدائرة التي نتبعها بالإسكندرية ورفضت بشكل قاطع، فكيف أنتقد أفعال الكبار الذين لا يمثلوننا، وفي الوقت ذاته أتغنى باسمهم؟ ولو فعلت ذلك فسأخسر نفسي، والفريق ستقل شعبيته، فلو لاحظت كل أغنياتنا مذكور بها أسماء أشخاص حقيقيين من قلب منطقة الدخلية التي نقطن، ولن تتخيل كم السعادة التي يشعرون بها عندما يستمعون لأسمائهم تُردد في أغنية يتداولها المصريون جميعًا».مزيكا حلوة رقص قليل
رغم أن المهرجانات منذ نشأتها، كان هدفها الأساسي إيصال مستمعها لحالة من الانتشاء، وعلى إثرها ينتفض للرقص، سواء منفردًا، أو وسط جماعة في فرح شعبي، فإن فريق الأحلام الذي يكمل حاليًا عامه الثامن منذ إنشائه، لا يرى في الرقص هدفًا، لكن تهمه أشياء أخرى. وفي هذا الإطار يقول زيزو: «لسنا جُهلاء كما يروج البعض عن مطربي المهرجانات، فأنا أدرس بهندسة الإسكندرية، وكان حلمي منذ الطفولة أن أصبح شاعرًا، فلم أجد وسيلة لتوصيل ما أريد للناس سوى المهرجانات، فانضممت في البداية لأحد مؤسسي المهرجانات، ويُدعى فيلو، ثم اختلفنا في الرؤى، وعلى إثر دلك، التقيت بحمو وأشرف، لتكوين فريق خاص بنا، فأتينا بالـ"العِدة"، وجهزنا أستوديو الدربكة في الدخيلة لنصدر من خلاله بكورة أعمالنا، ومستمرون به حتى الآن». وتابع: «أحاول من خلال الموسيقى أن أجذب فئة كبار السن لسماع مهرجاننا، من خلال دمج الألحان الكلاسيكية لسيد مكاوي، وغيره، في عدد لا بأس به من أغنياتنا، فاستعنت بلحن أغنية أنا هنا يا ابن الحلال، في مهرجان "الحاكم والمحكوم"، في أغنية أخرى، للتأكيد على فكرتنا بأن الكلمات أهم من الرقص».نداء لنقابة الموسيقيين: اعترفوا بوجودنا
الهجوم الذي يُشن على صانعي المهرجانات، جعلهم يجهرون بالشكوى، فيقول زيزو النوبي: «نحن نعلم جيدًا أننا نصنع من الفسيخ شربات، بمعنى أن تكلفة الغنوة الواحدة لا يتعدى الخمسة آلاف جنيه، وهو ما جعل كل من هب ودب يُقبل على تقديم مهرجانات، أغلبها رديء ومُسف كما يصفوننا؛ لكن هل هذا يُعد سببًا للتعميم؟ ماذا لو أدرجتنا نقابة المهن الموسيقية ضمن قوائمها، واعتبرت المهرجانات فنًا مُحترمًا، مثل باقي الفنون؟». وأشار النوبي إلى أن الحل في «الفلترة»، قائلًا: «أعني بذلك أن تعترف بنا النقابة، ومن ثم يُتاح لها تقييم الجيد من الرديء، فالنقابة تعلم يقينًا أن المهرجانات كانت سببًا في اختفاء الكثير من مشاهير الطرب في عالم الأفراح، فكل من يريد صنع فرح يُسعد حضوره، يأتي بفريق مهرجانات ليشعل له الحفل، ويرقص الشباب على أنغامهم، لأننا نقدم ما يريده الجمهور ويليق بفكرة الفرح، ولأن أسعار النجوم غالية جدًا».رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين