أن تكوني امرأةً في المغرب، يعني أنك ستتعرضين حتماً لتحرشٍ جنسيٍّ أحد الأيام. لا يمكنك توقعُ مكان حدوثه، فقد يكون في الشارع العام، في إحدى وسائل النقل المشتركة، في مكان العمل أو الدراسة، أو حتى في إدارةٍ عموميةٍ تقضين بها بعض شؤونك.. كما ليسَ ضرورياً أن تتعرضي للتحرش عن طريق اللمس، فالراجح أنك ستسمعين كلماتٍ ذاتِ إيحاءاتٍ جنسية، أو مجردَ صَفير يُفهمُ بشكلٍ أوتوماتيكي أنه تحرشٌ جنسي، وفي أقصى الحالاتِ، قد يُلاحقُكِ أحدهم بضعة أمتارٍ، ويُمطِرُكِ بِسيْلٍ من الكلمات "الحلوة" لَعلَّها تَدفعُكِ للتَّوَقُّفِ من أجل التحدث إليه. قضيةُ تحرشٍ أخرى تثير الجدلَ منذ ثلاثة أيامٍ، حول سيدةٍ متزوجةٍ في مدينة الدار البيضاء، وضعتْ لدى المصالح الأمنية شكايةً بثلاثةِ شبانٍ تقول إنهم تحرشوا بها في الشارع العام، عندما كانت تريد الدخول إلى أحد المقاهي حيث ينتظرها زوجها، ليفاجئها الشبان الثلاثة بإيحاءاتٍ جنسيةٍ استُعمِلَ فيها كلامٌ ساقط. هذه النازلة، أشعلتِ النقاشاتِ لأنها تأتي على بعدِ أيامٍ قليلة من دخول القانون حيّزَ التطبيق، ما سيُشكِّلُ امتحاناً حقيقياً للمصالح الأمنية والقضاء، خصوصاً فيما يتعلّقُ بمسألة إثباتِ حدوثِ التحرش، نظراً إلى أنه وقعَ في فضاءٍ عمومي، ما يجعلُ إثباتَه أمراً صعباً للغاية.
بُشرى للمغربيات.. قانونٌ يعاقب المتحرشين، لكن..
انطلاقاً من الأربعاء 12 سبتمبر، سيدخلُ القانون المتعلقُ بمحاربةِ العنف ضدَّ النساء في نسخته الجديدة حيّزَ التطبيق، بعدما صادقَ عليه البرلمانُ المغربي تزامناً مع عيد الحب المصادِف 14 فبراير من كل سنة. القانونُ المذكور، تضمنَ مستجداتٍ شكَّلت انتصاراً لحقوق النساء في المغرب، من قبيل تجريمِ الإكراه على الزواج، والتحايلِ على مقتضيات مدونةِ الأسرة، إلّا أن النقطةَ التي أثارتْ جدلاً كبيراً هي المتعلقة بالتحرش الجنسي، فالقانونُ الجديد وضعَ عقوباتٍ مشددةً تخصُّ المتحرشين، تصل إلى السجن من شهرٍ إلى خمس سنواتٍ، حسب صِفة الشخص الذي مَارَسَ التحرش. وسيُواجِهُ المتحرشون المغاربة "عقوبةً حبسيةً من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة تتراوح بين 200 و10000 درهمٍ (بين 21,17 و1.058,45 دولاراً أمريكاً) أو إحدى العقوبتين، لكل من أمعنَ في مضايقة الآخر في الفضاءاتِ العمومية أو غيرها من الأماكن بأقوالٍ أو إشاراتٍ أو أفعالٍ لها دلالاتٌ جنسيةٌ أو لأغراضٍ جنسيةٍ، أو عن طريق وسائلَ مكتوبة، أو إلكترونية، أو هاتفية، أو تسجيلاتٍ، أو صورٍ، ذات طبيعةٍ جنسية أو لأغراض جنسية". أما إذا كان المُتحرِّشُ مِمَّنْ تربطهم علاقة قرابةٍ بالضحية، فإن العقوبة ستكون أكثر تشدداً، إذ ينصُّ القانون الجديد على "عقوبةٍ حبسيةٍ من ثلاث إلى خمس سنوات، وغرامةٍ من 5000 إلى 50000 درهم (بين 529,22 و5.292,25 دولاراً أمريكاً) إذا كان التحرش مرتكَباً من أحد الأصول، أو المحارم، أو إذا كانت للمتحرش ولايةٌ أو سلطةٌ على الضحية، أو إذا كان مكَلَّفاً برعايتها، أو كافلاً لها، أو إذا كانت الضحية قاصراً". لكن المشكلَ الذي طرحته مضامينُ هذا القانون، تكمنُ بالأساس في إشكاليةَ الإثبات، إذ تساءلت الكثيرُ من النساءِ المغربيات عن الكيفية التي ستتيح لهنَّ إثبات تعرضهن للتحرش من طرف شخصٍ معين، خصوصاً إذا تعلّقَ الأمر بالأماكن المغلقة، كمقرَّاتِ العمل والجامعات والثانويات التي لا تتيح للمرأة إمكانيةَ تأكيدِ تعرّضها لأحدِ أنواعِ التحرش الجنسي. سألنا نساءً مغربياتٍ عن رأيهن في القانون الجديد في شقِّه المتعلِّق بتجريم التحرش، ومعظمهن أجمعْن على استحالةِ تطبيقه على أرض الواقع، نظراً إلى صعوبةِ إيجاد دلائلَ تؤكدُ حتميةَ تعرضهِن للتحرش. نجوى، شابةٌ في الـ26 من عمرها، تشتغل في إحدى الشركات الخاصة بمدينة الدار البيضاء، تؤكد أنها لم تتَلقَّ صدور هذا القانون بابتهاجٍ، مضيفةً لرصيف22 "أشياءٌ كثيرةٌ تنقُصُ في مضامينه، خصوصاً في المسألة المتعلقة بالإثبات، فمثلاً، كيف سيمكنني أن أثبتَ تعرضي لتحرشٍ لفظيٍّ من طرف أحد زملائي في العمل؟ ستكون شكوى دون جدوى، بل المشكلةُ هي أن المتحرش سيجدُ ذريعةً مقنعةً لتكذيبي، سَيدَّعي أنها مكيدةٌ وأنني أريد الإيقاعَ به.. لذلك فهذا القانون لا يتضمن أيَّ انتصار لي كامرأةٍ لِرَدْعِ كل من حاول التحرشَ بي." أما بالنسبة لسلمى، طالبةٌ في جامعة الرباط في عقدها الثاني، فإن مقتضياتِ هذا القانون لن تضعَ حداً لظاهرة التحرش الجنسي في المغرب "أصبح التحرش في مجتمعنا أمراً عادياً، فبكثرة حدوثه، تحول إلى ظاهرةٍ اجتماعيةٍ طبيعية! درجةَ أن رؤية رجلٍ يتحرش بامرأةٍ لم تعد تثير غضبَ أحدٍ من المارة". تضيف لرصيف22 "أنا أتعرض للتحرش بشكلٍ مستمر، يمكن القول مرةً أو مرتين في الأسبوع، في الشوارع والأزقة التي تعرف نوعاً من الاكتظاظ، في الغالب يكون عن طريق استعمال بعض المفردات الجنسية، ونادراً ما يكون هناك لمس.. أحياناً أتعرض للتحرش الجنسي بمعناه الحقيقي عندما يلمسني شخصٌ ما في إحدى المناطق الحساسة في جسدي، لكن لا حيلةَ لي.. لقد أصبح واقعاً يجب عليَّ كفتاةٍ أن أتعايش معه".ماذا يقول الرجال؟
لم يستقبلِ الرجالُ المغاربة صدورَ هذا القانون بصدرٍ رحب، سواءٌ تعلَّقَ الأمر بالمتحرشين أو بالذين لا يضايقون النساء بأيّ شكلٍ. عبَّرَ حسن، الخمسيني، عن امتعاضه من مضامين القانون الجديد فيما يتعلق بتجريمِ التحرشِ الجنسي، معلّلاً بأنه يتيح الفرصةَ لملاحقة أي رجلٍ حتى وإن لم يقصد التحرش بالمرأة "جاء في القانون أن حتى الأقوال قد تصنَّف في خانة التحرش، يعني إذا قلتُ لفتاةٍ: انْتي زْوِينَةْ - جميلة - فقط من باب الإطراء، فهل سأُعتَبرُ متحرشا؟ ماذا لو قدمتْ شكوى بالتحرش ضدي؟ كيف سأدافعُ عن نفسي أو بالأحرى كيف سأثبت العكس؟ هذا القانون من شأنه أن يخلقَ المتاعب للرجال، وقد تستعمله بعض النساء للإيقاعِ بإحدهم." يشتغل حسن موظفاً في إحدى وزارات العاصمة، ويؤكد لرصيف22 أن القانون سيدفع الموظفين الرجال لأخذِ الحذرِ الأيامَ القادمةَ "لستُ ضد القانون أو ضد النساء اللواتي يتعرضن للتحرش، لكننا في المغرب، لسنا في أوروبا.. لدينا مشكلٌ في العقليات. أنت تعرف أن داخل المصعد لا توجد كاميراتٌ للمراقبة، ماذا لو اتهمتني زميلةٌ في العمل بالتحرش بها، أو اتهمتْ غيري؟ صدِّقني، هذا القانون سيفسح المجال لتَصفيةِ الحساباتِ عبر شكاياتٍ كَيْديةٍ، وحتماً سنرى أمثلةً لذلك."التحرش في المغرب.. في كلّ مكان، وبلا حدود
لم يكن لمفهومِ التحرشِ الجنسيِّ أثرٌ في المجتمع المغربي قبل عشرين سنةً، لكن ومع حلول الألفيةِ الثالثة، وبسبب التغيُّرِ الجذريِّ الذي طرأَ على العقلياتِ ونمطِ العيشِ لدى الكثير من المغاربة، وجدَ التحرشُ طريقَه إلى حياة المغربياتِ، وتحوَّلَ إلى كابوسٍ يوميٍّ لا مفرَّ منه. في يوليو الماضي، نشرت المدونة المغربية زينب بنموسى، تسجيلاً لمكالمةٍ هاتفيةٍ ورسائل نصية، مرفقةً بتدوينةٍ، تحكي عن تعَرُّضها للتحرش الجنسي من رئيس مصلحةٍ في إحدى مقاطعاتِ مدينةِ وجدة شرقَ المملكة. وقعَ ذلك عندَ ذهابها إلى المقاطعة من أجل تجديدِ جوازِ سفرها، لكنها وعكس ما توقعتْ، تعرضتْ للتحرش من طرف رئيس مصلحة داخلَ مكتبه. تقولُ زينب إنها لم تكن تريد أن تُعَقِّدَ الموضوع وتغاضتْ عن الأمر، لكنها فوجِئتْ لاحقاً بسلسلةِ اتصالاتٍ هاتفية ورسائلَ قصيرةٍ من رئيس المصلحة نفسه، وصلت إلى درجة أنها تلقَّتْ دعوةً منه لتناول السمك في أحد المطاعم لأنه "أُعْجِبَ بها كثيراً" على حد قوله. لكن، كيف حصل المسؤول على رقم هاتفها الشخصي؟ تضيف زينب أنها منحته رقمها الهاتفي بعدما أُصرَّ على ذلك بحُجَّة أنَّهُ "ضروري" لإعداد جواز السفر، وأمام الاستفزازات التي تعرضت لها من طرفه، قرّرَتْ أن تتقدَّمَ بشكايةٍ ضده لدى المصالح الأمنية فور عودتها إلى مدينة وجدة، وقد حَظيَ قرارُها بإشادةِ الكثير من المُعلِّقينْ خصوصاً أنها تتوفر على حُججٍ تؤكد ذلك.يعني إذا قلتُ لفتاةٍ: انْتي زْوِينَةْ - جميلة - فقط من باب الإطراء، فهل سأُعتبَر متحرشاً؟ ماذا لو قدمتْ شكوى بالتحرشِ ضدي؟ كيف سأدافعُ عن نفسي أو بالأحرى كيف سأثبتُ العكس؟
بدْءُ تطبيق قانونٍ جديدٍ لمواجهة التحرشِ في المغرب، بعقوباتٍ مشددةٍ تخصُّ المتحرشين، تصل إلى السجن من شهرٍ إلى خمس سنواتٍ، لكنه لم يخلُ من إشكالاتٍ تتعلّق بالرجل والمرأة معاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...