عند الحديث عن المعارضة المصرية، وخاصة المعارضة داخل البرلمان، يحضر فوراً اسم تكتل "25-30". فقد استطاعت مجموعة صغيرة من النواب أن تجعل من نفسها محط الأنظار داخل المجلس التشريعي وخارجه.
حالة جدل وإثارة تلازم مواقفهم تحت قبة البرلمان، وخلافاتهم الدائمة مع تكتل الأغلبية ورئيس المجلس، إلى درجة تحويلهم أمام لجنة القيم في البرلمان وتهديد رئيس المجلس لهم علناً بإسقاط عضويتهم. حتى رجل الشارع البسيط صار يعرف أسماء العديد من أعضاء هذا التكتل، رغم قلة عددهم.
وإذا كان نجم "تكتل 25-30" قد بزغ في أولى جلسات البرلمان، إلا أن شهرته اكتسبها بشكل خاص من معارضته لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي منحت جزيرتي تيران وصنافير للمملكة.
ويتصدر التكتل دائماً مشهد المعارضة في كافة مناقشات مشاريع القوانين المثيرة للجدل داخل مجلس النواب، مثل مشروع قانون الخمة المدنية والضريبة على القيمة المضافة وتحصين عقود بيع شركات القطاع العام وتمييز وتحصين قيادات المؤسسة العسكرية وصندوق مصر السيادي...
بين حالتي التأييد والرفض لتكتلهم، وفي ظل مطالبات شبابية وسياسية باستقالتهم كي لا يُضفوا صورة ديمقراطية على النظام المصري، يستمر أعضاء "25-30" في التعبير عن صوت فئات غير قليلة أوصلتهم إلى البرلمان.
قصة تشكيل التكتل
مع الساعات الأولى لعمل مجلس النواب الحالي، وعقب انتخاب رئيسه ووكيليه، كان لزاماً عليه أن يراجع عشرات القوانين التي أصدرها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي قبل انعقاده، وإلا أصبحت شرعية بقوة الدستور. حينذاك، وقف النائب ضياء الدين داود ليقدّم خارطة عمل يمكن من خلالها إنجاز تلك المهمة الشاقة، فوعده رئيس المجلس علي عبد العال بمناقشتها في الجلسة المسائية، وهو ما لم يحدث، فاعترض داود على سياسة إدارة الجلسة وسانده كل من خالد يوسف وأحمد طنطاوي وهيثم الحريري ومحمد عبد الغني وأحمد الشرقاوي، لتبدأ قصة التكتل. يتذكّر ضياء الدين داود تلك اللحظات ويقول لرصيف22: "لم أكن أعرف أياً منهم سوى المخرج السينمائي الشهير خالد يوسف، وكنت أسمع عن هيثم الحريري بحكم أن والده هو السياسي والبرلماني اليساري المناضل البارز الراحل"، ويضيف: "لقد أجبرتنا الظروف على أن نكون معاً. أما هيثم الحريري، فيروي لرصيف22: "كنت أفكر في تشكيل تحالف برلماني سياسي يدافع عن العدالة الاجتماعية من منظور اليسار، وفجأة وجدتهم وساعتها أدركت أنني وجدت ضالتي". مبتسماً، يستكمل داود ذكرياته ويقول: "قررنا أن نكون معاً، وانضم إلينا خالد شعبان وجمال الشريف ونادية هنري ويوسف القعيد وإيهاب منصور، وبدأنا في التنسيق معاً وتوزيع الأدوار من أجل حضور جلسات اللجان النوعية المهمة، وبعد نقاشات طويلة تم الاستقرار أن يكون اسم التكتل 25-30 التزاماً بانحيازنا لأهداف الثورة الأم (25 يناير 2011) وموجتها اللاحقة (30 يونيو 2013)". هكذا ظهر التكتل الذي يضم 11 نائباً يشتركون دائماً في مواقفهم، وينضم إليهم في بعض المحطات آخرون بحسب مشروع القانون الذي يعترضون عليه. ويروي أحمد طنطاوي لرصيف22 أن أعضاء التكتل حاولوا توسيعه ولكن لم يكن هذا ممكناً "خاصة أن ثوابت التكتل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الواضحة والمتفق عليها ستكون محل مناقشة مع كل نائب يُقترح انضمامهم لنا، لذا فضّلنا التعاون المشترك مع باقي الأعضاء، خاصة مَن هم خارج الأغلبية، في كل قضية على حدة". وبالرغم من أن الشرط العددي لتشكيل تحالف برلماني لم يتحقق لهم، إلا أن أداء أعضاء التكتل أجبر المجلس وهيئة المكتب على الاستماع إليهم وتقدير وجهة نظرهم، خاصة حينما كان يبدأ كل عضو حديثه بقوله: "باسمي، وباسم أعضاء تكتل 25-30 ". تحوّلت قاعة المجلس بشكل أسبوعي دوري إلى مسرح لخلافات حادة بين أعضاء التكتل من جهة وبين تحالف الأغلبية ورئيس المجلس من جهة ثانية، خاصة بعدما قرر المجلس عدم بث جلساته مباشرة، قبل أن يمنع إذاعتها ولو مسجلة، وهو ما اعتبره أعضاء التكتل إهداراً لحقوق المواطن. ويري هيثم الحريري أن "بث الجلسات وإعلان مواقف الأعضاء هو حق لكل مواطن أدلى بصوته، حتى تتسنى له معرفة تفاصيل أداء الوكيل الذي ينبغي أن يعبّر عن الأصيل الذي انتخبه". وبعد خلافات عدة حول قرار منع البث، استقر المجلس على منح كلمة النائب له مسجلة، بناءً على طلب مسبق. ويقول طنطاوي: "في العديد من الأحيان لا تأتينا الكلمة التي طلبناها أصلاً، وحينما نستفسر عن السبب، يقولون إن هذا حصل بالخطأ!".معارضة من أجل المعارضة؟
في تصريح سابق له عام 2017، اتهم عضو تحالف الأغلبية محمد أبو حامد تكتل 25-30 بأنه يحاول منذ اللحظة الأولى إثارة الرأي العام، ويعارض من أجل المعارضة، كما اعتاد إصدار بيانات تحريضية تشكك فى مجلس النواب وتثير الشكوك حوله في وسائل الإعلام، ما دفعه إلى تقديم طلب لرئيس المجلس لتحويل أعضاء التكتل على لجنة القيم. استنكر التكتل ذلك حينذاك ورد خالد شعبان على أبو حامد بأن أحداً لا يستطيع المزايدة على التكتل، خاصة وأن الجميع يعرفون مواقف أعضائه الثابتة، وانحيازهم التام للطبقة الكادحة ودفاعهم عن حقوق العمال وعملهم من أجل الوطن. ومع بدايات الدورة البرلمانية الثانية، أعلن رئيس المجلس تحويل كل من هيثم الحريري، خالد عبد العزيز، نادية هنري، يوسف القعيد، جمال الشريف، ضياء الدين داود، أحمد الشرقاوي، وإيهاب منصور على لجنة القيم، إثر عقدهم مؤتمراً صحافياً أعلنوا فيه رفضهم قانون الضريبة على القيمة المضافة، بعد موافقة المجلس مبدئياً عليه. وبالرغم من أن التكتل عارض بشراسة موازنة الحكومة المقدمة وبياناتها المتتالية على مدى ثلاث دورات برلمانية مرّت، إضافة إلى مشاكسته المستمرة في كافة القوانين التي يقرّها المجلس سريعاً، بدون مناقشات كافية، إلا أن معركة الدفاع عن مصرية تيران وصنافير تُعدّ أبرز معاركه، خاصة أنه استطاع خلالها أن يحشد قوة برلمانية كبيرة معه أثناء التصويت، تعدّت خمس الحضور، ناهيك عن ترويجه الإعلامي الجيّد لموقفه، وتناغمه مع قوى معارضة اعترضت شعبياً على الاتفاقية، وتظاهرت ضدها.عند الحديث عن المعارضة المصرية، وخاصة المعارضة داخل البرلمان، يحضر فوراً اسم تكتل "25-30". فقد استطاعت مجموعة صغيرة من النواب أن تجعل من نفسها محط الأنظار داخل المجلس التشريعي وخارجه
بين حالتي التأييد والرفض لتكتلهم، وفي ظل مطالبات شبابية وسياسية باستقالتهم كي لا يُضفوا صورة ديمقراطية على النظام المصري، يستمر أعضاء تكتل "25-30" في التعبير عن صوت فئات غير قليلة انتخبتهمولعل تلك المعركة التي يعتز بها أعضاء التكتل هي السبب الرئيسي في الصدام الحاد بينهم وبين رئيس المجلس، خاصة بعدما تم تحويل طنطاوي إلى لجنة القيم واستدعائه لمكتب المجلس للتحقيق معه. ويروي أحمد طنطاوي أن رئيس المجلس حوّله إلى لجنة القيم بتهمة إهدار المال العام، عقب رميه بعصبية ميكروفوناً كان يمسك به، اعتراضاً على رفض رئيس المجلس أن يعطيه الكلمة. ويشير إلى أن التقرير الفني أثبت أن الميكروفون سليم ولم يتضرر، ما دفع رئيس المجلس إلى تغيير قرار إحالته إلى مخالفة العادات البرلمانية. لم ينتهِ التحقيق، ولم تصدر لجنة القيم توصية بشأنه إلى الآن، ويتم استخدام الواقعة كفزاعة لا تزال معلقة رغم مرور دورتين برلمانتين على وقوعها. وفي قصة أخرى، تقدم عدد من نواب ائتلاف الأغلبية برسالة إلى رئيس المجلس تفيد بأنهم تلقوا مكالمات ورسائل تتضمن تهديدات بالقتل وعبارات سب وقذف من مواطنين، بعدما نشر النائب هيثم الحريري على صفحته الخاصة على فيسبوك قائمة بأسماء النواب الذين وافقوا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وهو ما تناقلته عنه عدة منابر إعلامية. حينذاك، قررت لجنة القيم استدعاء الحريري للتحقيق معه بعدة تهم منها اشتباكه مع أعضاء البرلمان أثناء مناقشة عدد من الاتفاقيات الهامة داخل مجلس النواب وتجاوزه غير المسموح به للائحة الداخلية وتعمده المستمر تعطيل سير عمل اللجان النوعية والجلسات العامة من خلال مداخلاته المستمرة بدون استئذان للحصول على الكلمة. وبعد ذلك، كيل الكثير من الاتهامات له بعد ظهوره على تلفزيون "العربي" القطري، بتهمة أن القناة محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر. ويرد الحريري على تلك الاتهامات بقوله إن "عدداً من أعضاء مجلس النواب ومنهم رؤساء لجان ظهرا على تلك القناة الفضائية، وكذلك حال عدد من المسؤولين فى وزارات مختلفه في الحكومة". ويتساءل: "كيف يمكنني التواصل مع الرأي العام في ظل قرار غير معلن من جهة أو شخص بمنع ظهوري على أية قناة فضائية مصرية؟"، مضيفاً: "وصل الأمر إلى منع مداخلة تلفزيونية لي بمجرد إعلان المذيع عن اسمي. وفي جلسات مجلس النواب، تم وقف قناة صوت الشعب التي كانت تذيع الجلسات مسجلة، ولم يعد يتم رفع كل الجلسات على قناة اليوتيوب التابعة لقناة صوت الشعب". ويبدو أن لا أحد يستطيع توقّع ما يمكن أن يحصل مع أعضاء التكتل خلال الفترة المقبلة، خاصة أن رئيس المجلس كان قد نوّه قبل انقضاء الدورة البرلمانية الثالثة إلى أن عدداً من الأعضاء سيفقدون عضويتهم خلال أسابيع قليلة.
لماذا البقاء في المجلس؟
إذا كان هذا هو المناخ داخل مجلس النواب، لماذا يصرّ أعضاء التكتل على البقاء فيه؟ يقول ضياء الدين داود إن خيار الاستقالة كان دائماً في حسابات التكتل، وهو القرار الأسهل، ولكن مناقشات عديدة أُجريت مع شخصيات عامة وسياسية دفعتهم للاستمرار، خاصة حينما طالبهم الإعلامي إبراهيم عيسي بالبقاء وفضح كل ما يدور في المجلس من تجاوزات، في ظل حالة التعتيم الإعلامي المتعمد على الأمر. ويشير طنطاوي إلى أن أعضاء التكتل كانوا على أعتاب الاستقالة بعد التجاوزات التي تمت لتمرير اتفاقية تيران وصنافير، و"لكن بالعودة إلى قواعدنا الشعبية التي انتخبتنا سمعنا كلا الرأيين، وتوصلنا إلى أنه من الصعب أن نضحي بطموحات ناخبينا مهما تعرضنا لظروف قاسية وصعبة". يرى الناشط السياسي المؤيد للنظام ومنسق قائمة "في دعم مصر" للمحليات حشاد عبد الله أن تكتل 25-30 هو المنبر الحقيقي للمعارضة الوطنية داخل البرلمان، ويستنكر محاولات إسقاط عضوية أعضائه، معتبراً ذلك "خدمة لصالح دول الشر"، ومشيراً إلى "ضرورة أن يعلم القاصي والداني أن مصر هي بلد الحرية والديمقراطية لكل الأشخاص العاديين، فما بالك وهؤلاء نواب اختارهم الشعب؟". ويطالب الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الدكتور محمد السعيد إدريس، أعضاء التكتل بالصمود واستكمال المواجهة وعدم التفكير في الاستقالة، مشيراً إلى أن المجلس لو بادر إلى إسقاط عضويتهم "سوف يفضح شكل الحياة الديمقراطية والبرلمانية في مصر". يؤكد إدريس لرصيف22 غياب الحرية والديمقراطية بشكل عام في البلاد، وهو الأمر الذي اتفق معه فيه الدكتور محمد البسيوني، أمين عام حزب تيار الكرامة الذي أشار إلى أن عدداً من أعضاء التكتل تناقشوا مع الحزب حول فكرة استقالتهم فرفضها الحزب نظراً لأهمية تواجدهم داخل المجلس كأداة لفضح تفاصيل ما يدور في الداخل. ويعتبر إدريس أن حرمان المصريين من مشاهدة جلسات المجلس العامة هو "إهدار لحق أعضاء التكتل في التوحّد مع مطالب الشعب وحقوقه وطموحاته المشروعة". في المقابل، طالب المحامي بالنقض وعضو هيئة الدفاع عن الأرض المصرية طارق نجيدة أعضاء التكتل بالاستقالة أكثر من مرة، معتبراً أن استقالتهم سيكون لها صدى أكبر من الاستمرار، و"بهدف فضح الديمقراطية المزيفة التي يسعى النظام إلى التسويق لها". ويقول لرصيف22 إن استمرار التكتل في المجلس، منذ الموافقة على "اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير" يعطي "صورة مزيفة عن ديمقراطية تمارَس داخل المجلس". أما رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد، فيرى أن منافع استمرار التكتل داخل المجلس أفضل بمراحل من فكرة الاستقالة "التي سينتهي ضجيجها عقب يومين على الأكثر بعد تنفيذها". ويشير في حديثه لرصيف22 إلى أن الرأي العام المصري أصبح يدرك حقيقة الأوضاع داخل المجلس "بفضل التفاصيل التي يفضحها أعضاء التكتل عبر بياناتهم وتصريحاتهم التي تتناقلها صفحات التواصل الاجتماعي". في خطاب التكتل، حدث تطوّر نوعي وصل إلى توجيه الكلام إلى رئيس الجمهورية ذاته، وتحميله بشكل مباشر نتائج السياسات الحالية، وهو ما يعتبره أعضاء في التكتل تطوراً طبيعياً بعد أن عجزت كل الأدوات الديمقراطية والبرلمانية عن التصدي لما يمس بشكل مباشر حياة المواطن المصري. بعد أسابيع قليلة، تُفتتح الدورة البرلمانية الرابعة. فهل سيبقى أعضاء التكتل في المجلس أم يستمعون إلى الأصوات المطالبة بانسحابهم منه قبل إسقاط عضويتهم؟ أم هل ستسبقهم الأغلبية ومَن وراءها إلى المبادرة وتُسقط عضويتهم؟ أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات ستوفّرها الأيام القادمة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...