في 24 يوليو الماضي، كانت الإمارات على موعد مع حدث غير عادي. رئيسا إثيوبيا وإريتريا يظهران معًا أمام الكاميرات وبينهما ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، بعد أسابيع قليلة من توقيعهما اتفاقية سلام تنهي خصومة دامت 20 عامًا.
اللقطة والمناسبة لم تكونا اعتباطيتين، فعلى الشاطئ الآخر للبحر الأحمر، أفادت تقارير أن الإماراتيين لعبوا دورًا رئيسيًا في تسهيل تقارب البلدين.
قدمت الإمارات نفسها داعمةً لجهود السلام، في وقت يعد استقرار الخصمين اللدودين مهمًا لإستراتيجيتها الجامحة نحو تعزيز تأثيرها القوي بالفعل وإحكامها السيطرة على موانئ القرن الإفريقي.
كميل لونز، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، رصدت ملامح تشكل إمبراطورية الإمارات البحرية وبروز البحر الأحمر والقرن الإفريقي كحلبتين جديدتين للتنافس بين القوى الإقليمية.
توسع بحري من الخليج إلى إفريقيا
بموجب وجودها الطويل على سواحل البحر الأحمر، استخدمت الإمارات موانئ دبي العالمية، المملوكة جزئياَ للدولة، كأداة تجارية ودبلوماسية رئيسية، مما سمح لها بمضاعفة امتيازاتها التجارية واتفاقياتها الاقتصادية مع موانئ القرن الإفريقي. وتسيطر الإمارات على سلسلة من الموانئ في هذه المنطقة، تمتد من ميناء عصب الإريتري (أحد أسباب النزاع القديم بين إريتريا وإثيويبا الحبيسة الخالية من السواحل) إلى جيبوتي وبربرة في أرض الصومال وبوساسو في بونتلاند وبارواي في الصومال وكيسمايو في جنوب الصومال. وفي نطاق آخر من البحر الأحمر، في جنوب وغرب اليمن، أدى التدخل الإماراتي ضد الحوثيين والقاعدة إلى فتح المجال أمام الإمارات لزيادة نفوذها في الموانئ اليمنية المحلية، مثل المُكلا وبيرالي والبهف وعدن والمخا، والآن الحُديدة. وقبل بضع سنوات، تستخدم الإمارات أيضًا وجودها في الموانئ الأجنبية كمنصة انطلاق لإبراز قوتها العسكرية في المنطقة. وبعد تدهور علاقاتها مع جيبوتي، أنشأت الإمارات أول قاعدة عسكرية أجنبية في ميناء عصب في إريتريا في 2015، التي لعبت دورًا رئيسياً في فرض حصار التحالف (العربي) على اليمن، وفي تنسيق الضربات الجوية ضد الحوثيين في اليمن. كما تقوم الإمارات بتطوير قاعدة بحرية وجوية في بربرة (صوماليلاند)، وتعزيز تعاونها العسكري مع سيشيل. وهو ما يكشف تركز مساعي الإمارات بشكل رئيسي على موانئ البحر الأحمر والمحيط الهندي الغربي، التي تحتل موقعًا إستراتيجيًا على مفترق الطرق التجارية التي تربط بين أوروبا وإفريقيا وآسيا.بينما تهدد إيران بوضع قيود على العبور من مضيق هرمز، يُعتبر الحفاظ على الأمن وحرية الملاحة في باب المندب أمرًا حاسمًا بالنسبة للإمارات
أدى التدخل الإماراتي ضد الحوثيين والقاعدة إلى فتح المجال أمام الإمارات لزيادة نفوذها في الموانئ اليمنية المحلية، مثل المُكلا وبيرالي والبهف وعدن والمخا، والآن الحُديدة.وبينما تهدد إيران بوضع قيود على العبور من مضيق هرمز، يُعتبر الحفاظ على الأمن وحرية الملاحة في باب المندب أمرًا حاسمًا بالنسبة للإمارات. ولكن ربما الأهم من ذلك سعي الإمارات إلى جعل نفسها عنصرًا رئيسيًا في مبادرة "الحزام والطريق"، التي تعتبر الخليج العربي والمحيط الهندي من محطاتها الإستراتيجية، لا سيما مع محاولات دول الخليج تنويع اقتصاداتها، تمثل الاستثمارات الآسيوية ومكانتها في طرق التجارة العالمية فرصًا هامة لاقتصاد الإمارات في مرحلة ما بعد النفط.
معركة أخرى في الخليج.. حتى الحلفاء يتحايل بعضهم على بعض
يوفر ميناء جبل علي الإماراتي ربع الناتج المحلي الإجمالي لدبي، ويعد حاليًا أحد أكبر الموانىء للحاويات في المنطقة، مع زيادة قدرته الاستيعابية بمقدار الثلث منذ عام 2015 لتصل إلى حوالى 20 مليون حاوية سنوياَ. لكن إذا كانت الإمارات حاليًا هي القوة البحرية الأكثر استباقًا وتوسعًا بسرعة في المنطقة، فهي ليست الوحيدة، فقد استثمرت دول الخليج الأخرى بكثافة في تطوير موانئها والبنى التحتية اللوجستية الخاصة بها. ويخطط ميناءا الملك عبد الله وجدة السعوديان لمضاعفة قدرتهما خلال السنوات القادمة، فهناك خطة لربط هذه الموانئ على البحر الأحمر بمدينة الدمام على الخليج العربي من خلال خطوط أنابيب نقل جديدة وشبكات سكك حديدية من شأنها أن تقطع طرق التجارة بشكل كبير، نظرًا لأنها ميزة تنافسية. أما سلطنة عُمان، التي كانت لها إمبراطورية كبيرة في منطقة القرن الإفريقي عاشت لقرون، فتحاول الاستفادة من موقعها الإستراتيجي على المحيط الهندي، مما يسمح لها بتخطي مضيق هرمز، من خلال تطوير موانئها في صحار وصلالة والدقم. وعلى الضفة المقابلة للخليج، تسعى إيران لجذب الاستثمارات الصينية والهندية لتطوير مينائها في شابهار، التي ستكون مرتبطة بآسيا الوسطى عبر السكك الحديدية. ومع ذلك، فإن عودة العقوبات الأمريكية على طهران قد تحد من طموحاتها. في حين افتتحت قطر ميناء حمد في سبتمبر 2017. ورغم أن هذا نابع في المقام الأول من حاجتها إلى إعادة توجيه مساراتها التجارية نتيجة للحصار الذي تفرضه الإمارات ودول خليجية عليها، فإن ميناءها الجديد قد يصبح أيضًا بديلًا موثوقًا به لجبل علي الإماراتي. الحصار المفروض على قطر أظهر كيف يمكن استخدام الموانىء كأداة للضغط السياسي، لذا فإن دول الخليج على دراية تامة بهذا الخطر وتحاول تنويع مسارات التجارة عبر الحدود والتجارة البحرية وإعادة توازنها. وهو ما فعلته قطر بإعادة توجيه مساراتها من جبل علي نحو موانئ إقليمية أخرى، مثل صحار في عمان وشواكين في الكويت. كما وقعت شراكة في مجال النقل مع إيران وتركيا لمساعدتها على تجاوز الحصار. وبالمثل، وضعت عُمان خططًا لتطوير موانئها في صحار والدقم، وتتعاون بشكل أكبر مع قطر لتقليل تعرضها للضغط السياسي المتزايد من السعودية والإمارات بسبب علاقة الأخيرة المُستمرة مع إيران. حتى بين الحلفاء تنافس، إذ يمكن اعتبار الاستثمارات السعودية في ميناء الدقم العُماني ومشاريع البنية التحتية التي تعزز الروابط البرية بين البلدين - والتحايل على الإمارات - محاولة من الرياض لتقليل اعتمادها على الموانئ الإماراتية، وتخفيف احتكارها للطرق التجارية الخليجية.مخاوف من "عسكرة" القرن الإفريقي
خضع القرن الإفريقي والبحر الأحمر بشكل خاص للعسكرة المتزايدة بسبب لعبة مُعقدة من الخصومات الإقليمية التي تشمل السعودية والإمارات وتركيا وقطر وإيران ومصر. وإضافة إلى كونها دولًا مانحة هامة للمساعدة في القرن الإفريقي، سعت هذه الدول إلى زيادة وجودها العسكري في البحر الأحمر. فإلى جانب القاعدة العسكرية السعودية في جيبوتي والقواعد الإماراتية في إريتريا والصومال، تستعد تركيا أيضًا لفتح قواعد في مقديشو (الصومال) وسواكن (السودان)، وتقوم إيران بعمليات لمكافحة القرصنة في البحر الأحمر، فيما شائعات تسري بأن مصر تجري محادثات لإقامة قاعدة عسكرية في إريتريا. كما لعبت القوى الإقليمية دورًا في التوترات الداخلية في شرق أفريقيا لموازنة نفوذ كل منها. ففي الصومال على سبيل المثال، تلعب أنقرة وأبو ظبي دوراً في التنافس الداخلي بين الحكومة المركزية في مقديشو والعشائر الصومالية والولايات الفيدرالية لزيادة نفوذها على حساب الطرف الآخر. ويخشى المجتمع الدولي من أن تؤدي الخصومات بين الخليج وتركيا إلى تأثيرات غير مستقرة على منطقة هشة بالفعل. أما الأوروبيون، فيملكون حصصًا إستراتيجية كبيرة في القرن الإفريقي ويعتمدون بشكل كبير على طرق التجارة البحرية التي تمر عبر مضيق هرمز وقناة السويس، ويرون في هذه المنافسة الإقليمية على السلطة الكثير من القلق. ومع ذلك، يشير التقارب بين إريتريا وإثيوبيا إلى أن الإمارات مستعدة لفرض نفسها كوسيط سلام واستقرار السلطة في المنطقة. سوف تخبرنا التطورات المستقبلية ما إذا كانت التجربة والتبعية الاقتصادية ستلعبان دورًا أكبر في الصراع أو تصبحان عاملًا من عوامل السلام في المنطقة - لكن ما يجري بالفعل يؤكد أن البحر الأحمر والطرق البحرية الإقليمية يظهران كحلبتين جديدتين للتنافس الإقليمي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم