"الاحتطاب" الجهادي... سلب ونهب بغطاء ديني
السبت 4 أغسطس 201804:17 م
صباح الأول من أغسطس 2018، استفاقت تونس على عملية سطو مسلح استهدفت فرعاً مصرفياً في مدينة القصرين، غرب البلاد، على الحدود مع الجزائر، في عملية هي الثانية من نوعها خلال أقل من شهر.
وكان مصرف في منطقة المنار في الضاحية الغربية للعاصمة التونسية قد تعرّض في 11 يوليو الماضي لعملية سطو مسلح.
بعد ساعات من واقعة مدينة القصرين، تبيّن أن الهجوم كان عملية إرهابية. ونقلت وكالة "تونس إفريقيا للأنباء" الرسمية عن مصادر أمنية قولها إن ''سطو أربعة مسلحين على فرع أحد البنوك الواقعة بمدينة القصرين هو حادثة إرهابية نفّذها 11 عنصراً إرهابياً قاموا بالاستيلاء على سيارة أحد المواطنين، بسفح جبل السلوم، قبل أن يعمد أربعة منهم إلى امتطائها واقتحام الفرع البنكي باستعمال ثلاثة أسلحة من نوع كلاشنيكوف فيما ظلت بقية العناصر برفقة صاحب السيارة المستولى عليها".
وأضافت المصادر أن "العناصر الأربعة التحقوا إثر عملية السطو بالإرهابيين السبعة في السيارة المحتجزة ليلوذوا جميعهم بالفرار ويتركوا السيارة وصاحبها بالمكان".
وعلى الرغم من أن وزير الداخلية التونسي الجديد، هشام الفراتي، قال لوسائل الإعلام المحلية إنه "لا يمكن الجزم بوجود صبغة إرهابية في عملية السطو المسلح إلا بعد بت القضاء في ملابسات العملية"، إلا أن الصحف التونسية نقلت عن أكثر من مصدر أمني وحكومي تأكيدات حول طبيعة العلمية الإرهابية.
تدخل هذه العملية وغيرها من العمليات المشابهة في خانة "الاحتطاب''، وهو أحد وسائل ومصادر التمويل التي تعتمدها الجماعات الجهادية.
ويضيف أنه يجب التمييز بين الغزوة والسريّة في الممارسة النبوية، فالغزوة تكون بالقتال والغنيمة، والسريّة للترهيب وتحصيل الأموال دون قتال، وقد تأوّلت الحركات الجهاديّة المعاصرة مفهوم الغنيمة بعد تكفير الدولة والمجتمع وتحويل دار الدعوة إلى دار حرب ليصير تحصيل المال من "الكفار" واجباً شرعياً على المجاهد.
وهذا ما ذهب إليه أحد قادة تنظيم القاعدة أنور العولقي في قوله: "المال الذي يؤخذ من الكفار بالقوة أكثر طهراً ونقاء من ذلك الذي يحصل عليه رجل الأعمال أو الفيزيائي أو المزارع لأنه ببساطة مصدر الدخل الذي ارتضاه الله سبحانه للرسول محمد".
سرقة بغطاء ديني
تحاول السردية الجهادية دائماً النبش في نصوص التراث لإيجاد أسانيد وحجج تضفي بها المشروعية على ممارساتها من قتل وتعذيب وإتجار بالبشر، وحتى السرقة التي يبررونها بمفهوم الاحتطاب. والاحتطاب هو كناية عن جمع الحطب، وفيه يخرج الحطاب بفأسه ليغنم من الطبيعة ما يريد. ويرى الدكتور عبيد خليفي، أستاذ الحضارة، والباحث في مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات وعلم الأديان المقارنة في تونس، أن مفهوم الاحتطاب من المفاهيم العقائدية للممارسة الجهاديّة في الإسلام المبكر، واستُحضر في سياق المشروع الجهادي المعاصر. ويقول خليفي، وهو مؤلف كتاب ''الجهاد لدى الحركات الإسلامية المعاصرة'' لرصيف22 إن الثابت هو أنّ المخزون المالي لمشروع الجهاد الإسلامي مرتبط بالغنيمة، "والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، والفيء هو ما أخذ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يصالحون عليها، أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج"، كما تقول المرجعية السلفيّة.
الاحتطاب هو كناية عن جمع الحطب، وفيه يخرج الحطاب بفأسه ليغنم من الطبيعة ما يريد. هذا المفهوم استحضرته الجماعات الجهادية في سياق مشروعها المعاصر لتبرير عمليات سلب ونهب تقوم بها لتمويل نشاطاتها
تركّز الأدبيات الجهادية المعاصرة على محاولة تأصيل عمليات النهب والسلب والسرقة التي تقوم بها الجماعات الجهادية دينياً... وفي هذا السياق يأتي مفهوم "الاحتطاب"ويأتي كلامه المذكور تأويلاً لحديث النبي "جعل رزقي تحت ظل رمحي". ويشرح خليفي أن "الأمر يتعلّق بتحليل دم الكافر وماله وعرضه وأرضه. وفي النهاية فالفكرة الجهادية تنهض على ثنائيّة العقيدة والغنيمة''. تركز الأدبيات الجهادية المعاصرة على محاولة تأصيل عمليات النهب والسلب والسرقة التي تقوم بها الجماعات الجهادية دينياً، حتى أن القيادي البارز في تنظيم القاعدة، وأحد مؤسسي تنظيم النصرة في سوريا، أبو مصعب السوري (مصطفى بن عبد القادر) أفرد في كتابه الضخم "دعوة المقاومة الإسلامية" فصلاً كاملاً حول هذا الموضوع. ويقول في هذا السياق: "لو نظرنا في غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه لوجدنا قسماً كبيراً منها قد رصد لتحصيل الموارد. ويكفي أن درة تلك الغزوات وطليعتها بدر... كانت أساساً لترصد عن قريش ليستعيد المؤمنون عوضاً عما كان قد سلبه الكفار منهم". ويتابع: "كان البعد الاقتصادي بعداً هاماً جداً من أبعاد الجهاد. وهي ميزة من الميزات التي خص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمس أعطيت له لم تعط لنبي من قبله منها أن أحلت له الغنائم وصارت حلالاً وسنة لأتباعه من بعده".