شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ثمن الغلاء: فتيات مستقلات خسرن حرية العيش بمفردهن وعدن لأسرهن الذكورية

ثمن الغلاء: فتيات مستقلات خسرن حرية العيش بمفردهن وعدن لأسرهن الذكورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 30 يوليو 201804:38 م
تحاول النساء في الدول العربية المتوغل بها شبح العادات والتقاليد الذكورية، المحاربة من أجل اكتساب بعض من حقوقهن. ربما تظل الفتاة عشرات السنين تناضل من أجل اكتساب حقها في الاختيار، كماذا ترتدي أو كيف تتحرك بين نظرات المحيطين من رجال ونساء أيضًا، لكن مؤخرًا بدأت العديد من الحركات والمبادرات النسوية رفع سقف المطالب الخاصة بحقوق الفتيات، مثل المطالبة بتقنين الإجهاض وتوفير مساحة آمنة للمرأة بعد موت الكثيرات نتيجة الإجهاض غير الآمن، أو المطالبة بحرية الفتاة في الاستقلال بذاتها بعيدًا عن الأسرة لتحقيق الإنجاز المادي والعلمي والمعنوي وغيرها.

أرقام تعكس الفجوة النوعية

لكن هذا لم يكن سهلاً تحقيقه نتيجة لظروف العمل المحيطة دائماً بالنساء في مصر والفجوة النوعية في الأجور بين الذكور والإناث، فوفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت نسبة الفجوة النوعية لمتوسط الأجور النقدية الأسبوعية في القطاع العام وقطاع الأعمال نحو 25.5%، وبالنسبة الى القطاع الخاص، فإن الفجوة النوعية كانت 23.2% لمصلحة الرجل. INSIDE_IndependentWomenEgypt2

لماذا العودة بعد الاستقلال؟

تحدثنا مع عدد من الفتيات اللاتي خضنا تجربة الاستقلال منذ سنوات ولكن اضطررن للعودة إلى أسرهن نتيجة ارتفاع مستوى الأسعار بشكل مبالغ فيه، ليسلّطن الضوء من خلال تجربتهن على انعكاس سوء الأوضاع الاقتصادية على قدرة المرأة في المشاركة في العمل العام والأنشطة التطوعية التي تغلب قضيتها. بدايةً، تعرف إيزيس نفسها بأنها واحدة من المواطنات اللواتي انغرسن في سوء الأحوال الاقتصادية، لكن ما يجعلها غير الكثيرين من المتأثرين بارتفاع الأسعار المعيشية، هو أنها مع ارتفاع الاسعار اضطرت أن تفقد حلمها ونضالها لسنوات لتخلص من كابوس السلطة الأبوية، وانتزاع حقها في الاستقلال بكل صعوباته ومكتسباته أيضاً.
مع ارتفاع الاسعار اضطرت إيزيس أن تفقد حلمها ونضالها لسنوات لتخلص من كابوس السلطة الأبوية، وانتزاع حقها في الاستقلال بكل صعوباته ومكتسباته أيضاً.
عندما تتعثر فتاة في مصاريف الإيجار أو الحياة نساعدها، فكرة مبادرة "فيمي هاب" قائمة على التعاون والمساندة لها، وهو اختيار لأي بنت تفكر أن تستقل عن أسرتها أو تعود، خاصة أنها تكتسب أشياء لا يمكن أن تتخلى عنها بعد العودة لمنزل أسرتها.
وتضيف "لم أقرر العودة لأسرتي مرة أخرى بل فرض علي ارتفاع قيمة بدل الإيجار أن أعود ليتملك مني الإحباط، فكنت أفضل الموت على الرجوع للسكن في منزل أسرتي بعد استقلال دام سنوات"، ملخصةً أزمة عملها كل هذه الأعوام ليلاً ونهاراً، حتى أنها لا تتذكر يوم راحة واحدًا من أجل الثبات على اختيارها وإثبات قدرتها على العيش واستكمال مسيرتها العلمية. وتكمل "استقللت عن أسرتي في السكن والمال منذ عام 2013، لكن مع ارتفاع الأسعار المتلاحق، أصبحت غير قادرة على تغطية تكاليفي المادية نهائيًا. وبرغم كل المحاولات في الاستمرار في العمل، فإن الطفرة في المرتبات بين الذكور والأناث جعلتني أفقد كل مجهودي بمقابل مادي ضعيف لا يغطي النفقات الأساسية على الأقل". وتوضح "بدأت في تقليل النفقات بالانتقال من حي المعادي - هو أحد الأحياء السكنية الراقية- إلى منطقة فيصل وهي -مصنفة من المناطق الشعبية-،  وذلك لتخفيض تكاليف السكن. ولكن مع زياد أسعار المحروقات وبالتالي المواصلات العامة، أصبحت أنفق ضعفَيْ المبلغ المخصص للمواصلات واستمررت في هذه الدائرة فترة لا بأس بها". INSIDE_IndependentWomenEgypt

التأثير على الدعم الاقتصادي للمرأة

تؤكد الدكتورة منى عزت الناشطة في مجال حقوق المرأة، ومديرة برنامج العمل والمرأة في مؤسسة المرأة الجديدة، "أن لارتفاع الأسعار والغلاء الملحوظ علاقة مباشرة بفكرة الدعم الاقتصادي للنساء، كتجربة الاستقلال للفتيات للبحث عن فرص عمل أو التعليم والسفر إلى الخارج، خاصة مع ندرة فرص العمل لهن في مصر، وتحمل الفتاة مسؤولية إقامتها، ومع حساب تكاليف المواصلات والاحتياجات الأساسية، تصبح الوظائف ذاتها عبئاً.

تجربة لا يمكن أن تكتمل

ميادة، 24 عاماً، منعتها الظروف الاقتصادية من الاستمرار في خطوة الاستقلال بعد اتخاذها القرار، قائلةً: "حاولت اتخاذ قرار الاستقلال منذ زمن، لكني كنت أكثر جبناً في اتخاذ الخطوة نظرًا لسوء الأوضاع المادية، لكن فجأة فرضت علي الظروف الاستقلال بعيداً عن أسرتي بعد مشاكل عديدة في المنزل انتهت بخروجي منه". وتتابع: "استقللت في منزل، ولكن مع الوقت اكتشفت أن التجربة لا يمكن أن تكتمل مع هذا الغلاء، حتى حدثتني والدتي وطلبت مني العودة بشروطها ووافقت بالطبع". وتوضح أنها بعد العودة أصبحت تتعامل في المنزل على أنها ضيفة لا تملك أي حقوق به.

مبادرات تفقد أهدافها

سهيلة، إحدى المؤسسات لمبادرة "فيمي هاب"، التي تقدم المساعدة للفتيات من خلال مجموعة خاصة على موقع فيسبوك. تقدم المبادرة معلومات دقيقة تساعد الفتاة الراغبة في الاستقلال عن أهلها، مثل بيانات حول أفضل الفنادق أو بيوت الشباب الرخيصة السعر والآمنة في الوقت نفسه، وعندما تعرف إحدى عضوات المجموعة معلومة عن وظيفة شاغرة هنا أو هناك، تضع المعلومة على الصفحة لمعاونة الفتيات الباحثات عن عمل. INSIDE_IndependentWomenEgypt_FemiHub تؤكد سهيلة أن أهداف المبادرة هي دعم الفتيات المستقلات، وبالتالي كلما قل عدد المستقلات، انعدم وجود الفئة المستهدفة. الاحتياجات تزيد وفي المقابل هناك منظمات كثيرة يتم إغلاقها. بالإضافة إلى أنه لا يوجد وظائف، والسوق هابط تماماً، وهي عوامل تؤثر على استقلال الفتيات. وتضيف: "عندما تتعثر فتاة في مصاريف الإيجار أو الحياة نساعدها، فكرة المبادرة قائمة على التعاون والمساندة لها، وطبعاً هو اختيار لأي بنت تفكر أن تستقل عن أسرتها أو تعود، خاصة أن الفتاة تكتسب أشياء لا يمكن أن تتخلى عنها بعد العودة لمنزل أسرتها".

انعدام العمل العام

تلفت منى عزت النظر إلى أن الغلاء يؤثر على حقوق أخرى للنساء، فالأسر الفقيرة التي لديها شاب وفتاة تفضل تعليم الشاب، لأن الفتاة في النهاية ستتزوج. وهذا أكثر انتشارًا في قرى الريف، وبالتالي تنعدم حقوق التعليم للفتاة، وهذا ما يقلل فرصها في مجالات العمل. أما فاتن، فتاة في العشرين من عمرها، فقد أكدت أن عودتها للأسرة كانت لأسباب عدة، إلا أن الماديات كانت السبب الرئيسي الذي لم تستطع تحمله، وبالتالي أثر الوضع الاقتصادي في استقلالها الذي بدأته عام 2015 نتيجة مشاكل عائلية، مواصلةً، "في البداية استأجرت مسكناً خارج القاهرة بـ700 شهرياً لكن كنت أتحمل نفقات كثيرة في المواصلات". وتضيف "بعد الانتقال للعيش في القاهرة صُدمت بارتفاع سعر الإيجارات، فأقل إيجار لغرفة هو 2000 جنيه". وتكمل فاتن "اكتسبت في الاستقلال حريتي في اختيار الملبس والخروج وغيرهما، لكن بعد العودة خسرت كل حريتي. أصبح الأكل والنوم والنزول والملبس بقوانين ومواعيد، وأن اعترضت باب المنزل مفتوح لخروجي مرة أخرى. عدت للمنزل إلا أنني مازالت وحيدة تمامًا، عندما أنظر في المرآة أشعر بالغربة لا طبيعتي ولا شخصيتي، وأصبحت أعاني من الانفصام في تصرفاتي. ففي الرجوع حرب نفسيه في كل شيء". وتختم "لن أفكر في العودة للاستقلال لأن الوضع المادي يتدهور تمامًا وأصبحت غير قادرة على خوض هذه الحرب مرة أخرى، ورغم أنني مستقلة ماديًا استسلمت لفكرة السير على قوانين غيري، وانتظار ابن الحلال".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image