تلقيتُ فيديو عبر "الواتساب" صباح اليوم. ظننته "لوكيشن" مكتب زهراب الواقع بـ"عبدون" في العاصمة عمّان، لكن ما شاهدته كان مجموعة صور للملك الحسين بن طلال، مرفقة بأغنية لوائل كفوري يقول فيها "عالسكت ودعتك، لا حكيت ولا سمعتك". لم يكتفِ بذلك، بل كتب "أحبك ولا زلت أبكي عليك كل يوم". "حبيبي"، هكذا يصفه مصوره الخاص "زهراب"، كلما تحدث عنه، وفي حوار له مع "رصيف22"، في مكتبه، أو "مملكته" التي بناها لنفسه، الأشبه بمتحف الذكريات، قال إنه احترف التصوير للتقرب من الملك الحسين، لافتاً إلى أن عمّان في فترة الستينيات والسبعينيات، لم يكن فيها سوى 10 مصورين. تعلم من "سيدنا" الملك الحسين، الفعل، لا القول، والانتماء بالنسبة له، هو خدمة الوطن "الحكي ما بدي ياه". جواز سفره لدخول "العالم الملكي" كان لقاؤه بالملكة علياء عام 1974، عندما فاز بمسابقة تصويرية، تحت رعايتها.
لم يتردد أمامها بطلب التقرب منه، في وقتٍ كان الملك يبحث فيه عن مصور جديد. "والدته كانت راضية عنه"، مثلما نقول بالعامية في مثل هذه المواقف! "شو ما أحكيلك، أنا مقصر"، فكانَ ولا زال الملك الحسين الأهم في حياته إلى جانب كل من "الله ووالدته" كاشفاً أن والدته ذات الـ 90 عاماً لا زالت تصلي كل يوم، حتى اللحظة، للملك الحسين، الملك عبدالله الثاني، الأميرة هيا والأمير علي، وأضافَ ضاحكاً "وأنا طبعاً". يُقال أن الدموع تجفُّ على موت من أحببناهم، لكن زهراب لا يزال يبكي فراقه، حتى بعد 19 سنة لأن "الملك الحسين ليس شخصاً عادياً بل لديه قوة إلهية" بحسب قوله. "اللي بده يزعل، يزعل ويبلط البحر" هذا ما قاله، مؤكداً أنه يعتبره "نبيٌّ"، كموسى، وعيسى، لأن الأنبياء لا يؤذون، والملك الحسين لم يؤذِ أحداً، حتى من حاول "اغتياله" (دون أن يكشف المزيد عن التفاصيل)، بل أمر بالإفراج عنه، وأضاف "من يفعل هذا؟". "لم يكن عندي ولاءٌ له، بل ما يفوق هذا، لأنني أفديه بروحي" لافتاً إلى أنه لم يخاف منه أبداً، وعاش بظله أحلى حياة "ما بهمني لو صار لي إشي، ما رح أشوف أحلى من اللي شفته".
روى زهراب لـ "رصيف22" قصةً لا زالت تضحكه حتى اليوم. في إحدى رحلاته إلى عُمان، بينما يقود الملك الطائرة بنفسه، فقدت الطائرة توازنها بعد دخولها بالخطأ في "غيوم سوداء". قال زهراب إنه لم يتحرك أبداً من مقعده لاعتقاده أن "طائرةً فيها الملك الحسين لا يمكن أن يحدث لها شيء!"، بينما كانت الأجواء حوله "قمة في الارتباك"، منهم من يصلي ومنهم من "يتقيأ"، وحين "مرقت القصة على خير" قال الملك عبر الميكروفون "حقكوا علي، هلق باجي بشق عليكم". "وعندما فتح الباب لرؤيتنا، كنت الوحيد الذي وقفت له قائلاً: الحمدلله على سلامتك، المفروض احنا نيجي عندك"، واضعاً طاقم الحراسة كله في موقف محرج، بسبب عدم قيامهم بالتحية تأديةً للواجب، موجهاً لهم كلماتٍ مازحاً "هيك قاعدين؟ هاي آخرتكم؟". موقفٌ "طريف" آخر كشفه لـ "رصيف22" هو أن الأرمني "زهراب ماركاريان" تحوّل إلى الأردني "زهير حمدان"، ابن "بني صخر"، إحدى العائلات الأردنية، عندما اصطحبه الملك معه إلى "مكة والمدينة"، بسبب عدم السماح للمسيحيين من دخولهما.
7 فبراير 1999، كان يوماً مشؤوماً. لم يتخيل "زهراب" الوقوف فيه خلف "تابوت" الملك الحسين، ليصور حدثاً لم يكن يتمنى تصويره في عمّان التي احتضنت جميع رؤساء العالم، حيث قال زهراب على لسان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون "الملك الحسين هو الرجل الوحيد بالعالم الذي جمع رؤساء العالم وهو حي، وهو ميت".
قدّم زهراب صورتين للملكة نور، إحداهما لسماء عمان الماطرة يوم جنازة الملك، والثانية يوم زفاف ابنها الأمير حمزة بن الحسين، والسماء مليئة بالطيور الراقصة. "خليتني أبكي" قالت لزهراب، فأجاب "ابكي، بستاهل الواحد يبكي عليه".
صورة جواز سفر "زهراب" لم تكن بخلفية بيضاء، ولم يكن "عابساً" فيها. بخلاف الشعب الأردني، فقد التقطها له الملك الراحل. وعندما طلب زهراب من "الأحوال المدنية والجوازات" وضعها، كان الجواب "هذه ليست صورة جواز سفر"، وعندما قال زهراب "ماذا لو قلت لك أن الملك الحسين هو من التقطها لي؟" أجابه الموظف "منحطها".
ملك الأردن الحسين بن طلال نبيٌ، كعيسى وموسى، ولديه "قوة إلهية"، لأن الأنبياء لا يؤذون، والملك الحسين لم يؤذِ أحداً، حتى من حاول "اغتياله"، و"اللي بده يزعل، يزعل ويبلط البحر".
7 فبراير 1999، كان يوماً مشؤوماً. لم يتخيل "زهراب" الوقوف خلف "تابوت" الملك الحسين بن طلال، ليصور حدثاً لم يكن يتمنى تصويره. "الملك الحسين هو الرجل الوحيد بالعالم الذي جمع رؤساء العالم وهو حي، وهو ميت".بحسب زهراب "احترقت المنطقة العربية"، بعد وفاة الملك، لأنه كان رمزاً للسلام في المنطقة، لذلك لجأ للملك عبدالله وقال له "الملك الحسين حقق لي كل أحلامي، أريدك أنت تحقق لي حلمي الأخير"، وهو فيلم يروي قصة حياة الملك الحسين، لكن "بعيون زهراب"، بعنوان "مملكة السلام". "لا أريد الشهرة من وراء الفيلم، ولن أرضى بتدخل أحد في رواية أحداثه". هذا ما قاله زهراب موضحاً أنه سيحاول نقل مشاعره التي لم يحس بها أحدٌ سواه، بعيداً عن السياسة التي يعتبرها "حقد وكذب"، بل أن الفيلم سيتناول الحب والسلام "لأن هذا هو الملك الحسين" وهذا ما يريد زهراب إظهاره للعالم. التقى زهراب بمنتجي "هوليوود"، تحضيراً للعمل على المشروع، وعندما أخبروه باحتمالية فوزه بإحدى جوائز "الأوسكار" في المستقبل لما يحمله من رسالة، أخبر الملك عبدالله أنه يحلم برؤية هذا المشهد: الملك عبدالله الثاني، والأميرة هيا، على السجادة الحمراء، ومعهم أطفال لاجئين لتذكير العالم بأكمله أننا "كلنا لاجئون". "سيدي، لن أنساك ولن أودعك. ستبقى للأبد حيّاً في قلبي". رحم الله الملك الحسين الذي زرع النبل والوفاء في قلب زهراب، الذي لم أشعر معه بأن الملك قد رحل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...