"حبيبتي فالتراود.. عندما تقرئين هذه الكلمات، سيكون قد مضى وقتٌ طويل منذ أن تركتكم. ربما تكونين الآن قادرةً على قبول الحقيقة. أعرف قسوة الألم الذي تشعرين به، ولكن لن تدركي ما كنتُ أعانيه من عذاب، بسبب كذبةٍ اضطررتُ أن أعيشها. أرجوكِ لا تستبقي الحكم عليّ، فأنت تعلمين أنني لم أحب أحداً أبداً أكثر منك".
لم يَخْدَع "رفعت الجمّال"، أو "رأفت الهجّان"، "الكيان الصهيوني" وحده، بل "الكذبة" التي اضطر أن يعيشها ، كـ"جاسوس مصري في إسرائيل"، أو "بطل قومي مصري في إسرائيل"، جعلت زوجته "فالتراود بيتون" تعيش في "الخدعة ذاتها" لـ 19 عاماً.
في حوارٍ لها مع الإعلامية سماح الطويل عبر قناة "DW"، كشفت "فالتراود" عن "خبايا" حياتها معه، ابتداءً من قصة حبهما التي بدأت في فندق "فرانكفورت هوف" في فرانكفورت الألمانية حتى قراءتها لرسالته التي لم تصدق كلمة منها. قالت إن علاقتهما أشبه بـ"حبٍ من النظرة الأولى"، بدأ في سهرة عشاء صديقتها في الفندق، ولم ترد أن تتطور الأمور بينهما لعلمها بأنه في "زيارة" لفرانكفورت فقط.
وعندما أوصلها إلى منزلها، أخبرها بأنه متجهٌ إلى فيينا لـ 10 أيام، طالباً منها أن تفكر بهذه الأثناء بالزواج منه. لم تكن تعرف إلا أن اسمه "جاك بيتون"، إسرائيلي الجنسية، ولديه شركة سياحية في "تل أبيب"، لافتةً إلى أن "صغر سنها"، 22 عاماً، حينها جعلها تغض النظر عن المعلومات التي توجَّبَ عليها معرفتها "كنت أعيش أشياء جديدة، وافتقرت إلى الخبرة". ولمَّا كانت تسأله عن أفراد عائلته، يتهرب بقوله "عائلتي من أصول فرنسية، تعيش هناك"، مشددةً على أن الأمر بالنسبة لها لم يكن مهماً، وأن شخصيته هي الشيء الوحيد الذي عناها "شخصيته كانت نادرة".
وعندما تزوجا وسافرا إلى تل أبيب، قالت إنه كان يصطحبها معه كثيراً، والتقت بأهم الشخصيات السياسية في إسرائيل منهم دافيد بن غوريون، بحجة أن "الحكومة" كانت داعمة لشركته السياحية، لافتة إلى أنّ لا أحاديث سياسية كانت تجري بحضورها.
"كانت ثقتي به عمياء، بسبب طريقة تعامله معي" هكذا بررت فالتراود عدم ملاحظتها بأنه "جاسوس" أو "مُخبِر"، مشيرةً إلى أنها شعرت مرة واحدة فقط بتصرف "غريب"، وهو عدم اتصاله بها، وعدم تمكنها من الوصول إليه، أثناء رحلة له إلى باريس، ليتبين لها فيما بعد أنه كان في مصر في تلك الفترة.
وبحسب مذكراته، أنهى تعامله مع الاستخبارات المصرية رسمياً في منتصف السبعينيات، وأسس شركة نفط في مصر كرجل أعمال ألماني، كما كان يصطحب زوجته معه إلى كل مكان، تؤكد فالترواد "مصر بلدي حتى اليوم ولولا ابننا دانييل، لما عدت إلى ألمانيا".
عَرَف أهمّ الشخصيات السياسية في مصر أيضاً، على رأسهم الرئيس الأسبق أنور السادات، قالت "فالتراود"، مضيفة أنها التقت بالسادات في الإسكندرية، برفقة زوجها، ووصفت اللقاء بالمفاجأة. وعن سر معرفته بالشخصيات المصرية كان يقول لها "من خلال العمل يمكن معرفة الكثيرين"، ويعلّل سبب درايته الجيدة بمصر "كنت آتي إليها كثيراً"، بحسب الحوار.
أما الموضوع الأكثر إثارة للجدل، هو تقبلها شراءَه لوحةً عليها آية قرآنية، وعدم استغرابها من قراءته للقرآن "لم يلفت الأمر انتباهي لأن الدين لم يكن بأمرٍ مهم، وهو يفهم العربية، وبإمكانه قراءتها، بعكسي".
بينما كان على فراش الموت، قبل وفاته في يناير 1982، بسرطان الرئة، طلب منها أن تعيش حياتها وألَّا تلبس الأسود، وأن الحياة لن تنتهي، ولكن الصدمة كانت عندما أخبرها ابن شقيقه "محمد الجمّال" بحقيقته فور وفاته.
قررت حينها السفر إلى مصر ومتابعة أخبار الشركة، وبدأت بالتحرِّي حتى تأكدت بنفسها أنه لم يكن ينقل لها الحقيقة "من خلال جمع معلومات من أشخاص مختلفين".
مرّ أمامها شريط حياتها معه الممتد لـ19 عاماً، مليئاً بخيبات الأمل. فلماذا أخفى الأمر عنها؟ وإن فعله خوفاً عليها وعلى ابنهما، لماذا لم يخبرها بحقيقته بعد إيقافه التعامل مع الاستخبارات المصرية؟ كانت "فالتراود" تسأل نفسها، مشيرة إلى أن أكثر ما لفت انتباهها هو حضور جنازته من قبل ضباط المخابرات المصرية، دون علمها بأيِّ منهم وما سبب قدومهم.
رأفت الهجان إلى زوجته "حبيبتي فالتراود.. عندما تقرئين هذه الكلمات، سيكون قد مضى وقت طويل منذ أن تركتكم. لن تعرفي ما كنت أعانيه من عذاب، بسبب كذبةٍ اضطررتُ أن أعيشها. أرجوكِ لا تستبقي الحكم عليّ، فأنت تعلمين أنني لم أحب أحداً أبداً أكثر منك"
"سامحتُه منذ زمن طويل، ولا بد أن تكون لديه أسبابه الخاصة.. عليّ تقبل الواقع الذي لم أكن أعرفه، ولم أكن لأتزوج غيره حتى وإن عاد بي الزمن، ورغم الخدعة التي عشتها" تقول زوجة رأفت الهجان، ولكن ماذا عن الأدلة التي كانت في كل زاوية من حياتها؟طلب رفعت من محاميه أن يُسلِّم زوجته "مذكراته"، ورسالةً بعد 3 سنين من وفاته، ولكنها قررت ألا تصدق إلا ما تكتشفه بنفسها، لدرجة أن رسالته المليئة بالحب، والندم معاً، لم تعنِ لها شيئاً، كما تقول.
"الجميع كذَّب علي، سامحته منذ زمن طويل، ولا بد أن تكون لديه أسبابه الخاصة.. عليّ تقبل الواقع الذي لم أكن أعرفه" تقول فالتراود، مؤكدة أنها لم تكن لتتزوج غيره إن عاد الزمن بها.
رغمَ أن الأدلة كانت أمامها وفي كل زاوية من حياتها، ولكن على ما يبدو أن الحب قد حجب الحقيقة عنها، لأنه كما يُقال "الحب أعمى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون