حربٌ في اليمن.. خلافٌ مع قطر.. عداوةٌ مع إيران.. مصالحُ في سوريا.. وملفاتٌ أخرى تثقل كاهل المملكة العربية السعودية وتحتاج منها إعلاماً قوياً ومؤثراً يدافع عن سياساتها الجديدة.
لذلك لم يكن غريباً أن تسعى المملكة الغنية بالنفط جهدها للحصول على حق استغلال اسم وسيلة إعلام دولية مهمة، تنشرُ عبرها رسائلها السياسية، خصوصاً تلك المتعلقة بالشرق الأوسط.
لم تجد السعودية أفضل من صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، ذات الاسم المرموق دولياً لهذه المهمة.
بدأ التفاوض منذ فترة، وخرجت ملايين من خزائن المملكة، لينتهي الأمر بإعلان الإندبندنت عن إبرامها صفقة جديدة، مع المجموعة السعودية للبحوث والتسويق (SRMG)، المقربة من العائلة المالكة.
تستهدف هذه الصفقة إطلاق أربعِ نسخ جديدة من الموقع الأم، باللغات العربية، والتركية، والفارسية، والأوردو.
وتدير المجموعة السعودية عدداً من المشاريع الصحافية العربية الشهيرة، مثل صحيفة الشرق الأوسط ، وآراب نيوز، وسيدتي، إضافةً إلى مواقع ناطقة بالأوردو والماليالامية (إحدى لغات جنوب الهند).
الأهداف الرئيسية المعلنة من الصفقة الجديدة بحسب الصحيفة الإنكليزية المرموقة هي نشر أخبارٍ وتحليلات عن الأحداث الجارية والعلاقات الدولية، إلى جانب نشر مقالاتٍ وتقاريرَ مترجمة من النسخة الأم.
لكن بالتأكيد هناك أهدافٌ أخرى غير معلنةٍ، أبرزها أن تمتلك السعودية سلاحاً إعلامياً جديداً تبرر من خلاله تصرفاتِها الأخيرة المثيرة للجدل في الشرق الأوسط.
ما هي المشاريع الأربعة الجديدة؟
المشاريع الأربعة التي ستملكها وتديرها المجموعة السعودية ستحمل رسمياً أسماء: Independent Arabia وهو الموقع الذي يستهدف بشكل أساسي متحدثي اللغة العربية في الشرق الأوسط والعالم كله. المشروع الثاني هو Independent Turkish الذي يستهدف مخاطبة المتحدثين بالتركية، أما ثالثها Independent Persian فموجه بشكل خاص إلى المتحدثين باللغة الفارسية. وطبعاً إيران، التي تعتبرها المملكة عدوها الأكبر، هي المستهدف الأساسي منه. أما مشروع Independent Urdu فيعبر بشكل واضح عن طموح السعودية الكبير للتأثير في باكستان. ومن المتوقع أن يبدأ العمل في المشاريع الإعلامية الجديدة بشكل رسمي نهاية عام 2018. ورغم أن الإعلان عن الصفقة خرج للعلن هذا الأسبوع، إلا أن عناوين الإنترنت الخاصة بالمشاريع الأربعة الجديدة هي:- independentarabia.com
- independenturdu.com
- independentturkish.com
- independentpersian.com
الإعلام البريطاني في خدمة من يدفع أكثر؟
يقول تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية أن الصفقة الجديدة، تثير تساؤلاتٍ حول التأثير المتنامي للتمويل الخليجي في وسائل الإعلام البريطانية. ومحتوى المشاريع الأربعة الجديدة من الإندبندنت سيتم إنتاجه أغلبه من قبل الصحافيين المتعاقدين مع المجموعة السعودية للبحوث والتسويق (SRMG)، المقيمين في لندن وإسلام أباد وإسطنبول ونيويورك. وسيضع السياسة التحريرية لهذه المشاريع موظفو المجموعة السعودية في الرياض ودبي. والمجموعة السعودية للبحوث والتسويق هي شركة نشرٍ كان رئيسها حتى عهد قريب الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، وغادرها منذ فترة قصيرة ليتولى منصبه الجديد كوزير للثقافة السعودية. كان الأمير بدر قد تصدر عناوين الأخبار نهاية العام الماضي عندما دفع نحو 450 مليون دولار مقابل الحصول على لوحة ليوناردو دافنشي عن المسيح، لتصبح بذلك العمل الفني الأغلى على الإطلاق لهذا الرسام الذي يعد من أهم فناني أوروبا. وتحمل اللوحة اسم "سالفاتور مندي" أي مخلص العالم. وكشفت وسائل إعلام دولية أن الأمير بدر لم يكن إلا مجرد وكيلٍ للمشتري الحقيقي الذي هو وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان. وفي الصيف الماضي، بيعت حصة كبيرة في شركة "إندبندنت ديجيتال نيوز أند ميديا"، المالكة لصحيفة إندبندنت، إلى رجل أعمال سعودي يدعى سلطان محمد أبو الجدايل. يقطن أبو الجدايل، 42 عاماً، في السعودية، وينحدر من عائلة اقتصادية معروفة في المدينة المنورة، لكن ليس لديه اهتمام عام سابق بالإعلام البريطاني.هل يمكن أن تكون المشاريع الجديدة مستقلة؟
تقول صحيفة الإندبندنت، التي تصدر إلكترونيا فقط منذ توقف نسختها المطبوعة عام 2016، إن المشاريع الجديدة تهدف إلى نشر أخبار وتحليلات حول الشؤون العالمية والأحداث المحلية لجمهورٍ جديد بشكلٍ حرٍّ ومستقل. لكن هل يمكن أن تكون المواقع الصحافية الجديدة مستقلةً وحرةً حقاً؟ لا يمكن تأكيد ذلك، خاصةً أن هناك إشاراتٍ مهمةً، منها أن شراكة الإندبندنت تمت مع ناشر لديه روابطُ قوية مع الحكومة السعودية. كما أن السعودية أبعد ما يكون عن الإعلام المستقل، حيث تضعها مراسلون بلا حدود في المرتبة 169 من بين 180 دولة على مؤشرها العالمي لحرية الصحافة، معتبرةً أن المملكة ليس لديها "إعلام مستقل" وأن "مستوى الرقابة الذاتية مرتفع للغاية". كما قالت المنظمة في حديثها السنوي حول حرية الإعلام "رغم حديثه عن الإصلاح، لم يكن تعيين محمد بن سلمان الشاب ولياً للعهد في يونيو 2017 له أي تأثير إيجابي على حرية الإعلام". الإندبندنت ليست أول شركة إعلامية غربية تتعاون مع المجموعة السعودية للأبحاث، ففي العام الماضي وقعت شركة بلومبرغ صفقة مع المجموعة لإصدار نسخة باللغة العربية من خدمة الأخبار المالية. وتقول إندبندنت إن كل المحتوى الصحافي الخاص بالمواقع الجديدة سوف يتوافق مع المعايير ذات الشهرة العالمية، ومدونة السلوك المهني، والروح الراسخة للمنشورات الحالية باللغة الإنكليزية.صفقةٌ جديدة بين الإندبندنت والمجموعة السعودية للبحوث والتسويق (SRMG)، المقربة من العائلة المالكة، تستهدف إطلاق أربعِ نسخ جديدة من الموقع الأم، باللغات العربية، والتركية، والفارسية، والأوردو.
تقول صحيفة الإندبندنت إن المشاريع الجديدة تهدف إلى نشر أخبار وتحليلات حول الشؤون العالمية والأحداث المحلية لجمهور جديد بشكلٍ حر ومستقل.. لكن هل يمكن أن تكون المواقع الصحافية الجديدة مستقلة وحرة حقاً؟لكن هل سيحدث ذلك حقاً؟ ما حدث مع تجربة خليجية مشابهة يمكن أن يجعلنا نخمن الإجابة، فعام 2015 أطلقت شركة "إنتغرال ميديا" القطرية نسخة عربية من موقع "هاف بوست" الأميركي، لكن الصفقة فُسِختْ آواخر عام 2017. ويرى مراقبون أن الدول الخليجية حين تشتري بأموالها وسائل إعلام، فيجب أن نضع مصطلحات مثل المهنية والموضوعية جانباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...