في ظل انغماسنا في العالم المادي الزاخر بالمغريات وبالسلع الخاضعة لعروضاتٍ مذهلةٍ، لا شك أن عملية إنفاق الأموال قد تتخطى حدود المقبول وترتّب على المستهلكين أعباء هم بغنى عنها خاصة أنها تغرقهم في ديونٍ طائلةٍ قد يعجزون عن تسديدها بسهولة.
هناك حرب خفية في عملية البيع والشراء، يقف وراءها قطبان رئيسيان: الأوراق النقدية وبطاقات الائتمان.
فمن هي الفائزة في لعبة الإسراف والتبذير وحث الناس على زيادة معدل إنفاقهم: البطاقات البلاستيكية أم الأوراق النقدية؟
الاقتصاد غير النقدي
ثمة اتجاه عالمي اليوم يقوم على فكرة الانتقال من الاقتصاد النقدي (المبني على تبادل الخدمات مقابل العملات النقدية) إلى الاقتصاد غير النقدي (بطاقات الائتمان والتطبيقات)، من خلال تفعيل التكنولوجيا وتسهيل طرق الدفع. ففي الماضي، كان الناس بمعظمهم يشترون السلع نقداً، إلا أن الوضع قد تغيّر الآن، إذ من الملاحظ أن تستخدام الأوراق النقدية في تراجعٍ مستمرٍ في ظل تنافس المصارف على تقديم خدماتٍ مغريةٍ من خلال طرح سلسلة من بطاقات الائتمان التي تشجع الزبائن على استخدامها أينما كانوا، سواء في المطاعم، المحالّ التجارية، المستشفيات، المدارس وغيرها من الأمكنة التي تشكل بيئة حاضنة لبطاقات الدفع الإلكتروني. via GIPHY وعقب سعي السويد لأن تصبح "خالية من الأموال النقدية" يبدو أن هناك دولاً أخرى تسير على النهج ذاته، فقد وجدت دراسة شملت 60 بلداً أن المستهلكين سددوا 417 مليار دولار من المدفوعات غير النقدية في العام 2014، كما كشفت دراسة حديثة أن 14% فقط من المستهلكين الأميركيين يستخدمون النقود في مشترياتهم اليومية. وأفاد استطلاع أن 9% من الناس فضلوا استخدام الأوراق النقدية مقابل 78% ارتأوا الدفع بواسطة بطاقة الائتمان.إغراءات بطاقات الائتمان
لا شك أن بطاقات الائتمان مغرية بطبيعتها، فمن خلال بطاقةٍ واحدةٍ يمكن الاستغناء عن "زجّ" رزمة من المال في المحفظة التي قد يكون من السهل إضاعتها أو حتى جعلها عرضةً للسرقة.عندما يشتري شخص سلعة باهظة السعر ويدفع ثمنها بواسطة الأوراق النقدية، يشعر فوراً بتكلفتها المؤلمة، أما عندما يدفع بواسطة بطاقة الائتمان يكون هناك فترة زمنية بين وقت شراء السلعة ودفع ثمنها، فتبدو التكلفة أقل أهمية.
الأشخاص الذين يتممون مشترياتهم بواسطة بطاقة الائتمان لا ينفقون المزيد من الأموال فحسب، إنما يشترون أيضاً المزيد من الأشياء غير الصحية.فاستخدام بطاقة الائتمان يعتبر أكثر أماناً من حمل النقود، إذ في حال تعرضت البطاقة للسرقة يمكن إبلاغ المصرف وإيقافها عن العمل فوراً، في حين أن الأموال التي تتم سرقتها من المحفظة تصعب جداً استعادتها. من جهةٍ أخرى، فإن التعامل بالبطاقات البلاستيكية في عملية الشراء أسهل من الدفع بواسطة الأموال النقدية، فمن خلال إدخال أرقام السر فقط يمكن سحب المبلغ المطلوب، في خطوةٍ توفر على المستهلكين الجهد الفكري والشعور بالإرباك عند القيام بحساباتٍ ماليةٍ قد تكون مخطئة وتكلّف صاحبها خسارة حفنةٍ من المال. وتشجع المصارف على استخدام بطاقات الائتمان بشكلٍ مكثف بغية كسب مكافآتٍ مغريةٍ مثل "سياسة الأميال الجوية" أي ربح رحلةٍ مجانيةٍ إلى بلدٍ ما في حال تخطّت قيمة المشتريات سقفاً مالياً معيّناً، مع الأخذ بعين الاعتبار دفع الرصيد بالكامل في الوقت المحدد، من أجل التمتع بهذه الامتيازات وتجنب دفع الرسوم المترتبة على الفائدة.
الرابط بين طريقة الدفع وسلوك المتسوّقين
بمعزل عن المزايا العديدة التي توفرها بطاقات الائتمان، خاصة لجهة تسهيل عمليات الشراء عبر الدفع الإلكتروني من أي مكان، يبدو أن هذه الطريقة تجعل الشاري ينفق المزيد من الأموال من دون أن يدري. فكيف تؤثر طريقة الدفع على سلوك المستهلكين ومشترياتهم؟ وهل ننفق حقاً المزيد من الأموال عند الدفع بالبطاقات؟ كشفت دراسات عدة أن الناس تنفق في العادة المزيد من الأموال عند لجوئها إلى طريقة الدفع بواسطة بطاقات الائتمان. ففي العام 2011، وجد كل من "درازين بريليك" و"دانكان سيمستار" أن المتسوقين ينفقون بنسبة 100% أكثر عند تستخدامهم بطاقة الائتمان بدلاً من الأموال النقدية. في إحدى الدراسات التي قاما بها، تم منح المشتركين فرصة شراء تذاكر لحضور مباراة كرة السلة، وكان اللافت أن الذين رغبوا في الدفع بواسطة بطاقة الائتمان كانوا مستعدين لتسديد ضعفَيْ المبلغ الذي أنفقه الآخرون نقداً. ولكن ما هي الأسباب التي تقف وراء مساهمة بطاقات الائتمان في رفع وتيرة الإنفاق لدى المتسوقين؟ السهولة في إتمام عملية الشراء: ببساطة قد تكون عملية الدفع بواسطة بطاقة الائتمان أسهل من الدفع بالأوراق النقدية، وفق ما أشار إليه موقع "فوربس". via GIPHY فلنفترض أنكم خصصتم مثلاً 100 دولار أميركي لإنفاقه على عشاٍء رومانسي مع الشريك/ة، في حال كان هذا المبلغ متوفراً على شكل عملة ورقية، ستنتبهون جيداً لما تطلبونه من طعامٍ وشرابٍ وتحرصون على التأكد مراراً أن لديكم ما يكفي من المال لدفع ثمن الوجبة بغية تجنب الإحراج، أما في حال أردتم الدفع بواسطة بطاقة الائتمان فلن يكون هناك أي "عقوبة فورية" لجهة الإفراط في الإنفاق، مما يعني إمكانية تجاوز الميزانية بسهولة. التقليل من الشعور بالألم: إن الدفع مقابل أي عملية شراء يجعل صاحبه يشعر بألمٍ فوري، إلا أن هذا الألم يختلف مع اختلاف طريقة الدفع. فعندما يشتري الأفراد سلعة باهظة السعر ويدفعون ثمنها بواسطة الأوراق النقدية، يشعرون فوراً بتكلفتها التي يمكن أن تكون مؤلمة، أما عندما يدفع شخص ما بواسطة بطاقة الائتمان، فيكون هناك فترة زمنية بين وقت شراء السلعة ودفع ثمنها، مما يجعل التكلفة تبدو أقل أهمية، وعليه فإن الشعور بالألم أخف. كما أن استخدام بطاقة الائتمان يسمح بخلط عمليات الشراء المختلفة بعضها ببعض، فعندما يتم تسديد الفاتورة على سبيل المثال مرة واحدة في الشهر فإن المتسوق لن يتمكن من نسب ما يدفعه لعملية شراء محددة. خيارات غير صحية: على ما يبدو أن الأشخاص الذين يتممون مشترياتهم بواسطة بطاقة الائتمان لا ينفقون المزيد من الأموال فحسب، إنما يشترون أيضاً المزيد من الأشياء غير الصحية. via GIPHY فقد حللت دراسة السلوك الشرائي لألف أسرة على مدار 6 أشهر، وقد وجد فريق من الباحثين أن الذين دفعوا بواسطة بطاقة الائتمان كانوا أكثر ميلاً إلى شراء المواد الغذائية غير الصحية مثل الآيس كريم، الحلوى، رقائق البطاطا. أما السبب فيعود إلى الفرضية التالية: عند الدفع بواسطة البطاقة الإلكترونية، فإن الشعور بالذنب المصاحب لعملية شراء مواد غير صحية يكون أقل من الشعور عند الدفع بواسطة الأموال النقدية، خاصة أن عملية الدفع نقداّ يصاحبها الشعور بالألم، مما قد يقلل من احتمال ابتياع مواد غذائية غير صحية. الجدير بالذكر أنه تم إجراء هذه الدراسات قبل أن تصبح طريقة الدفع عبر الهواتف الذكية منتشرة وشائعة كما هي اليوم، الأمر الذي يشجع المتسوقين على الإفراط في الإنفاق والإقدام على شراء السلع بشكل مبالغ به.ارتباط عاطفي
في سياق الحديث عن الإختلاف في طريقة الدفع بين العملة النقدية وبطاقة الإئتمان، أكد موقع "سيكولوجي توداي" أن طريقة الدفع تؤثر أيضاً على علاقة المتسوقين بالمنتجات التي قاموا بشرائها. فقد أظهرت الأبحاث التي أجراها "أفني شاه" أن الأشخاص الذين يدفعون نقداً يخلق لديهم إرتباط عاطفي مع مشترياتهم، مقارنةً بالأشخاص الذين إستخدموا بطاقات الإئتمان. ففي إحدى الدراسات، قام المؤلفون ببيع أكواب مزخرفة عليها شعار الجامعة بسعر منخفض، ومن ثم طلبوا من المشتركين تحديد الحد الأدنى الذي يودون الحصول عليه مقابل التخلي عن الكوب، وكان اللافت أن الأشخاص الذين دفعوا ثمن الكوب نقداً طالبوا بـ6.71$ (مع العلم أنهم إبتاعوه ب 4.95 دولار قبل دقائق قليلة)، أما الذين سبق وأن دفعوا ثمن الكوب بواسطة بطاقة الائتمان طالبوا بـ3.83 دولار لقاء التخلي عنه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين