ليس تصميم "السوبرماركت" وكيفية توزيع بضائعه بريئاً لكون كل زاوية فيه مصممة بطريقة "ذكية" تجعلكم تشترون من دون وعي منتجات لستم بحاجة لها بالضرورة.
التشابه بين السوبرماركت والكازينو
بالرغم من الفرق الشاسع بين الكازينو والسوبرماركت من حيث المبدأ والمفهوم، فإن بعض الباحثين في الولايات المتحدة الأميركية أكدوا وجود صلة بين تصميم المتاجر وتصميم الكازينوهات من حيث الموسيقى والإضاءة وغيرهما من العناصر "الجذابة" التي "تصطاد" الزبائن بطريقة ممنهجة وتجعلهم ينفقون أموالاً طائلة من دون تفكير. وقد علّق الدكتور تشارلز ليفينغستون، الخبير في المقامرة على ذلك بالقول:" إن السوبرماركت والكازينو متشابهان من حيث التصميم الذي يشجع الناس على فقدان حسهم بالوقت ويجعلهم ينسون السبب الرئيسي الذي دفعهم إلى التوجه إلى السوبرماركت من خلال الالتهاء بالمنتجات المعروضة". ولكن ما هو "التكتيك" الذي تتبعه المتاجر لزيادة أرباحها؟ صحيح أنكم تشعرون بأنكم أحرار في خياراتكم، لكن ليس هناك من شيء يحدث عن طريق المصادفة أثناء التسوق داخل السوبرماركت، لأن كل تفصيل مخطط له مسبقاً بشكل يجذب الزبائن ويجعلهم ينفقون أموالهم على حاجات وأغراض مختلفة. في الواقع، إن تصميم السوبرماركت مستوحى بشكل أساسي من تصميم الكازينو، فالإنارة "مدروسة" للتأثير على سلوك الناس، والألوان مختارة بعناية ودقة لجذبهم، حتى أن اختيار الموسيقى لا يأتي عن عبث، إذ أظهرت الدراسات أن بعض متاجر البقالة التي وضعت الموسيقى شهدت زيادة في نسبة مبيعاتها وصلت إلى 38% مقارنة بالمتاجر الأخرى. من هنا، نلاحظ أن معظم المتاجر باتت تبث بعض الأغاني "الحماسية" بصوت عالٍ خاصةً أثناء "الزحمة" والإقبال الكثيف لجعل المستهلكين يتخذون قرارات سريعة من دون التدقيق في الأسعار وبحقيقة احتياجهم لهذا الغرض. واللافت أنه بهدف جعل المستهلكين ينفقون المزيد من الوقت أثناء عملية التبضع، تغيب الساعات والنوافذ عن السوبرماركت، وهكذا يمر الوقت من دون أن يشعر المرء بذلك، خاصة بعد إشغال حواسه بأكثر 3 أمور محفزة: الأزهار، البضائع والمخبز الذي يعدّ مخبوزات وحلويات شهية. أما من ناحية عرض المنتجات وترتيبها، فيعتمد السوبرماركت بعض الخدع البصرية للسيطرة على عقول المستهلكين والتأثير على خياراتهم: ففي البداية يتم وضع المنتجات الطازجة عند المدخل لجذب العين وإيهام الزبائن بأنهم مقبلون على شراء أطعمة صحية، ولكن ما إن يدخل هؤلاء إلى الداخل حتى يجدوا أنفسهم في عالم زاخر بالمغريات والعروض التي من الصعب تجاهلها، خاصةً مع سياسة استخدام الألوان بطريقة لافتة: إذ تكون أسعار المواد الخاضعة للحسومات بألوان زاهية (أحمر، أصفر) لخلق شعور بالاستعجال، إضافة إلى وضعها بطريقة إستراتيجية بين البضائع الخاضعة للحسم والأخرى التي لا تشملها التخفيضات. هذا وغالباً ما تكون المنتجات الباهظة الثمن في الوسط (مباشرة على مستوى العين) في حين أن المواد الرخيصة تبقى في الأسفل بحيث يصعب رؤيتها. ويتم التلاعب بعقول المستهلكين من خلال الألوان، فتُوضع اللحوم في قسم يضم في خلفيته ألواناً هادئة بهدف إبراز شريحة اللحمة وجعلها تبدو طازجة أكثر. أما قسم العصير فيكون في الغالب مطليّاً باللون الأحمر لكون هذا اللون يجعل الناس تشعر بالأمان والراحة. ومن بين الحيل التي تقوم بها المتاجر، "فصل" المواد الغذائية الضرورية وإبعاد المسافة في ما بينها، فتعرض مثلاً الخبز في مكان والبيض في مكان آخر لإجبار المستهلكين على التجول بين البضائع الأخرى، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على"سياسة" الكازينو لجهة توزيع الألعاب بحيث تكثر ألعاب البوكر مثلاً أثناء توجه اللاعبين إلى المصاعد والحمامات، كما أن الكازينوهات الحديثة لاحظت حب النساء لألعاب السلوت، فقررت وضعها في أمكنة بعيدة عن الزحمة والضجيج بغية تشجيعهن على الإقبال عليها. وعليه من الضروري أن نعي أنه سواء كنا نبحث عن منتجات الحليب أو الشامبو أو الأطعمة الغذائية، فإننا في الواقع أقل قدرة على السيطرة على قراراتنا مما نعتقد، خاصةً أن السوبرماركت مع كل مغرياته وعروض الخيالية يحولنا إلى "مقامرين" سلبيين.خيارات صحية في اللعبة
مع اختلاف أذواق الناس تسعى المتاجر جاهدة لمواكبة كل التطورات بهدف جعلنا ننفق المزيد من الأموال بفضل تصميم "مدروس" يجعلنا نميل نحو خيارات يفرضها علينا تجار التجزئة. ولكن هل يستفيد السوبرماركت من مهارته في الإقناع لتصويب خيارات المستهلكين وإرشادهم نحو ما يناسبهم؟ هل يمكن للمتاجر أن تقنع الزبائن بالخيارات الصحية عوضاً عن إيقاعهم في فخ المغريات التي تؤثر سلباً على صحتهم؟ بحسب تقرير للـ"بي بي سي"، تبين أن توزيع المنشورات التي تسوّق للأكل الصحي من شأنها أن تشجع الأشخاص (خاصة أصحاب الوزن الزائد) على اتخاذ خيارات صحية والابتعاد عن الأطعمة الدسمة بنسبة 75%، كما أن طريقة تقليص أسعار المواد الصحية من شأنها أن تشجع المستهلكين على ابتياع هذه الأطعمة الصحية، والتي غالباً ما ينظر إليها على أنها "لوكس" و"من دون نكهة". ونظراً لكون طريقة عرض المواد والسلع على الرف تؤثر على خيارات المستهلكين، فإن تسليط الضوء على الخيارات الصحية يكون عن طريق وضعها في المقدمة وعلى مستوى العين مباشرة. ختاماً، في ظل العروض المغرية على الشوكولا والشيبس والسكاكر وغيرها من السلع التي تلحق ضرراً كبيراً بصحتنا، يصبح البحث عن الخيارات الصحية "مهمة شاقة" إن لم نقل مستحيلة. غير أن الخبراء في علم النفس الاجتماعي شددوا على أن السوبرماركت قد يكون الحافز الرئيسي لتشجيعكم على التوجه نحو الخيارات الصحية التي تصب في مصلحتكم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع