توشك الكويت على الغوص أكثر في وحول أزمة سياسية حادة، عقب صدور حكم محكمة التمييز في ما يُعرف بقضية اقتحام مجلس الأمة، والذي قضى بحبس 16 متهماً ما بين سنتين وثلاث سنوات ونصف.
القضية المذكورة شغلت الشارع السياسي الكويتي منذ عام 2011، فالكويت، البلد الخليجي الذي يملك مجلساً للنواب منتخباً شعبياً، عجز خلال العقود الثلاثة الأخيرة عن إيجاد صيغة توافقيه لتنظيم العلاقة بين المجلس والحكومة، الأمر الذي هدد استقراره كثيراً.
ويحذّر محللون سياسيون وناشطون من أن الحكم القضائي الذي يصفونه بـ"المسيس" سيضاعف من حالة التأزم السياسي الذي تعيشه البلاد الغنية بالنفط، وتقع في منطقة مضطربة سياسياً، خاصة وأن أحكام السجن طالت رموزاً سياسية وحزبية بارزة، على رأسها النائب السابق مسلم البراك، وعدد من النواب الحاليين في المجلس أمثال الدكتور جمعان الحربش والدكتور وليد طبطبائي، وهما من رموز التيار السلفي الكويتي.
وكشفت مصادر في مجلس الأمة الكويتي لرصيف22 عن تحركات يقودها عدد من النواب لاستصدار عفو أميري عن المحكوم عليهم، وإلغاء الأحكام، وهي صلاحية يوفرها الدستور الكويتي لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح.
بيد أن محللين سياسيين أكدوا في المقابل صعوبة تحقق ذلك، خاصة وأن الديوان الأميري رفض منذ البداية التدخل في القضية، وفضّل البقاء على الحياد.
وقال محلل سياسي طلب عدم ذكر اسمه، إن الأحكام لم تكن قانونية خالصة، وبالتالي لا يُتوقع أن يصدر مرسوم عفو قريباً، على الرغم من الضغوط الشعبية المتزايدة، وأضاف لرصيف22: "لا أتوقع ذلك، ولكنه الخيار الأخير لنزع فتيل أزمة لن يكون من السهل التنبؤ بنتائجها".
وعلى الرغم من محاولات نواب وسياسيين احتواء الأزمة قبل أن تتضاعف، لم تقدّم الحكومة أية مؤشرات على نيّتها التراجع.
وكشفت مصادر نيابه لجريدة الأنباء الواسعة الانتشار أنها قررت اتخاذ إجراءات سريعة للقبض على مَن صدرت بحقهم أحكام بالسجن، وباشرت إدارة التنفيذ الجنائي والاتصالات الخارجية في النيابة العامة، فور صدور الحكم، في الثامن من يوليو، إجراءاتها بوضع أسماء المدانين على قائمة المطلوبين الموجّهة إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول)، بعدما تبيّن لها أن بعضهم غير موجودين في البلاد وغادروها قبيل صدور الحكم.
أزمة مقبلة؟
تتميز الكويت عن بقية دول الخليج بأن فيها حراكاً ديمقراطياً، من خلال مجلس نواب منتخب بالكامل من الشعب، ومهمته إقرار القوانين ومحاسبة الحكومة ومساءلة الوزراء عند إخفاقهم. غير أن هذا الحراك تسبب بالكثير من الخلافات التي أدت إلى تعطيل عمل الحكومة أكثر من مرة، وهذا ما يثير اعتراض البعض خاصةً ممّن يرون أن عملية انتخاب النواب تعتمد على القبلية والطائفية، وليس على الجدارة السياسية. وتعود قضية اقتحام مجلس الأمة إلى السادس عشر من نوفمبر عام 2011، عندما اقتحم نحو ستين سياسياً يتقدمهم عدد من النواب السابقين مجلس الأمة الكويتي، في حركة احتجاجية على ما كان يُعرف حينها بقضية المال السياسي، واتهام عدد من النواب بتلقي رشاوي من الحكومة. وتسببت الحادثة باستقالة حكومة ناصر المحمد الصباح، وحل مجلس الأمة الذي كان يترأسه الراحل جاسم الخرافي. وجاء الحراك السياسي وقتها تحت تأثير موجات التظاهرات التي اجتاحت الكثير من بلدان الربيع العربي، ومحاولة من الحراك للتصدي لما قال إنه فساد عدد من النواب. وخلال السنوات السبع الماضية، تناقلت عدة محاكم كويتية القضية، وتباينت الأحكام بين البراءة والسجن لمدد تصل إلى تسع سنوات، قبل أن تنهي محكمة التمييز القضية بقرارها سجن 16 شخصاً من المقتحمين، على رأسهم النائب السابق مسلم البراك، وتبرئة البقية. ولكن فصول القصة لم تنتهِ. هي ما زالت في البداية، حسبما يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت حامد العبد الله الذي يحذّر من تأثيرات الأزمة السلبية على مستقبل العمل السياسي في الكويت. ويقول لرصيف22: "العمل السياسي في الكويت يعاني من أزمات كبيرة في الآونة الأخيرة، وتعرّض للكثير من الإشكالات خاصة من قبل المعارضة والحراك الشبابي". ويشدد العبد الله على أن الكويت والمنطقة تواجه تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية وحتى عسكرية، وبالتالي "نحن بحاجة إلى حوار وطني وتصالح بين جميع التيارات السياسية". ويؤكد أن المحكوم عليهم يمثلون جميع تيارات العمل السياسي المهمة، سواء التيار السلفي أو تيار الإخوان المسلمين، ويتابع: "سواء كنا نختلف معهم أو نتفق، نحن بحاجة إلى الهدوء والابتعاد عن لغة الإثارة التي يحاول البعض استخدامها وعن لغة الشعارات". وبرأيه، "إذا كان هناك صدق في فتح صفحة جديدة للعمل السياسي الكويتي، قد يكون المستقبل أفضل"."أحكام سياسية"؟
"هذه أحكام سياسية لا جنائية"، يعتبر أمين سر جمعية الصحافيين الكويتية فيصل القناعي، ويتهم الإعلام الكويتي بأنه لم يكن محايداً في تناوله للقضية منذ البداية.يحذّر سياسيون من أن الحكم على شخصيات سياسية بينها نواب في "قضية اقتحام مجلس الأمة" هو حكم مسيّس وسيضاعف حالة التأزم السياسي الذي تعيشه الكويت منذ أكثر من عشر سنوات
لم يهدأ الشارع الكويتي وسط مخاوف من أن تتعمق الأزمة السياسية في البلاد التي تشهد منذ الثمانينيات من القرن الماضي جولات من التجاذب بين الحكومة ومجلس الأمةويقول لرصيف22: "الأحكام مبالغ فيها، وقاسية، ما حدث لم يكن اقتحام بالشكل الذي حاولت الحكومة تصويره. هو تجمع استخدمت فيه أجهزة الأمن القوة تجاه المحتجين، فحاول البعض اللجوء إلى مجلس الأمة للاحتماء"، ويضيف: "لو كان الاقتحام مقصوداً، لكانت الأحكام مبررة. ما صدر من المحكمة هو حكم سياسي، وليس جنائياً". وينتقد القناعي التغطية الإعلامية للقضية، معتبراً أنها كانت متحيّزة للموقف الرسمي، وكانت عبارة عن مزايدات لتحقيق مصالح وتصفية حسابات، ويضيف: "ما حدث سيضر بمصداقية الصحافة الكويتية التي اهتزت منذ وقت طويل". برأيه، "تعاني الصحافة الكويتية من عدم ثقة القراء فيها، منذ أن تدخلت المصالح الشخصية في عملها، فقدت الحياد، واتضح ذلك من خلال في تغطيتها لقضية اقتحام مجلس الأمة". من جانبه، يعتبر عضو المكتب السياسي وعضو المكتب الإعلامي لحركة العمل الشعبي، علي دشتي، أن الحكم الصادر من التمييز لم يكن منصفاً، وجاء مخالفاً لأقوال الشهود الذين برأوا المتهمين في محاكم سابقة. وقال في تسجيل فيديو: "تم اتهامهم بالاعتداء على رجال الأمن والتحريض عليهم، وأضع بين يدي الجميع شهادة القائد الميداني (لقوات الأمن) اللواء محمود الدوسري الذي شهد أمام محكمة أول درجة بعدم حدوث ذلك، وشهد بأن المتهمين كان لهم دور كبير في تهدئة مَن كانوا أمام الحاجز الأمني وطالبوهم بعدم الاعتداء على رجال الأمن".
موجة بيانات
منذ التاسع من يوليو، لم يهدأ الشرع الكويتي، وسط مخاوف من أن تتعمق الأزمة السياسية في البلاد التي تشهد منذ الثمانينيات من القرن الماضي جولات من التجاذب بين الحكومة ومجلس الأمة، أدت إلى استقالة الحكومة أكثر من ست مرات، وحلّ المجلس أربع مرات. وعلى الرغم من الأحكام القاسية، لم يتراجع المتهمون. وتساءل النائب في مجلس الأمة الكويتي الدكتور جمعان الحريش، وهو أحد الذين صدرت بحقهم عقوبة السجن، عبر حسابه الرسمي على تويتر عن سبب حفظ الحكومة لقضايا مهمة مثل اقتحام قناة سكوب، وقناة الوطن، وديوان الحربش، واتحاد الكرة، واقتحام مجلس الأمة عبر المال السياسي، ولم يتم الحكم إلا في دخول المجلس من قبل نواب وشباب كموقف سياسي يعترض على رشوة نواب فيه. وأصدر مدانون آخرون بيانات تهنئ زملاءهم الذي حكم لهم بالبراءه، وتعهدوا بمواصلة العمل السياسي الوطني بعد خروجهم من السجن، واصفين ما تعرضوا له "بالتضحية". وتسابقت التيارات السياسية في إصدار البينات المحذرة من أزمة سياسية ستفاقم ما تعاني منه البلاد من خلافات. وتضامنت الحركة الدستورية الإسلامية مع المحكومين وعبّرت عن اعتزازها بهم واتهمت في بيان لها جهات لم تسمها بالسعي إلى عدم "إسدال الستار على هذه القضية، وأن تبقى خاضعة للابتزاز والتكسب، متجاهلين الآثار الاجتماعية والانعكاسات السياسية لها". أيضاً، رفضت حركة العمل الشعبي (حشد) الحكم القضائي، واعتبرت أن "القضية تحوطها الغرابة من كل جانب"، مشددة على أنها "ستقف عند مسؤولياتها وتمد يد العون إلى الجميع لانتشال الكويت من هذه الحالة الحرجة".نزع فتيل الأزمة
وحول تحرّك بعض النواب لاستصدار عفو عن المتهمين، كشف النائب ماجد المطيري في بيان تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي في العاشر من يوليو، أنه يسعى، مع عدد من زملائه، لتشكيل وفد برلماني لمقابلة القيادة السياسية في الأيام المقبلة بهدف إصدار عفو عن النواب الحاليين والسابقين والشباب المحكومين في القضية، لإزالة الاحتقان من المشهد السياسي. وأكد النائب عبد الوهاب البابطين عبر بيان نشره على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً أن القضية لم تنتهِ بصدور الحكم، لأنه ما زال هناك أمل بإصدار قانون عفو، وقال: "ما زالت هناك فرصة لمنع إسقاط عضوية الزملاء المدانين و مساءله سياسية لرئيس مجلس الوزراء ولكن هذا سيتطلب مسانده شعبية". وتحدث البابطين عن عدم توافر القصد الجنائي، واستشهد بشهادة القائد الميداني بعدم تعرض المدانين لرجال الأمن، إضافة إلى تناقض تناقض روايات الشهود، واستبعاد أشخاص ثبتت بصماتهم داخل القاعة من القضية. في الاتجاه ذاته، كشف نائب رئيس جمعية المحامين الكويتية مهند طلال الساير في بيان نشره في عدة صحف محلية عن أن الجمعية تعكف على دراسة الحكم وتفسيره وبحث آلية التعامل معه والتحرك نحو إيجاد الحلول الإيجابية للخروج من الأزمة. ورأى أن دخول المجلس جاء نتيجة حراك سياسي ضد الفساد والمال السياسي وانتهى باستقالة رئيس الوزراء السابق، مؤكداً أن جمعية المحامين الكويتية تدعم الدفع نحو صدور قانون عفو عام، بموجب ما جاء في المادتين 66 و75 من دستور الكويت.تجميد سياسي
هل تنجح هذه الجهود، ويتم إلغاء الأحكام؟ يؤكد الدكتور حامد العبد الله أن المعطيات الواضحة الآن تقول إن مَن صدرت بحقهم أحكام قضائية باتوا خارج المشهد السياسي الكويتي. ويضيف: "يمكن القول إن المستقبل السياسي للمحكوم عليهم بات مهدداً، خاصة وأنه لا يوجد مرسوم عفو أميري متوقع، بل هي مجدر تنبؤات بصدوره". ويتابع: "هناك حديث يدور حول أمكانية تحرك نيابي يقوده بعض النواب لصدور عفو عن المحكوم عليهم، ولكن لا أحد يعرف تحديداً ماذا سيحدث، وكيف ستكون طبيعة العفو، هل سيكون عن الحكم، أو سيسقط القضية من الأساس، غير أن الواضح الآن أن هناك نواباً حاليين في مجلس الأمه هما وليد طبطبائي وجمعان الحربش باتا المهددين أكثر بالأحكام التي صدرت عليهما بالسجن لثلاث سنوات وستة أشهر". وشرح أنه "بموجب القانون الكويتي، يُعتبر الحكم إذا كان لأكثر من ثلاث سنوات حكماً جنائياً، وبالتالي هؤلاء فقدوا أحد شروط الترشح"، وسيناقش البرلمان مسألة عضويتهما فيه. وإذا لم يحدث أي أمر يغيّر هذا الوضع، يشرح العبد الله "أن الدستور الكويتي يحرم المدانين من الترشح إلى مجلس الأمة لمدة خمس سنوات، وبالتالي سيكونون مجبرين على التوقف عن العمل السياسي طوال تلك الفترة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...