بدأ كل شيء يوم الخميس 20 يوليوز 2017 في مدينة الحسيمة، قبيل انطلاق المسيرة الوطنية التي تقرر تنظيمها في مسقط رأس زعيم حراك الريف، ناصر الزفزافي، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها الحسيمة والمدن المجاورة. هنا، بشارع عبد الكريم الخطابي، سيتم اعتقال الصحافي حميد المهداوي، مدير موقع "بديل"، ليأمر وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالمدينة بفتح بحث قضائي مع المهداوي "من أجل الاشتباه في ارتكابه لأفعال مخالفة للقانون تمثلت بالأساس في تحريض أشخاص على ارتكاب جنح بواسطة الخطب والصياح في الأماكن العمومية ودعوتهم للمشاركة في تظاهرة بعد منعها والمساهمة في تنظيم ذلك".
حكم على المهداوي بثلاثة أشهر سجناً نافذاً بتهمة المساهمة في تنظيم "مسيرة غير مرخصة" ، لكنه لم يكن يتصور أن المدة سترتفع في مرحلة الاستئناف، إذ انتقل الحكم من ثلاثة أشهر إلى سنة، مع إضافة صك اتهام جديد في ملفه عنوانه "عدم التبليغ عن أفعال تمس أمن الدولة" ، لكونه لم يبلغ عن مكالمة هاتفية تلقاها من شخص يقيم في الديار الهولندية تحدث فيها عن إدخال أسلحة إلى المغرب لصالح المحتجين في منطقة الريف؛ لتحكم غرفة الجنايات بمدينة الدار البيضاء، مساء الخميس الماضي على الصحافي المهداوي بالسجن ثلاث سنوات. أكثر المتشائمين لم يتوقع صدور هذا الحكم في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، لكن الحقيقة هي أن المهداوي "صحافي الشعب" سيقبع في السجن ثلاث سنوات، بينما سمع هنا وهناك بأن المهداوي لن يستأنف الحكم الابتدائي هذه المرة، وأنه مستعد لكي يمضي عقوبة الثلاث سنوات كاملة.
صحافي الشعب
ما إن يسمع المرء لقبه العائلي(المهداوي)، حتى تتبادر إلى ذهنه صورة ذلك الرجل الذي يظهر بشكل دائم على "فيسبوك" وهو يخطب في الناس عبر تقنية "اللايف Live" ، لكن قليلين جداً من يعرفون من يكون بالضبط حميد المهداوي الذي استطاع أن يفرض اسمه رغم الصعوبات التي واجهها في طريقه. هو من مواليد العام 1979 بمنطقة "الخنيشات" المهمشة، الواقعة غرب المغرب، ينحدر من عائلة بسيطة، فمنذ صغره اعتاد أن يوفر مصروفه بطرق مختلفة، إذ سبق أن اشتغل قبل عقد من الزمن كبائع متجول يفترش الأرض لعرض بضاعته، وهي المهنة المعروفة اختصاراً بالعامية المغربية باسم "فرَّاشْ" ، ولعل هذا هو خير دليل لفهم الطريقة الشرسة التي لطالما دافع بها المهداوي عن الطبقة الكادحة والفقراء، فالرجل مر هو كذلك بنفس التجربة، وذاق مرارة الفقر ونقص الإمكانات، وعرف معنى أن يكون الشخص فقيراً. لكن انطلاقاً من سنة 2010، سيبدأ التغيير الجذري في حياة الرجل، وذلك بعد حصوله على دبلوم من معهد الصحافة ومهن الإذاعة والتلفزيون الخاص بالدار البيضاء، ليلتحق سنة 2012 بهيئة تحرير أشهر أسبوعية ناطقة بالعربية، "الأسبوع الصحفي" التي كانت أول منبر إعلامي يوقع فيه المهداوي مقالاته لكنه لن يشتغل في الأسبوعية أكثر من سنة، وسينتقل للاشتغال في موقع "شوف تيفي" المتخصص في نشر الفيديوهات والربورتاجات وآراء الشارع، لكنه لم يجد ضالته داخل ذلك الجو الذي يشتغل فيه طاقم الموقع؛ ليحط الرحال عند علي أنوزلا صاحب موقع "لكم" الذي سيتم اعتقاله في سبتمبر 2013 بعد نشره رابطاً لشريط فيديو منسوب لـتنظيم "القاعدة" على جريدته الإلكترونية. هنا، فهم المهداوي بأن لا مستقبل له إذا بقي ينتقل من جريدة لأخرى، وهو رب الأسرة الذي له زوجة وطفلان ليبادر إلى إطلاق موقع "بديل" بإمكانات محدودة سنة 2014. من هنا إذن ستبدأ "ظاهرة المهداوي".المهداوي : الظاهرة المزعجة
بقدرة قادر، أصبح حميد المهداوي وجهاً معروفاً في الويب المغربي، إذ تحولت الفيديوهات التي كان يضعها على قناته الخاصة بـ "يوتوب" إلى موعد هام ينتظره عدد من المتتبعين لسماع "خطبة المهداوي". فمن قلب صالون بيته المتواضع، كان المهداوي يتحدث عن آخر التطورات السياسية التي تشهدها البلاد، ويوجه سهام نقده إلى الحكومة والأحزاب السياسية والمؤسسات الرسمية؛ لينتقد مع توالي الأيام السلطات وطبيعة النظام السياسي للبلاد والشخصيات المعروفة بقربها من القصر. "عندما أصبح المهداوي يشير إلى المقربين من القصر بأسمائهم، فإنه بذلك قد تجاوز الخط الأحمر وأصبح ضمن القائمة السوداء التي تضم أسماء الصحافيين المزعجين" ، يقول صحافي مغربي تربطه علاقة صداقة قوية بالمهداوي في حديث مع رصيف22. "جهات عليا في المغرب تريد رأس حميد المهداوي. هناك من يريد قطع رأس حميد المهداوي. هل أنا أطالب برشق الملك بالحجارة؟ هل أنا أسب الملك؟ هل دعوت لتمزيق راية الوطن؟ هل لأنني أدافع عن المؤسسات وعن المواطنين وعن حقوقهم فأنا ضد الوطن وضد الملك؟" بهذه العبارات تحدث المهداوي في فيديو مصور بثه على قناته بـ "يوتوب" قبل أيام قليلة من اعتقاله في مدينة الحسيمة، بحيث يكفي الرجوع إلى الفيديوهات التي نشرها في الأيام التي سبقت اعتقاله ليلاحظ المتتبع بأن المهداوي أحس بأن موعد دفع فاتورة دفاعه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق المواطنين في العيش الكريم قد حان."هل دعوت لتمزيق راية الوطن؟ هل لأنني أدافع عن المؤسسات وعن المواطنين وعن حقوقهم فأنا ضد الوطن وضد الملك؟". هذا ما قاله الصحافي المغربي حميد المهداوي قبل اعتقاله.. على ما يبدو أنه قد حان موعد دفع ضريبة دفاعه عن الديمقراطية..
وصفت زوجة حميد المهداوي الحكم الصادر في حق زوجها بـ "المجزرة في حق المسطرة القضائية، والجائر، والمعيد إلى سنوات القمع والرصاص، والمشوه لصورة المغرب الحقوقية في الخارج."
إدانة المهداوي : استمرار مسلسل التراجعات
"صحافي راسي مرفوع ما مشري ما مبيوع" ، بهذه العبارة علق المهداوي على الحكم الذي أدانه بثلاث سنوات سجناً نافذاً وغرامة مالية قدرها 3000 درهم (أي حوالى 316,20 دولار أمريكي) . فخلال تلك الليلة التي صدر فيها الحكم، صعق الجميع، بحيث أن التوقعات التي سبقت النطق بالحكم كانت تشير إلى أن الدولة وبعد صدور الأحكام القاسية في حق نشطاء حراك الريف وما أعقبها من موجة سخط عارم اجتاح كل أرجاء البلاد؛ لن تغامر بإدانة الصحافي المهداوي بعقوبة حبسية لأن ذلك سيساهم في ارتفاع منسوب الغضب لدى المواطنين، إلا أن العكس هو الذي حصل، ودفع زوجة المهداوي إلى وصف الحكم الصادر في حق زوجها بـ "المجزرة في حق المسطرة القضائية، والجائر، والمعيد إلى سنوات القمع والرصاص، والمشوه لصورة المغرب الحقوقية في الخارج." هكذا إذن، تُضاف إدانة الصحافي حميد المهداوي بالسجن ثلاث سنوات إلى قائمة التراجعات الحقوقية التي تشهدها المملكة في الآونة الأخيرة، في انتظار مآل ملف توفيق بوعشرين، ناشر جريدة "أخبار اليوم" المعتقل منذ خمسة أشهر على خلفية تهم تتعلق بالاغتصاب والاستغلال الجنسي والاتجار في البشر.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...