التعاطي الدولي مع الأنباء التي خرجت، بالأمس، من الغوطتين الشرقية والغربية وتحدثت عن مقتل المئات في هجوم بالأسلحة الكيميائية، يكشف حقيقة واحدة: من سوريا أعلن العالم عن موت الإنسانية.
صور الضحايا مختنقين تحت تأثير غازات الأعصاب كان يجب أن تهزّ ضمير العالم. كان على مجلس الأمن الدولي أن يتدخل مباشرة، وأن يصدر قراراً، تحت الفصل السابع، يؤلف بموجبه لجنة تحقيق دولية للكشف عن المسؤولين عن جريمة ضد الإنسانية تمّ توثيقها بالصور والفيديوهات. لكن، يبدو أن حق التدخل الإنساني تتجمّد مفاعيله في الشرق الأوسط، أو يبدو أن السوريين لا يستوفون المعايير الإنسانية الكفيلة بتفعيل هذا الحق!الجريمة التي شهدناها بالأمس هي تحدّ سافر للمجتمع الدولي. ارتكب المجرم جريمته على بعد كيلومترات قليلة من فندق "فور سيزونز" حيث يقيم الفريق المكلّف من الأمم المتحدة بالتحقيق في استخدام أسلحة كيميائية في سوريا. هذه ليست المرّة الأولى التي يُستخدم فيها هذا السلاح المحرّم دولياً. الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون أبلغوا الأمم المتحدة باستخدامه في 13 موقع! والفريق الأممي الذي يرأسه الخبير السويدي أكي سيلستروم Ake Sellstrom سيتفقد ثلاثة مواقع أحدها معروف هو خان العسل، فيما الإثنان الباقيان مجهولان ويرجّح أن يكونا الطيبة، في ريف دمشق، ومدينة حمص.
إذن، سبق أن اختنق سوريون عديدون بسبب قصفهم بالأسلحة الكيميائية. لفظوا أنفاسهم أمام عالم يتفرّج على مأساتهم، وكأنها تجري في فيلم خيالي. رغم فظاعة ما حصل، أتت المواقف الدولية مائعة كما عادتها. الأمين العام للأمم المتحدة أعرب عن "صدمته". أعضاء مجلس الأمن أعربوا عن "قلقهم" وطالبوا بـ"كشف حقيقة ما حصل" دون أن يتخذوا أي إجراء يؤسس لآلية واضحة لكشف الحقيقة. وكأن حقيقة ما يحصل هو أمر غيبي ينتظر متصوّفو مجلس الأمن انكشافه لهم! ألقوا مهمة إجراء تحقيق معمّق ومحايد على عاتق الأمين العام، رغم علمهم بأن حركته مقيّدة بموافقة الحكومة السورية!
بعد أشهر من هجوم النظام السوري على منطقة الغوطة الشرقية لدمشق، وفي ظلّ تصعيد عسكري واسع في ريف دمشق، استُخدم فيه الطيران وراجمات الصواريخ، لم يستيقظ كثير من السوريين إلا على تشنّجات عضلية أصابتهم. استيقظوا للحظات قليلة ثم غفوا. أعضاء مجلس الأمن أُبلغوا أن السلطات السورية رفضت التعجيل في ذهاب فريق التحقيق إلى الأماكن التي قيل إنها استُهدفت بأسلحة كيميائية. كل هذا لم يُثر سوى "قلقهم".
مجزرة الغوطتين كشفت حقائق كثيرة. في الأزمة السورية، وحده النظام السوري يتمتّع بحلفاء أوفياء، بينما المعارضة السورية متروكة هي ومَن تمثلهم للقدر. فور خروج الأنباء عن الكارثة التي حلّت على السوريين انبرت وزارة الخارجية الروسية للدفاع عن حليفها، معتبرة أن ما يحصل هو "حملة إعلامية هجومية" وهو "عمل استفزازي مخطط له مسبقاً". من ناحيته، اعتبر وزير الخارجية الإيراني أن "الحكومة السورية لا يمكن أن تكون مسؤولة عن هجوم محتمل بأسلحة كيمائية على ضواحي دمشق لأن قوات الرئيس بشار الأسد لها اليد الطولى في القتال". في المقابل اكتفى حلفاء المعارضة الافتراضيون بالإعراب عن قلقهم!
العدد الحقيقي للضحايا الذين سقطوا لم يحدّد بدقّة. هو 500 بحسب "مكتب دمشق الإعلامي"، و650 بحسب "الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية" و1200 بحسب "المركز الإعلامي السوري" و1300 بحسب رئيس "المجلس الوطني السوري" جورج صبرا. الصور الموثقة تكشف أنهم بالمئات. العدد الدقيق غير مهم. المهم هو كثرتهم وطريقة موتهم. المهم هو أن المجرم صفع العالم، ولم يخشَ ردّة فعله.
مساعد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست Josh Earnest اعتبر أنه "إذا لم يكن للحكومة السورية شيء لتخفيه، وإذا كانت ترغب فعلاً في تحقيق محايد وموثوق به حول اللجوء إلى أسلحة كيميائية في سوريا، فستسهل وصول الأمم المتحدة فوراً ومن دون عوائق" إلى موقع الجريمة. ملاحظته يمكن أن يبني عليها المتردّدون رأيهم في هوية المجرم في الأيام القادمة. يجب كشف هوية المجرم أمام الشعب السوري أيّاً يكن. وإلى حين تأسيس آلية تحقيق جدية حول ما حصل، يبقى ما قاله جورج صبرا هو الأكثر واقعية: "من يقتلنا ويقتل أطفالنا ليس النظام وحده. التردد الأميركي يقتلنا، صمت أصدقائنا يقتلنا، خذلان المجتمع الدولي يقتلنا، لامبالاة العرب والمسلمين تقتلنا، نفاق العالم الذي كنا نسميه حراً يقتلنا ويقتلنا ويقتلنا".
البارحة صدمتنا الصور الآتية من الشام. اليوم تحوّل أصحاب الصور إلى أرقام. الأطفال الجميلون تحولوا إلى جثة رقم 1 وجثة رقم 2... هل يضافون إلى أرقام عشرات الآلاف من ضحايا الحرب السورية، أم أن العالم سيصحو ويتدخل لوقف المأساة السورية؟ وماذا عن الذين رقصوا فرحاً البارحة؟ في أيّة سوريا سيعيشون جنباً إلى جنب مع الضحايا؟!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.