شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الحلال في فرنسا... من السياحة إلى مكاتب الدفن

الحلال في فرنسا... من السياحة إلى مكاتب الدفن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 7 أغسطس 201610:07 م

لا تبدو كلمة "مجزرة إسلامية" التي تتصدر محالّ بيع اللحوم طارئة على باريس، ليس فقط في الدوائر التي أغلب سكانها من المسلمين بل حتى في قلب المدينة. أما كلمة "حلال" Halal المطبوعة على واجهات المطاعم فإنها الأكثر تداولاً، وهي تعكس حجم الترويج لأسواق "الحلال" لأسباب تجارية ودينية وسكانية.

ثقافة الحلال

يلقى "اللحم الحلال" رواجاً كبيراً في أوروبا عموماً، إذ لا يجد غير المسلمين بشكل عام مانعاً في تناول اللحم الحلال. أظهرت دراسة أعدتها غرفة تجارة وصناعة دبي أن الطلب العالمي على الأغذية الحلال سجل نمواً بمقدار تريليون دولار عام 2013، متوقعة أن ترتفع عام 2016 إلى 1.6 تريليون دولار.

تأخذ كلمة "حلال" في الذهنية العربية أولوية من حيث الابتعاد عن تناول لحم الخنزير ولحوم الحيوانات غير المذبوحة على الطريقة الإسلامية أو المشروبات الكحولية، لكنها تحولت مع الوقت إلى نمط حياة منتشر بين فئة لا تتقاطع  ثقافتها مع الثقافة الأوروبية. هذه الثقافة الشكليَّة التي سماها الباحث التونسي عبد الوهاب المؤدب في كتابه "الإسلام الآن" بـ"الأصولية المتفشية" هي المقياس الذي يتَّبعه أغلب المسلمين في فرنسا ليثبتوا تمسكهم بدينهم، إذ يطغى تشددهم في تطبيق ظواهر الإسلام من اللحية إلى الحجاب وإطالة الثوب والمأكولات على حساب الجوهر، وذلك بسبب الخطاب الديني الذي يجري تصديره عبر وسائل الإعلام.

ومع أن الفروق ليست كبيرة بين الحلال وغير الحلال، فقد بدأت هذه الثقافة تسهم في تغريب المسلمين داخل المجتمعات الأوروبية وترسخ فكرة أنهم أشخاص مغايرون للثقافة السائدة التي يجتمع وفقها أبناء الديانات والحضارات المتشعبة في بلد كفرنسا، دون تمييز أساليب حياتهم.

لا نعلم بدقة نسبة المسلمين في فرنسا، فالحكومة الفرنسية تمنع إجراء إحصاء كهذا، غير أنه من المعروف كبر الجالية الإسلامية العربية وغير العربية في هذا البلد، وهو كبر يعكسه انتشار كل ما يتعلق بـ"الحلال".  ففي باريس نستطيع أن نعثر على "مكاتب دفن موتى المسلمين" في حي "لا كورنوف"، La Courneuve، إضافة إلى "الحمامات الحلال"، كما أن هناك مواقع ضخمة تقدم أدلة شاملة للشركات والمطاعم ومستحضرات التجميل الحلال، فضلاً عن أنواع الألبسة الحلال من "الحجاب" إلى "المايوه".

فنادق الحلال

يرتبط مفهوم السياحة في فرنسا وباقي دول أوروبا بالمشروبات الكحولية والملابس الكاشفة على الشواطئ، لا سيما في شهر أغسطس الذي يستغله الفرنسيون للذهاب إلى الأرياف والبحر هرباً من المدن، وبسبب حاجة المسلمين كغيرهم إلى السياحة وعدم انسجامهم مع العادات الفرنسية، فقد كانوا يسافرون إلى إحدى الدول الإسلامية، كماليزيا وتركيا. غير أنهم منذ هذه السنة، لم يعودوا بحاجة إلى ذلك، فـ"السياحة الحلال" وصلت إلى فرنسا أيضاً.

في مدينة "تراب" ذات الغالبية المسلمة غرب باريس، اشترى مواطنان فرنسيان مسلمان هما "إيمان" و"عبد الرحمن" أحد المباني القديمة (قصر صخرة تينار) Chateau de la Roche-Tinard التي كانت مسكناً للراهبات الفرنسيات وحولاه إلى فندق حلال يتضمن جميع ما يطلبه السياح المسلمون من العادات الإسلامية، ابتداء من سجادة الصلاة وانتهاء بالمأكولات الحلال. أما الغرف، فقد أطلِقَ عليها أسماء إسلامية مثل "ابن رشد" و"ابن سينا"، مع المحافظة على المقتنيات والديكور والكنيسة الأثرية التي يضمها المبنى.

في هذا الفندق، لا تُوجَّه الأنظار إلى المسلمات المحجبات على غرار ما يحدث معهن في المنتجعات العامة، علماً أن الفندق يفتح أبوابه لغير المسلمين أيضاً.

بالطريقة السابقة نفسها، وفي إحدى القرى الواقعة على بعد ساعة من باريس، وعلى مقربة من بحر المانش، حوّلت سيدة فرنسية ثلاثة أكواخ قديمة من القرن السابع عشر، إلى فندق سياحي، وقد حُجزت جميع غرفه من قِبل السياح المسلمين طوال هذا الصيف، وهو مجهز بأحواض سباحة مسخّنة ومالحة لتشبه البحر، مع الفصل بين الرجال والنساء.

تميل هذه الفنادق إلى استقطاب السياح القادمين من دول الخليج على الأخص بسبب استعدادهم لدفع مبالغ معقولة مقابل الخدمات المقدمة. فـ"السياحة الحلال" تختزل كل ما يمكن تقديمه كنمط حياة على الطريقة الإسلامية. ازدهار هذه الفنادق يدل على مدى تحول "الحلال" إلى سوق يتفنن به أصحاب المهن المختلفة بسبب الإقبال الكبير عليه، مما أدى إلى ردة فعل من قِبل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف Le Front National. فبعد فوزه بالانتخابات البلدية في بضع مدن فرنسية هذا العام، منعت زعيمته مارين لوبَّان Marine Le Pen مدارس هذه المدن من تقديم وجبات غذائية خالية من لحم الخنزير بسبب تعارض ذلك مع قيم فرنسا العلمانية على حد تعبيرها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image