شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الحكم سنة على زوج اغتصب زوجته: هل يجد

الحكم سنة على زوج اغتصب زوجته: هل يجد "الاغتصاب الزوجي" طريقه إلى التشريع المصري؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 18 يونيو 201810:06 م
نقلًا عن جريدة الشروق المصرية، قضت محكمة جنايات الجيزة الخميس 7 يونيو 2018 بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ لزوج هتك عرض زوجته. قامت الأخيرة بتقديم بلاغ بقسم الهرم عن أن زوجها واقعها في الشرج مُسببًا لها مُضاعفات طبية ونفسية، في مارس من نفس العام، لتقضي المحكمة بحبسه بعدها بثلاثة أشهر. هذه الواقعة قد يعتبرها بعضنا صيحة في وجه الاغتصاب الزوجي الذي تُعاني منه نساء كثيرات في مصر، ولكن يستوقفنا الحكم لنعرف أن الطريق ما زال طويلًا لإدماج تعريف دقيق للاغتصاب في القانون المصري، وبالأخص الاغتصاب الزوجي. أتى الحكم «مع إيقاف التنفيذ»، كما أنه مرتبط بإثبات أثر الاغتصاب جسديًا على الزوجة. وللأمر بُعد إضافي إذا ما فكرنا في سبب الحكم كما لو أنه حُكم شرعي وليس مدنيًا. فالدعوة قامت في الأساس على إجبار الزوجة على الجنس الشرجي، وهو ما تُحرمه الشريعة الإسلامية. ولم تكُن مبنية على ممارسة الجنس بالإجبار في حد ذاته.

عوار قانوني ودستوري

يُعرّف الاغتصاب في القانون المصري بأنه "مواقعة أنثى بدون رضاها". يُبنى هذا التعريف على فرضية أن الاغتصاب يحدث فقط من خلال المهبل، وبإدخال القضيب عنوة. أما إن تم إدخال أي أداة أخرى في المهبل فهو يندرج تحت اسم «هتك العرض»، وليس «الاغتصاب». وبذلك أيضًا يتجاهل القانون المصري أن الرجال كذلك يتعرضون إلى الاغتصاب، الذي جعله القانون مقتصرًا على النساء فقط. كأنه يُطبّع بشكل غير مباشر أن «الاغتصاب» أمر نسائي، ويرسم تصورًا وهميًا عن الرجولة. فالرجال، كما يفترض القانون، لا يتعرضون للاغتصاب، ولكن قد يتم «هتك عرضهم».
تُصبح المقاومة الجسدية هي السبيل الوحيد لإثبات الإكراه على ممارسة الجنس، ليس فقط في القانون، وإنما في الوعي المجتمعي أيضًا
سمعنا مرارًا عن الزوجة التي تلعنها الملائكة إن لم تمارس الجنس مع زوجها. ولم نسمع عن زوج لعنته الملائكة لأنه مارس الجنس مع زوجته بدون رضاها
وفقًا لتقرير أعدته «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» في العام 2015، فإن القانون المصري يتجاهل عن عمد التعريف الذي حددته «منظمة الصحة العالمية» للاغتصاب بأنه: "إجبار على ممارسة الجنس سواء في المهبل أو الشرج، عن طريق إدخال قضيب أو أي من أجزاء الجسم –كاليد- أو إحدى الأدوات". وجاء تقرير «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» كنقد لإستراتيجية «مواجهة العنف ضد المرأة» التي تتعاون فيها عدة وزارات حكومية كوزارتي العدل والصحة، مع وزارة الداخلية وعدد من المجالس الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء في المجتمع المصري. وفيما يخلو قانون العقوبات المصري من أي ذِكر أو إشارة للاغتصاب الزوجي، تنص المادة (10) من دستور عام 2014، أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها". وبعيدًا عن عمومية المادة وكونها فضفاضة، فإنها تُسلط الضوء على دور الدولة في "الحفاظ" على الأسرة المصرية. في هذا قد نعتبر الدولة مسئولة عن التطبيع مع العنف ضد النساء في المجال الخاص، وهو ما تم تعريفه بـ"الأسرة"، حيث لا يُجرم قانون العقوبات المصري العنف الأسري، والذي يندرج «الاغتصاب الزوجي» تحته. إننا بذلك أمام فرضية أن الدولة تتجاهل العنف ضد النساء داخل الأسرة، باعتباره أمرًا خاصًا. وعلى الرغم من أن الطلاق أو الخلع قد يتم اعتبارهما أيضًا أمرين خاصين من هذا المنطلق. تكمُن الفكرة هنا في أن الطلاق والخلع والزواج وغيرها هي من الأمور المُحددة لعلاقة الدولة بأجسام مواطنيها، عن طريق التسجيل الرسمي. أما العنف فإلى حدٍ كبير، لا يؤثر في تسجيل العلاقات الجنسية بين المواطنين في سجلات الدولة. ولتزايد معدلات العنف الأسري، قد تقع الدولة في فخ الالتزام بتوفير رعاية طبية وصحية للنساء والأطفال المتعرضين له، وهو ما يُعد تكلفة اقتصادية منفردة. هذا لا ينفصل عن تبني الدولة لهرمية علاقات قوة في المجتمع. فإن كانت الدولة مهيمنة على النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فمن الذكاء أن تسمح بممارسة العنف في الإطار الذي تُحدده، وأعني هنا العنف المُمارس ضد النساء والأطفال داخل الأسرة، وهذا ما يُفسره الحكم على الزوج في القضية محل الجدل. فالزوج قد يُعنف زوجته، وقد يُمارس معها الجنس بالقوة، ولا تتم مُساءلته قانونيًا، إلا إذا كان الجنس شرجيًا. في إحدى الجروبات النسائية على فيسبوك، روت إحدى العضوات أنها هاتفت النجدة من داخل غرفتها، بينما كان والدها يحاول فتح باب الغرفة ليستكمل ضربها على إثر خلعها للحجاب. ما كان من مندوب النجدة إلا أنه نصحها بالتفاهم مع والدها وبأنه أمر خاص لا شأن للشرطة به. وحكت أخريات عن قصدهن لأقسام الشرطة للإبلاغ عن إخوتهن الذين قاموا بتعنيفهن لأسباب مُشابهة، بينما سخر الضباط منهن وعرضوا عليهن إقامة "صلح ودّي" مع الأخ المُعنِّف. هنا، لا يُمكن إغفال أن الدولة ومؤسساتها وحتى في دعواتها للحد من العنف ضد النساء، تتجاهل العنف الأسري، وتعتبره مُفككًا لروابط الأسرة، وبالتالي للمجتمع. لا مانع إن جاء ذلك على حساب النساء.

معيارية مجتمعية

لقد تربينا على أن «ما يحدث في المنزل يبقى في المنزل»، وشببنا على نبذ مجتمعي لنساء قمُن بالبوح عن علاقة أزواجهن بهن، وبأنهن غير أمينات على أسرار العلاقة. هذه السرية خلقت بداخلنا معيارية عما هو مقبول وما هو مرفوض: مَن هي المرأة المقبولة اجتماعيًا، ومَن هي المنبوذة والمُعاقبة لإفشاء أسرار المنزل. وفتّحنا أعيننا على نساء ملومات على خيانة أزواجهن بأنهن رافضات للجنس، وبالتالي يحق للزوج الخيانة أو الزواج على امرأته لأنها "مُقصرّة". وسمعنا مرارًا عن الزوجة التي باتت تلعنها الملائكة إن لم تمارس الجنس مع زوجها. ولم نسمع عن زوج لعنته الملائكة أو حتى تم توبيخه من مجتمعه لأنه مارس الجنس مع زوجته بدون رضاها. ظلت كثيرات منّا تدفع ثمن هذه المعيارية من جسمها ومن سلامتها النفسية والعقلية. هذه المعيارية جعلت الرجل محور العلاقات الجنسية، وكانت سببًا في اعتبار ختان الإناث تحجيمًا لرغبات النساء الجنسية، إرضاءًا لشركائهن. وكانت مُسببًا رئيسيًا لاعتبار العلاقات الجنسية داخل إطار الزواج تتمحور حول رغبات الأزواج الجنسية، ولا تآبه لرغبات الزوجات. فتلا ذلك أن كثيرات قمن من أسرّتهن غير راضيات جنسيًا، ولا تتحدث أخريات عن سخطهن من ممارسة الجنس مع أزواجهن الذين لا ينتبهون سوى للإدخال والقذف، ووصمنّ هؤلاء اللواتي تحدثن عمّا يدور داخل غرف النوم، إذا تنحى الحديث عن فحولة الرجال وتمحور حول رغبات النساء.

عبء إثبات الاغتصاب

في ظروف كهذه، يضع القانون مسئولية إثبات الاغتصاب على النساء، ويقوم بعرضهن على الطب الشرعي. وهو ما يثير تساؤلنا عمّا قد يحدث إن لم يُصاحب الاغتصاب أثر جسدي واضح؟ في أحد برامجها، أشارت الداعية الإسلامية الدكتورة «نادية عمارة» لإحدى المُتصلات بأن قبولها ممارسة الجنس الشرجي مع زوجها، حتى لو رفضته بالقول، يضع عليها إثمًا في طاعته على ما حرمته الشريعة. وبهذا تُصبح المقاومة الجسدية هي السبيل الوحيد لإثبات الإكراه على ممارسة الجنس، ليس فقط في القانون، وإنما في الوعي المجتمعي أيضًا. كما لو أننا نقول إن النساء يجب عليهن مقاومة الاغتصاب وإلا يُصبحن مسئولات عن اغتصابهن. ولا مجال إذًا للمقاومة السلبية، أي الرفض بالقول فقط، تفاديًا للتعرض لعنف جسدي مُبرح.

خطوة على الطريق

ما زال الطريق طويلًا حول الصراع على نزع تعريف قانوني دقيق للاغتصاب، سواء كان زوجيًا أو غير ذلك. لكننا نأمل أن يكون الحكم الصادر في تلك القضية، طريقًا للاعتراف بحق النساء في أجسامهن وجنسانياتهن، رغم كونه إشكاليًا.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image