لطفل كان في الثانية عندما ارتقى مارك رايت اعلى من كل من كانوا يتابعونه بعيونهم ليسبق يد احمد شوبير للكرة في ملعب سانت ايليا في ايطاليا، بدا هذا المشهد غير مألوف رغم اعتياد هذا النوع من النهايات، لكن من رأوا دموع ابراهيم حسن بعد صافرة نهاية تلك الليلة قبل ثمانية وعشرين عاماً في كأس العالم ١٩٩٠، كانوا امام مشهد مألوف في صورة محمد صلاح برأس منكس على دكة لم يختر احد ان يجلس عليها سوى قاتل كروي محترف.
فريق احمر منظم ينطلق من تنظيمه الدفاعي نحو محاولات اكثر حذراً من ان تشكل تلك الخطورة التي تجعلك تصرخ متحسراً، يواجه فريقاً باللون الابيض يبدو واثقاً من انه سيفوز عندما يريد. ايقاع بطيء لمباراة تبدو تحت السيطرة وحارس مرمى يمنح انطباعاً بأن الكرة لن تتخطاه حتى لو كان من في مواجهته سيرة ذاتية متحركة كجاري لينيكر او ابليس كروي كلويس سواريز في لحظة تمنحك مجريات المباراة حق الحلم بما لم يكن وارداً في مراهنات المقاهي، حتى يأتي السيناريو الذي لم يفلح كل تفاؤل الاداء الطيب في اخفائه نفس الخطأ المجاني من على اطراف الملعب، نفس الارتقاء المرهق ليكن وربيع في كالياري كان من نصيب حجازي والنني في يكاتنبورج، في مواجهة شبح الماضي متمثلاً بدلا من مارك رايت هذه المرة في شاب اوروجوياني يدربه دييجو سيميوني، كاتباً نهاية سعيدة اخرى غير مكتملة يضيفها هيكتور كوبر لدفتر احواله السودوي، كتلك الذي ابتلعها على مضض الجوهري في ايطاليا، ليعود بطلاً مؤقتاً وملعوناً بعدها بأشهر عقب هزيمة ودية ذهبت به الى استجواب برلماني.
اشباح الماضي لازمت العرب في روسيا في اليومين الأولين من المونديال، فالسعودية قصت الشريط امام روسيا بأداء بدا وكأنه محاولة مجتهدة لاعادة انتاج المأساة، ارتباك امام صاحب الارض يعرفه من تابع بدهشة زيدان وهو يطرد بغرابة من نزهة فريقه الرباعية في منطقة جزاء محمد الدعيع في باريس عام 98 التي ارسلت بطل النسخة السابقة كارلوس البرتو بيريرا الى منزله مبكراً بقرار ملكي، نفس القرار الذي صدر بعد أربع سنوات بتحقيق يقوده ولي العهد وقتها بعد ثمانية اهداف المانية لم تجد رداً من رفاق الجابر في قبة سابورو باليابان، صنع نصيب ميروسلاف كلوزه منها اسطورته كهداف تاريخي للمونديال عبر تاريخه، شبح الماضي الذي عاد في صورة رقم قياسي سلبي تاريخي جديد من العيار الثقيل الذي لا يحبه رئيس هيئة الرياضة في البلاد، بعد أن اصبحوا في موسكو اكثر من تلقى اهدافاً في لقاء افتتاحي في تاريخ البطولة بينما كان مدربهم المُقال بيرت فان مارفيك يستعد لقيادة استراليا لخسارة اكثر من مشرفة امام فرنسا بعد يومين.
شبح المغرب في سان بطرسبرج كان خليطاً من عدة اشباح، الاسود القادمة بترشيحات الحصان الاسود وبتشكيلة وارقام وضعتها في رأي البعض فوق برتغال الرجل الخارق الواحد في ترشيحات الصعود، كانت بالتأكيد اقوى من منتخب ايراني لم يجد من يواجهه تحضيراً للبطولة، نهايات غير سعيدة في الدقائق الاخيرة عرفها المغاربة منذ ان مرت ركلة ماتيوس الحرة الى شباك الزاكي لتؤهل المانيا بشكل ملحمي لربع مونديال المكسيك مروراً بدموع صلاح الدين بصير رغم الثلاثية في شباك اسكتلندا التي لم تكن كافية لتأهل بعد مباراة على الجانب تباين تصنيفها بين التهاون والمؤامرة للبرازيل امام النرويج في مونديال 98
دموع عادت هذه المرة في ملعب كريستوفسكي الى عيون عزيز بوحدوز الذي بدا وهو يحول عرضية ايرانية في شباكه وكأنه يعاقب الجميع على المبالغة في التوقعات من بلد مر امام الحلم المونديالي عدة مرات سواء على ارض الملعب او قاعات اجتماعات لجان الفيفا دون ان يفلت ولو مرة من شبح الماضي ليصل الى ارض ميعاده.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...