غادة عبود كاتبة سعودية اختارت أن يحمل أول أعمالها الروائية اسم "بايبولار"، كما اختارت الطبيبة النفسية كرمة عبد الودود بطلةً لروايتها، وبين السطور كانت مدينة جدة حاضرةً بجنوبها الفقير وشمالها المُترف الذي تنتقل بينهما البطلة في رحلة عملها من المنزل إلى المشفى الذي تعمل به.
ولا تخلو أيامها من إحدى نوبات اكتئاب ثنائي القطب الذي تعاني منه، وهي النوبة التي تأتيها بعد كل مرة تختزن فيها الكثير من الرفض والاشمئزاز من كل ما يدور حولها من فساد وازدواجية ونفاق في مكان عملها أو حينما تعود منه إلى منزلها في الجنوب حيث تعيش في ديوانية البيت بعيداً عن والدها وزوجته، ودائماً تبدأ نوباتها بسماعها مقطع "أهرب من قلبي أروح على فين"، فهي أيضاً منذ صغرها تحاول الهروب من دائرتها المغلقة، ولكنها لا تجد سبيلاً لذلك.
&feature=youtu.be
"الوشوم" ملاذها للتعبير عن معاناتها النفسية
تكتم الطبيبة بداخلها هذا التناقض ولا تجد وسيلة لتعبر عما تشعر به من غضب ووحدة وضياع، إلا من خلال دقّ وشم جديد على جسدها، ووسط معاناتها النفسية يحدث صدام بينها وبين إدارة المستشفى حتى يتم فصلها تزامناً مع وفاة والدها، لنجدها تغرق في المزيد من التِيه والضياع.نعيش في عصر سريع استهلاكي حوّلنا جميعاً إلى "تروس" في آلة كبيرة، جعلت من الصعب على الأغلبية أن يتفهموا المشاعر الإنسانية الحقيقية.
ما يُسمى بمرض "البايبولار" هو حملة تسويقية خادعة من شركات الأدوية. ليس هنالك مرض اسمه "بايبولار".وتبدأ الأفكار الانتحارية بالسيطرة على تفكيرها وتكاد تقدم على ذلك، حتى تلتقي بـ"عمر" الذي بسبب نشأته غير السعودية يجد نفسه غريباً في بلده أيضاً، ولكنه أكثر تصالحاً مع نفسه ومع ظروفه، وهنا تختبر كرمة معه شكلاً جديداً من طرفي القطب الذي قيّدت فيه، فهي تؤمن بأن الأشخاص لا يعانون من "اكتئاب ثنائي القطب" بل المجتمع والحياة هما من يعانيان منه، ورغم التناقض بين شخصية كرمة وعمر، فقد وجد كل منهما التوازن في تناقضهما، ووجدا في هذا التناقض سكناً، بعيداً عن المجتمع "البايبولار". كان لرصيف22 هذا الحوار مع الكاتبة غادة عبود. حديثنا عن كواليس كتابتك للرواية؟ استمررت حوالي سنة في الدراسة والبحث عن مرض "البايبولار" وأمراض أخرى للوقوف عند طبيعة الأمراض والفرق بين الأعراض والأسباب، ثم حددت الفكرة وعلى مدار سنتين هما مدة كتابتي للرواية، استعرضت - خلالها - جميع الأعراض من خلال الأحداث وليس من خلال الحوار. ما هي الفكرة الأساسية التي تريدين إيصالها من خلال الرواية؟ حاولت أن ألفت النظر لحالة مجتمعية، فالرواية تقول إنه ليس هناك شخص مُصاب باكتئاب ثنائي القطب، بل هناك مجتمع مُصاب وبحاجة للشفاء منه، ومن خلال الشخصية الرئيسية وهي دكتورة نفسية تعاني من نوبات "بايبولار" وتوضح لنا ما يدور في ذهن الشخص ثنائي القطبية وكيف يتفهم الأشياء من حوله. كما أننا نرى المجتمع والشخصيات من خلال وجهة نظرها لنتأكد كيف أن الحياة هي المُصابة بـاكتئاب ثنائي القطب، وهو ما ينعكس على الأشخاص، والسبب في ذلك ما نعيشه من عصر سريع استهلاكي حوّلنا جميعاً إلى "تروس" في آلة كبيرة، جعلت من الصعب على الأغلبية أن يتفهموا المشاعر الإنسانية الحقيقية، وأصبح الشخص ذو المشاعر الصادقة يُصنّف بأنه مريض اكتئاب ثنائي القطب. لماذا اخترتِ جدة تحديداً؟ مجتمع جدة مثله مثل سائر المجتمعات العربية ليس جيداً ولا سيئاً، يجمع كل التناقضات البشرية، ولطالما بحثت عن طريقة لعرض هذا التضاد المجتمعي بشكل روائي، وتعاملت مع شخصيات الرواية باعتبارهم نماذج مجتمعية، ورغم أنهم يبدون شخصيات مريضة متناقضة فإنهم يريدون فقط التأقلم مع الحياة. عرّفينا ببطلة "بايبولار". كرمة عبدالودود طبيبة نفسية تم تشخيصها بـ"البايبولار"، تعيش في جنوب جدة بمنطقة فقيرة وفي الوقت نفسه تعمل في مستشفى استثماري خاص في شمال جدة الثري. من خلال الشخصيات التي تقابلها والأحداث التي تتعرض لها تُصاب بالكثير من أطراف ثنائي القطب، لتجعل القارئ يتساءل هل هي فعلاً مُصابة بـ"البايبولار" أم المجتمع، وهل هي على حق أم مخطئة. هل لاختيار اسم البطلة دلالات مُعينة؟ اخترت اسم كرمة، لأنه يعني كروم العنب، وهو الأقرب للتعبير عن تناقضات الحياة والنفس البشرية التي تحمل بداخلها الخير والشر. ما هي العوامل التي جعلت من البطلة مريضة؟ العوامل تمثلت في أسلوب تربيتها وظروفها المعيشية الصعبة، وفي نفس الوقت التضاد الواضح في بيئة عملها، فالأحداث نفسها معتمدة على أن تُعيِّش القاريء في حالة من "البايبولار" ليشعر بما يعانيه المريض من حالات صعود وهبوط. في روايتك، هل تتعاملين مع المجتمع باعتباره المذنب الوحيد؟ لا ألوم المجتمع ولكن ألوم العصر الاستهلاكي الذي حوّل الناس وحطم الإنسانية، وألوم ما حلّ بنا من حرص مُفزع على المادة التي جعلتنا كالجماد بلا أرواح حسّاسة، وأيضاً كرمة لم تقم بلوم أي شخص بل إنها تلوم نفسها طيلة الوقت. إذن من بحاجة إلى علاج، كرمة أم المجتمع؟ نحن بحاجة إلى المزيد من تقبل الآخر والعاطفة وليس التعاطف في ما بيننا، أما من بحاجة لعلاج فهذا يرجع للقارئ. في النهاية، هل تعترفين بـ"البابيولار" كمرض حقيقي؟ ما يُسمى بمرض "البايبولار" هو حملة تسويقية خادعة من شركات الأدوية. ليس هنالك مرض اسمه "بايبولار".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين