إن كنت في السعودية، أو ماراً بها، أو تتحدث مع فتاة سعودية عبر أي من برامج التواصل الاجتماعي ومواقعه، فاِنتبه، لأن أرسال صورة لقلب، أو قبلة أو كلمة غزل على الطائر، كافية لإحالتك للمحاكمة، حتى ولو لم تشتكِ المرأة، وفق قانون التحرش الذي يدخل اليوم الأحد حيز التنفيذ الفعلي، بعد نشره في الصحيفة الرسمية (أم القرى) يوم الجمعة الماضي.
يؤكد المستشار القانوني خالد البابطين أن القانون الذي أُرجىء البدء في تطبيقه لنحو 48 ساعة، لتزامن نشره مع عطلة نهاية الأسبوع، جاء صارماً، ويعتبر أي نوع من الغزل جريمة يعاقب عليها القانون، ويقول لرصيف22: "صور القلوب والقبلات قانونياً هي نوع من التحرش، حتى ولو لم تشتكِ المرأة، ولكن ليس كل قلب وقبلة مجرّمة، لكن ما تكون دون سابق علاقة مشروعة، فمن يرسل قلباً أو قبلة لزميلة له في العمل، فهذا وفق القانون والأعراف ممنوع، وللمدعي العام الحق مثل المدعي الخاص في رفع القضية، خاصة إذا كانت على مواقع التواصل الاجتماعي العلنية".
يشدد البابطين على أن الأمر لا يُعتبر مبالغاً فيه، وسيكون فيه حفظ أكبر للمجتمع، ويضيف :"القبلات والقلوب تأتي في درجة أقل من التحرش الفعلي، وعقوبتها أخف، ولكنها مجرّمة، فالقانون هو بداية جيدة، ولكنه في نهاية المطاف، هو جهد بشري يعتريه النقص والقصور، والأهم منه هو الحاجة لقانون العقوبات كاملاً".
قواعد مفصلة
تُعلن الجهات العدلية السعودية اليوم الأحد، القواعد التفصيلية لقانون التحرش الجديد الذي يدخل اليوم حيز التنفيذ رسمياً، وكان مجلس الوزراء أقر الأسبوع الماضي القانون الذي وضعه مجلس الشورى قبل نحو شهر. حتى الآن يعتبر القانون مبهماً، إذ حدد نوعية التحرش والعقوبات، ولكن لم يحدد طريقه التفريق بين أنواع التحرش المختلفة، هذا ما يؤكده المستشار القانوني عبدالله الرجيب الذي يشدد على أنهم يترقبون صدور اللوائح التنفيذية له، ويقول لرصيف22:"نحن نترقب اللوائح التنفيذية للقانون، والتي لم تصدر بعد، فالقانون بهذا الشكل مبهم، وغير واضح لنا كقانونيين"، ويضيف :"بهذا الشكل، القانون يظلم الرجل كثيراً، فهو لم يتطرق لأي نقطة من النقاط المنشورة، ما هي عقوبة المرأة التي تخرج بشكل مثير، وتغري الرجال، نأمل أن تحتوي القواعد التطبيقية على ما يسد هذه الثغرة". ويشدد الرجيب على أن المواد الثماني التي ظهرت عامة، وغير مفصلة، ويتساءل:"كيف يدخل القانون حيز التنفيذ دون أن تكون لوائحه التنفيذية والتفصيلية واضحة للجميع؟".صور القلوب والقبلات هي اليوم نوع من التحرش، حتى ولو لم تشتكِ المرأة
القانون هو بداية جيدة، ولكنه في نهاية المطاف، جهد بشري يعتريه النقص والقصور
التغييرات التي طرأت على السعودية الحديثة قادت لتسريع خروج القانون للنور، قبل أسبوعين من تطبيق قانون قيادة النساء للسياراتتُصنف أنظمة القانون الذي بدأ الحديث عنه في أورقة مجلس الشورى قبل نحو 12 عاماً، أي قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه بأي وسيلة كانت بما في ذلك وسائل التقنية، تحرشاً موجباً للعقوبة، وهو يهدف بحسب المادة الثانية منه إلى مكافحة جريمة التحرش، والحيلولة دون وقوعها، وتطبيق العقوبة على مرتكبيها، وحماية المجني عليه. ولا يُشترط لتطبيقه أن يتقدم المجني عليه بالشكوى، فبحسب المادة الثالثة منه، يحق للمدعى العام رفع شكوى على المتحرش دون شكوى، وجاء في نصها :"لا يحول تنازل المجني عليه أو عدم تقديم شكوى دون حق الجهات المختصة اتخاذ ما تراه محققاً للمصلحة العامة".
عقوبات مشددة
تفرض نصوص القانون عقوبات مشددة على المتحرشين، ولكن بحسب القانونين، لم يفرق القانون بين التحرش بالفعل، أو التحرش بصورة تعبيرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو اللبس الذي يتوقع أن ينهيه صدور القواعد التنظيمية للقانون. يعتقد المستشار القانوني أحمد الراشد أن القانون مبالغ فيه جداً، ويقول لرصيف22:"أن تصل العقوبة للسجن لخمس سنوات، فيعني أنها عقوبة لجريمة كبيرة"، ويضيف :"وضع القانون الحق على الرجل في كل الحالات، وللأسف العقوبات شديدة، وقد تكون فرصة لإلقاء التهم جزافاً، يفترض أن يكون القانون أكثر تحديداً". ويتخوف الراشد من أن يكون القانون باباً كبيراً للابتلاء، ويضيف :"هذا سيفتح باب الفوضى والاتهامات الجزافية، إذ يمكن لأي أمرأه أن تتهم رجلاً ما بالتحرش بها، وسيتم جره للتحقيق، وحتى تكييف الواقعة سيكون صعباً، هناك نساء يخرجن بكامل زنتهن، ويغرين الرجال، وبكلمة واحدة قد تُجر الرجل للسجن، وقد تدبر حتى شهود الزور". السجن والغرامة ينتظران أصحاب القلوب والقبلات على مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، يعاقب القانون الجديد بالسجن لعامين، وبغرامة مالية تصل لمئة ألف ريال، كل من ارتكب جريمة تحرش، وتتضاعف العقوبة لخمس سنوات، وتصل الغرامة لثلاثمائة ألف ريال، في حال تكرار الجريمة أو في حال اقتران الجريمة بأن كان المتحرش به طفلاً أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو كان المتحرش له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المتحرش به، أو وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة أو إيواء أو رعاية، أو كان المتحرش والمتحرش به من جنس واحد، أو كان المتحرش به نائماً، أو فاقداً للوعي، أو في حكم ذلك، أو وقعت الجريمة في أي من حالات الأزمات أو الكوارث أو الحوادث. كما يعاقب القانون الصارم كل من حرض غيره، أو اتفق معه، أو ساعده بأي صورة كانت، على ارتكاب جريمة تحرش بالعقوبة المقررة للجريمة، كما يعاقب كل من شرع في جريمة تحرش بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها. ويُعاقب كل من قدم بلاغاً كيدياً عن جريمة تحرش، أو ادعى كيداً بتعرضه لها، بالعقوبة المقررة للجريمة. غير أن المشكلة تكمن في صعوبة أثبات التحرش اللفظي في الأسواق، هنا ستكون كلمة المرأة أمام كلمة الرجل، يقول الراشد :"من الصعب الإثبات، خاصة عندما تكون الحالة غير مسجلة، لا توجد معايير لإثبات ذلك، حتى الشهود سيكون من الصعب إيجادهم"، ويضيف :"اللفظ خطير، أعتقد أن من يتحرش بالأجهزة الإلكترونية أخطر من الذي يتحرش في الواقع، لآن جريمته ستكون ثابتة ومع سبق الإصرار، ولكن الألفاظ التي تخرج من الرجل في الشارع فهي تأتي عفوية، ومن الصعب إثباتها، إلا باعتراف المتحرش".قبل قيادة المرأة
منذ عام 2006، كان قانون التحرش يدور في أدراج مكاتب أعضاء مجلس الشورى، ووقفت جهات دينية ضد إصداره، بحجة أن وجوده سيكون سبباً لتشريع الاختلاط، غير أن التغييرات التي طرأت على السعودية الحديثة قادت لخروج القانون للنور. وجاء تطبيق القانون، قبل أسبوعين من بدء قيادة النساء للسيارة في السعودية، وهو أمران يربط بينهما القانونيون، قبل نحو أسبوع، حصلت هالة علي رضا على رخصة قيادة السيارة لتكون بذلك أول سيدة تنال رخصتها، تلتها بضع مئات من السعوديات، في أول خطوة عملية نحو تطبيق القرار الصادر بالسماح لهن بالقيادة، في 24 يونيو المقبل، ومع صدور قانون التحرش، سقط جزء كبير من مخاوف المعارضين لقيادة المرأة. هناك من يطالب بالمزيد على موقع التدوين المصغر تويتر، ثمة وسم #بدء_نظام_مكافحة_التحرش لأكثر من يومين، وفيه طالبت نساء بأكثر من عقوبات التحرش، ومنهن الدكتور نجاة السعيد التي تساءلت :"هل تعتبر السخرية من قيادة النساء للسيارة (أو ما يسمونه السعوديون الطقطقة) نوع من أنواع التحرش؟ في نظري يعتبر تحرش". وحذرت الناشطة مريم العتيبي من اختبار صلابة القانون، وكتبت :"أبداً لا تحاول تجرب مدى مصداقية هذا النظام من خلال التقليل به او تهميشه، انتبه تكون أنت أول شخص يطبق هذا النظام بحقه وبعدها يعرف الجميع بما فيهم أنت مدى جدية هذا القانون".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...