تشهد جزر القمر، تلك البقعة المنسيه من العالم العربي، في الأسابيع الأخيرة، سلسلة احتجاجات وتظاهرات يشير البعض إلى أنها "انتفاضة شعبية واسعة" ضد النظام الحالي برئاسة غزالي عثمان.
جزر القمر هي أرخبيل مكون من ثلاث جزر، هي القمر الكبرى أو موروني، حيث العاصمة، وأنجوان وموهيلي، إضافة إلى مجموعة جزر صغيرة الحجم. وهناك جزيرة رابعة كبيرة هي مايوت لكنها لا تزال تابعة لفرنسا، نظراً لأنها الجزيرة الوحيدة في الأرخبيل التي صوّتت ضد الاستقلال عام 1975.
واستقلت جزر القمر عن فرنسا عام 1975، وانضمت إلى جامعة الدول العربية عام 1993. وتبلغ مساحة جزرها 2260 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها مليون نسمة.
والشعب القمري شعب مسلم بكامله، والمذهب السائد هناك هو المذهب الشافعي، ويتحدث القمريين اللغتين العربية والفرنسية، وتأتي اللغة السواحلية في المرتبة الثالثة.
قلق من تغيير نظام الحكم
يقوم نظام الحكم في جزر القمر على فكرة تناوب الجزر الثلاث الكبيرة على رئاسة البلاد، ومدة كل ولاية رئاسية خمس سنوات. حالياً، ينتمي رئيس جزر القمر غزالي عثمان إلى جزيرة القمر الكبرى. ويمنع الدستور ترشح الرئيس لولايتين متتاليتين، وهو سبب انتفاضة الشعب القمري ضد رئيسه في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بعد أن طرح تعديلاً على الدستور يجيز للرئيس حكم البلاد لولايتين متعاقبتين. وفي استفتاء شعبي جرى عام 1996، أُقرّ نظام جديد يقضي بأن يكون لكل جزيرة من الأرخبيل رئيس ومجلس. ومجلس الجزيرة هو المسؤول عن تسيير شؤون الجزيرة الخاصة من ميزانية وضرائب وصحة وثقافة وتعليم وبيئة. أما رئيس الجزيرة فهو شخصية يعيّنها رئيس الجمهورية ويختارها من بين ثلاثة مرشحين يقترحهم مجلس الجزيرة. وتتشكل المعارضة في موريتانيا على شكل جبهات، ومن رحم هذه الجبهات خرجت الحركات الانقلابية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ضد الأنظمة الحاكمة. ومن هذه الجبهات الجبهة الوطنية للإنقاذ العام، الاتحاد الكوموري للتقدم، والجبهة الوطنية المتحدة. عاشت هذه الدولة المجهولة لدى ملايين العرب عدة انقلابات عسكرية، منذ استقلالها عن فرنسا وحتى عام 2001، حينما صدر قانون يفرض إجراء انتخابات رئاسية مرة كل خمس سنوات، لتقام أول انتخابات ديمقراطية عام 2006. وكان أحمد عبد الله سامبي أول رئيس يأتي عن طريق انتخابات شعبية. وعام 2016، انتُخب الرئيس الحالي غزالي عثمان. وفي الشهور الأخيرة بدأ باتخاذ بعض إجراءات وصفتها أطراف معارضة بأنها ديكتاتورية، خاصة قراره بتعليق عمل المحكمة الدستورية، وفرض إجراء استفتاء في شهر يوليو المقبل على تعديل دستوري يمنح للرئيس حق الترشح لولاية رئاسية ثانية. كذلك، فرض عثمان الإقامة الجبرية على الرئيس سامبي بعد اتهامه بتحريض الشعب على التظاهر، ومنع المسيرات الشعبية ضده في مدينة موبيني، مسقط رأس منافسه في الانتخابات الأخيرة محمد علي صويلح، كما طاردت سلطات البلاد بعض المعارضين ومنعتهم من السفر خارج البلاد، وألقت القبض على أحمد البروان، الأمين العام لحزب الرئيس السابق إكليلو ضامن. وهناك أمور أخرى تثير الغضب الشعبي ضد الحكومة منها فشل السياسات التنموية وتقييد الحريات."القضية ليست سامبي"
يقول الرئيس الأسبق أحمد عبد الله سامبي لرصيف22 إن خوف النظام الحالي من كل القيادات السياسية هو ما دفعه لفرض الإقامة الجبرية على بعض السياسيين. وبرأيه، "القضية ليست قضية سامبي أو غيره. حينما فرض الدستور الحق لكل رئيس في ولاية واحدة كان غزالي هو الرئيس (بين عامي 1999 و2006)، وتسلمت المهمة منه بشكل ديمقراطي أبهر العالم وجعل جزر القمر تدخل دائرة الاهتمام الدولي وتزيّن أخبارها صحف العالم، لكن أحياناً يكون من الصعب التخلص من مرض التسلّط، لذلك راود غزالي من جديد حلم مدّ فترة رئاسته، وإعطاء نفسه صلاحيات لم يقرها دستور البلاد". وعن الاحتجاجات في بلاده ومَن يقف وراءها، يقول سامبي: "هل يمكن لفرد أو عشرة أفراد أن يرسموا مستقبل شعب، وأن يحرّكوا انتفاضات جماهيرية لمدة ثلاثة أسابيع، وصلت إلى 25 مسيرة حتى الآن؟ وهل كلما انتفض الشعب في أية بقعة في العالم ضد رئيسه، تحاول الأنظمة اختلاق فاعل ومحرض على هذه المسيرات الديمقراطية التي يكفلها الدستور؟". ويضيف: "أعتقد أن الشعب يقول كلمته ولو كان يثق في نزاهة الاستفتاء لما طالب بإلغائه، لكن الخوف هو من تزوير الاستفتاء بما يخدم مصالح النظام القائم حالياً". ويؤكد الرئيس الأسبق: "نحن دولة عربية، نؤمن بالديمقراطية وحرية التعبير، انتزعنا استقلالنا من فرنسا في وقت تخلى عنا العالم، أنا حكمت البلاد لمدة خمس سنوات في الفترة من 2006 وحتى 2011، ولم يزرنا في هذه الفترة ولا قبلها ولا بعدها أي رئيس عربي، فلا ننتظر دعماً من العرب في قضيتنا، تعوّدنا أن ننتزع حقوقنا بإرادتنا، ورفضت من قبل أموالاً طائلة من إسرائيل للسماح بتكوين علاقات دبلوماسية معها، رغم الفقر الذي نعيشه، لأننا متمسكون بقوميتنا العربية وتعاليم ديننا"."تعديلات لأهداف شخصية"
ترتبط جزر القمر بعلاقات قوية مع السعودية، وتدور بفلكها في السياسات العربية. فقد أغلقت سفارتي قطر وإيران بعد الأزمة الخليجية، وانضمت إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.احتجاجات واسعة في جزر القمر... "ترتيب القرارات التي اتخذها الرئيس يفضح مخططاً لمد فترة رئاسته للبلاد، والشعب القمري لن يقبل بتمرير قوانين تصنع ديكتاتوراً"
هل تقبل جزر القمر على ربيع عربي؟... "أحياناً يكون من الصعب التخلص من مرض التسلّط، لذلك راود الرئيس حلم مدّ فترة رئاسته، وإعطاء نفسه صلاحيات لم يقرها دستور البلاد"ولفرنسا تأثير قوي جداً في سياسات جزر القمر. وحين واجهت الحكومة القمرية إجراءات فرنسية بطرد مواطنين قمرييين مقيمين في جزيرة مايوت، هددتها باريس بمنع التحويلات المالية لمواطنيها المقيمين في فرنسا إلى بلدهم، كما أوقفت منح تأشيرات السفر لأبناء الجزر. وعن فكرة الاعتراض على الدستور، في ظل واقع أنه هو نفسه أقرّ تعديلاً على الدستور خلال ولايته عام 2007، يقول سامبي الذي ينتمي إلى جزيرة أنجوان: "التعديلات التي أجريتها على الدستور لم تكن لتحقيق مصالح وأهداف شخصية". ويشرح: "حينما توليت الحكم كانت جزر القمر تعيش على وقع انتخابات سنوية، مرة انتخابات رئاسية والسنة اللاحقة انتخابات برلمانية، وثلاث انتخابات أخرى داخل الجزر الثلاث على مدار ثلاث سنوات أخرى، هذا كان يجعل الدولة تعيش على وقع انتخابات دائمة، ما كان يكلف الخزينة أموالاً طائلة، ففكرت في توحيد الانتخابات". ويتابع: "أما التعديل المقترح هذه المرة، فهو يتعلق بأهداف الانفراد بالسلطة، والأكثر بؤساً أنه يخلق مزيداً من التعصب بين الجزر الثلاث التي رحّبت في مطلع الألفية بفكرة تداول الرئاسة بينها بشكل عادل. فكيف لجزيرة أن تنفرد بالحكم في ولايتين؟ أعتقد أن ذلك يخلق مزيداً من الانقسام داخل الجزر".
"تخوّف كبير"
يعلّق وزير الخارجية السابق في جزر القمر فهمي سعيد إبراهيم على الأحداث في بلاده بقوله لرصيف22: "لدينا تخوّف كبير من تصاعد الأحداث. التظاهر حق كفله الدستور للمواطنين والنظام الحالي يقوده رجل مؤسسة عسكرية ويدرك ذلك جيداً، لكن عدم وعي الناس بحدود التظاهر قد يجرفنا إلى منحدر خطر، والدولة لن تسمح للمتظاهرين بتجاوز حدودهم في التظاهر لدرجة تخريب منشآتها". لا يرى إبراهيم في فكرة طرح تعديل دستوري على الاستفتاء أمراً غير مقبول، ويقول: "في النهاية قرار الاستفتاء على الدستور سيصوّت عليه هؤلاء المتظاهرون. فليؤجلوا كلمتهم للصندوق وعلى الدولة والرئيس غزالي وقتها احترامها". ويضيف: "نحن شعب ديمقراطي وجزر القمر دولة تحترم القانون، والدولة رحبت بتظاهرات خفيفة من قبل، من أهمها تلك الرافضة لمقاطعة قطر. حينذاك، الدولة اتخذت القرار الذي رأته مناسباً والشعب عبّر عن رأيه. المهم الآن ألا تخرج التظاهرات وردود فعل السلطة عن الإطار الديمقراطي"."هناك مَن يقف خلف الأحداث"
ولكن وزير خارجية جزر القمر الحالي محمد داود يعتبر أنه "بالتأكيد" هناك مَن يقف خلف ما يصف بـ"الانتهاكات الشعبية لشرعية الرئيس ومؤسسات الدولة". برأيه، "لو كان غزالي راغباً في ولاية ثانية لما دخل في صدام مع بعض الحلفاء في دول الخليج بسبب تجميد قانون بيع الجنسية مقابل المال، وهو قانون استفاد منه في السنوات العشرين الأخيرة ما يقرب من 55 ألف شخص، وذلك ليحظى بدعم هذه الدول وليصوّت المجنّسون لصالحه". ويصف سلسلة القرارات الجديدة بقوله: "هناك إصلاحات بالجملة تتم في القطاع الاقتصادي، وتعديل الدستور واحد من التعديلات السياسية التي تهدف إلى ترسيخ قواعد صلبة في بلد يقبع في الفقر والتهميش، وفي الاستفتاء يمكن قبوله أو رفضه، وحتى لو تم قبوله، يمكن لأي شخص قمري أن يترشح لمنصب الرئاسة أمام غزالي ويكون القرار للصندوق والشعب". ويشير داود إلى أن الرئيس السابق إكليلو ضامن (2011-2016)، والرئيس الأسبق سامبي (2006-2011) واجها "اتهامات شعبية بتكوين مافيا لبيع الجنسيات"، مضيفاً أن "نفس الأمر حدث في بداية ولاية عثمان غزالي، رغم أن هذه الأموال التي تحصلت عليها الدولة بشكل قانوني ذهبت في مشروعات استثمارية لتحقيق طفرة اقتصادية. لكن الشعب يريد النهوض ولا يريد دفع ثمن ذلك". ويكشف المتحدث باسم جبهة المعارضة في البلاد، محمد عبده سويمادو، ما يسمّيه بـ"الثغرة التي يلعب عليها النظام الحالي لتمرير الاستفتاء على الدستور" ويقول: "كيف يجري الرئيس غزالي استفتاءً على الدستور وهو من الأساس علّق العمل بقرارات المحكمة الدستورية؟". ويضيف: "أعتقد أن ترتيب القرارات التي اتخذها يفضح مخططاً لمد فترة رئاسته للبلاد، وهذا لن يلقى قبولاً لدى الشعب القمري الذي يرغب في إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة ويرفض تمرير قوانين تصنع ديكتاتوراً وتعيد البلاد إلى فترة ما قبل قانون 2001 الذي أقر الانتخابات الرئاسية بوضعها الحالي". وتحفّظ سفير جزر القمر في القاهرة عطاء أفندي على وصف احتجاجات القمريين بـ"الثورة الشعبية"، وقال بتحفّظ: "هناك مَن يحاول أن يسميها ثورة، هي احتجاجات طبيعية، لكن هناك مخططات لتذكيتها مثلما حصل في الدول العربية بداية من الثورة التونسية، والغرض من ذلك بالتأكيد تقسيم وحدة الدولة وتفتيتيها، لكن الدولة تعرف الفرق بين التظاهر السلمي الديمقراطي وإثارة الشغب، وستكون بالمرصاد لمّن يحاول أن يلعب بمقدرات الدولة التي حفظها الله من الشيطان".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 9 ساعاترائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يوممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين