شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا

لماذا "يعادي" الغرب السامية، ولكن "يتخوف" من الإسلام والمسلمين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 31 مايو 201801:35 م

تستخدم اللغة الإنكليزية - ومعها معظم اللغات الأوربية - للتعبير عن معاداة المسلمين واليهود لواحق مختلفة، حيث تستخدم كلمة "معاداة السامية" (Anti-semitism)، التي تبدأ بلاحقة "Anti" التي تعني "معادي" أو "مضاد"، كما تستخدم كلمة "السامية" بدلاً من "اليهودية"، رغم أن الشعوب السامية تعني في التعاريف الحديثة جميع الشعوب التي تتحدث أو تحدثت باللغات السامية، ومن بينها العربية. من جهة أخرى، فإن معاداة الإسلام أو المسلمين يُعبر عنها بمصطلح "إسلاموفوبيا" (Islamophobia)، والتي إضافة لكونها تذكر الإسلام ككل، دون تحديد الجانب المتطرف أو العنيف منه، فإنه يستخدم لاحقة "Phobia"، التي تعني الرهاب أو الرهاب المرضي، كما في رهاب المرتفعات (Acrophobia) أو رهاب الأماكن المغلقة (Claustrophobia)، ما يوحي بوجود سببٍ منطقي للخوف من المسلمين أو الإسلام، كما هي الحالة بالنسبة للمرتفعات أو أياً كان موضوع الرهاب المرضي. ما هو مصدر هذا التحيز؟ وكيف نشأ وانتشر كل من المصطلحين؟ وهل يؤثر اليوم هذا التمايز - أو التناقض حتى - في طريقة التعبير عن معاداة كل من الطرفين على نظرة الغربيين للمسلمين واليهود؟

"التحيز المعادي للسامية"

استخدمت كلمة "معاداة السامية" لأول مرة - موثقة على الأقل - في اللغة الألمانية، حسب ما يخبرنا كتاب (The Jewish Question: Biography of a World Problem)، وكان ذلك في مقال نشر سنة 1860 للمستشرق النمساوي (اليهودي) موريتز شتاينشنايدر (1816 - 1903) ضمن ردٍ على مقال لهيمان شتاينتال (1823 - 1899) الذي يؤيد أفكار المفكر الفرنسي إرنست رينان (1823 - 1892) القائلة بأن الأعراق السامية هي أعراق غير مكتملة، وأدنى مرتبة من الأعراق الآرية.

تصاعد استخدام "معاداة السامية" كتهمة، وليس كتعبير عن فلسفات معينة، بعد الاضطهاد النازي والفاشي لليهود في أوروبا

يقول شتاينشنايدر في مقاله أنه من الضروري "إظهار العواقب - أو، بدقة أكثر، النتائج - المترتبة على انحيازه (رينان) المعادي للسامية"، ولكن هذا الاستخدام لعبارة "المعادي للسامية" جاء عرضياً، دون أن تكون الغاية منه إنشاء مصطلحٍ جديد، ولم يكن سوى استجابة لاستبدال "اليهودية" في مؤلفات فولتير مثلاً، بمصطلح "السامية" بوصفها عرقاً في القرن التاسع عشر، لا ديناً كما يوحي التهجم على اليهودية. الاستخدام الرسمي الأول للمصطلح بدأ في سنة 1879 عند إنشاء "اتحاد المعادين للساميين" (Antisemiten-Liga) على يد فيلهيلم مار (1819 - 1904)، ويستخدم منذ ذلك الحين للتعبير عن معاداة اليهود في الغرب، وتصاعد استخدامه كتهمة، وليس كتعبير عن فلسفات معينة، بعد الهولوكوست والاضطهاد النازي والفاشي لليهود في أوربا قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية. من آخر وأشهر الحالات التي استخدمت فيها هذه العبارة، الهجوم الذي تعرض له مغني الراب جاي زي (Jay-Z) بسبب عبارة في أغنيته الجديد "ستوري أوف أوه جيه" (Story of OJ) التي يقول فيها "أتريد أن تعرف كيف يملك الشعب اليهودي كل الملكية في أميركا؟"، وقبله توجيه رابطة مكافحة التشهير اتهاماً لميل غيبسون بمعاداة السامية بسبب فيلم "آلام المسيح" وكيفية ظهور قيافا رئيس الكهنة اليهود فيه، وتستخدمها إسرائيل اليوم في مواجهة أي منشوراتٍ تنتقدها.
استخدمت كلمة "معاداة السامية" لأول مرة عام١٨٦٠ في مقال رد على اعتبار الأعراق السامية "غير مكتملة" وأدنى مرتبة من الأعراق الآرية
ساهم المسلمون أنفسهم في الترويج لكلمة "إسلاموفوبيا"، واعتبروا العنصرية ضدهم "فوبيا"، متبعين قاموس الإعلام الغربي

الهذيان الإسلاموفوبي

يعرف قاموس ميريام ويبستر الإسلاموفوبيا بأنها "الخوف غير العقلاني، أو النفور، أو التمييز ضد الإسلام أو الناس الذين يمارسونه"، وبحسب الكتاب المنشور للباحث البريطاني كريس آلين سنة 2010، والذي يحمل عنوان "إسلاموفوبيا"، فإن الاستخدام الأول للمصطلح جاء على يد المستشرق الفرنسي إيتيين دينيه والجزائري سلمان بن ابراهيم في كتابهما المشترك المخصص للتوثيق لحياة الرسول محمد سنة 1925 (أو 1916 في مراجع أخرى)، والذي جاءت فيه عبارة "accès de délire islamophobe"، أو "الوصول إلى الهذيان الإسلاموفوبي"، ولكن حسب آلين فإن اللفظة استخدمت حينها بشكل مغاير لليوم، وكان تعني نفور الداخلين مجدداً في الإسلام من تعاليمه وفروضه.

استخدامات أخرى أكثر حداثة تبدو أقرب للاستخدام الحالي، الأكثر ذكراً منها هو استخدام مجلة "Insight" الأمريكية للكلمة بمعنى مقارب للمعنى الحالي سنة 1991، كما تقترح كارولين فوريست وفياميتا فينير في كتابهما عن الإسلاموفوبيا المنشور سنة 2003 أن الكلمة استخدمت أثناء الثورة الإسلامية في إيران للتعبير عن النساء الإيرانيات الرافضات لارتداء الحجاب، وبشكل أقل عن النشطاء النسويين والليبراليين المسلمين. ولكن الاستخدام الأكثر أثراً جاء قبيل أحداث 11 سبتمبر 2001، التي أطلقت موجة القلق من التطرف الإسلامي في الغرب، وذلك في تقرير بريطاني صادر عن جمعية (ملتقى) "رانيميد تراست" (Runnymede Trust) يحمل عنوان "الإسلاموفوبيا: تحدٍ لنا جميعاً: تقرير لجنة رانيميد تراست عن المسلمين البريطانيين والإسلاموفوبيا"، في سنة 1997، واختيرت كلمة "إسلاموفوبيا" حينها، بدلاً من "معاداة الإسلام" مثلاً، لأن التقرير كان يعالج التخوف المتزايد لدى البريطانيين من الوافدين المسلمين، ونظريات المؤامرة التي كانت تقترح أن المسلمين يخططون للسيطرة على بريطانيا وتحويلها إلى دولة مسلمة. يقول كريس آلين أن كلمات "إسلاموفوبيا" و"إسلاموفوب" (مصاب بالإسلاموفوبيا) تستخدم منذ ذلك الحين "للاتهام والاتهام المضاد بين المتطرفين من القطبين، من أولئك الذين يشجبون ويستنكرون أي انتقادٍ للمسلمين والإسلام بوصفهم إسلاموفوبيك، إلى الذين يظهرون بانفتاح ونشاط كراهية لاذعة"، وقد ساهم المسلمون أنفسهم في الترويج للكلمة، حيث أطلقت مثلاً اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان (مقرها لندن) في سنة 2003 "جوائز الإسلاموفوبيا السنوية"، وقد توقفت هذه الجائزة سنة 2006، لتعود من جديد سنة 2014.

تهمة "حرق علم إسرائيل"

لا يوجد قانون يجرم أي من معاداة السامية أو الإسلاموفوبيا بشكل مباشر، وأغلب الحالات التي يعتقل فيها أشخاص بتهمة "معاداة السامية"، تكون تحت مسميات مثل العنصرية أو التمييز أو التحريض على الكراهية العرقية أو الدينية. اعتقل مثلاً شخصان من اليمين الإيطالي المتطرف في روما عام 2014 إثر كتابة عبارات "معادية للسامية" قرب مجلس القضاء، ومؤخراً اعتقل 12 شاباً في ألمانيا في 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أثناء المظاهرات المناهضة لاعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وكانت التهم الموجهة إليهم "إحراق علم إسرائيل"، وقال وزير العدل الألماني هايكو ماس حينها أن "لا مكان لمعاداة السامية في ألمانيا". وفي النمسا صدر سنة 1947 يجرم من يمارس أي أنشطة تروج للفكر النازي أو ينكر المجازر التي مارسها النازيون، بغض النظر عمن هم ضحايا المجازر، ويوقع عليه عقوبةً قد تصل إلى عشر سنواتٍ من السجن. ولكن الفرق يكمن في كيفية التعاطي مع كل من معاداة السامية والإسلاموفوبيا، فغالباً ما يتم تطبيق هذه القوانين بتشددٍ أكبر حين يتعلق الأمر بمعاداة السامية، في فرنسا مثلاً تم الحكم بدفع غرامة بلغت 30 ألف يورو على السياسي الشهير جان-ماري لوبان في عام 2016 ، بسبب وصفه لغرف الإعدام بالغاز بأنها مجرد "تفصيل من تاريخ الحرب (العالمية الثانية)".  في المقابل فإن تصريحات ابنته مارين لوبان ضد المسلمين، أثناء حملتها الانتخابية في العام الماضي، مرت بسلام، دون عواقب تتجاوز الردود الإعلامية على تصريحاتها، والتي احتوت عداءً وتحريضاً على المسلمين من قبيل "هم (المسلمون) يريدون أن يفرضوا علينا التمييز الجنسي في الأماكن العامة، وغطاء الجسم الكامل، وغرف الصلاة في أماكن العمل، والصلوات في الطرقات، والجوامع الكبرى". لا بد أن التاريخ المشترك بين أوربا والعالم الإسلامي، مقارنة بنظيره مع اليهودية، يلعب دوراً في رسم العلاقة بين الشعبين، والمصطلحات المعبرة عنه، ولكن المسلمين أنفسهم قاموا بدور في تباين التعبير عن العداء، عبر اعتبار العنصرية ضدهم "فوبيا"، متبعين قاموس الإعلام الغربي، عكس ما يفعلون في مواضيع مغايرة، مثل رفضهم في كثير من المواقع تسمية "إسرائيل" باسمها رفضاً للاعتراف بها كدولة، ومن أجل تغير التعبير ومعه الموقف من معاداة المسلمين وتبريراتها، لا بد أن يبدأ هذا التغيير من المسلمين أنفسهم، وخصوصاً المقيمين في الدول الغربية، الأكثر احتكاكاً بالرأي العام الغربي وتأثيراً بمفرداته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image