شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
مسلسل

مسلسل "أبو عمر المصري"... قصة المشاهد التي تسببت بأزمة بين مصر والسودان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 21 مايو 201804:50 م
اعترضت وزارة الخارجية السودانية على بعض مشاهد مسلسل "أبو عمر المصري" وقالت إنها تعكس إصرار البعض على تكريس صورة نمطية تلصق تهمة الإرهاب ببعض المواطنين المصريين المقيمين في السودان أو الذين يزورونه. لكن الأمر ليس كذلك من وجهة نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، إذ يقول إنه شكّل لجنة لمشاهدة الحلقات التي عُرضت من العمل ولم يجد فيها إساءة للسودان من أي نوع. أما صناع العمل فيطالبون الجميع بالتعامل مع "أبو عمر المصري" باعتباره عملاً فنياً خيالياً ليس أكثر، مؤكدين أن أماكن وأحداث وشخصيات المسلسل غير حقيقية. هل هناك مشاهد فعلاً في المسلسل تسيء إلى السودان؟ وهل فعلاً أحداثه لا تمت إلى الواقع بصلة كما يقول صناعه؟

ما هي حكاية "أبو عمر المصري"؟

لم تكن مهمة تحويل روايتي "مقتل فخر الدين" و"أبو عمر المصري"، اللتين كتبهما عز الدين شكري فشير وأصدرتهما دار الشروق المصرية، إلى سيناريو تلفزيوني مهمة سهلة، فالرواية تهاجم وزارة الداخلية المصرية بشكل واضح وتعتبرها السبب الرئيسي في صناعة الإرهاب والإرهابيين. يحكي المسلسل الذي يُعرض منذ مطلع رمضان على فضائية ON E، وON دراما، وفضائية ياهلا OSN الأولى، وMBC1، وفضائية رؤيا، عن كيف يتسبب الظلم الذي يمارسه الأمن المصري في صناعة التطرف. البطل هنا هو "فخر الدين"، شاب مصري حالم يعمل في مجال المحاماة، ويقرر مع مجموعة من زملائه إنشاء كيان هدفه مساعدة المواطنين الفقراء المظلومين على الحصول على حقوقهم القانونية. ولكن الأمن يقرّر التدخل وإيقاف أنشطة هذا الكيان، ليسافر فخر الدين إلى باريس وينضم إلى مجتمع العرب والمسلمين هناك ويتزوج وينجب "عمر". وتستمر الأحداث التي تحوّله إلى قيادى مهم في واحدة من الجماعات الإسلامية المسلحة. INSIDE_EgyptianSeries1 المسلسل الذي أنتجه طارق الجنايني ليس نسخة طبق الأصل عن الروايتين اللتين اعتمدت عليهما أحداثه، وحققتا مبيعات كبيرة في المكتبات المصرية، فقد تم تكليف الكاتبة مريم ناعوم بمهمة كتابة سيناريو بشكل يناسب الشكل التلفزيوني من ناحية، ويقلل من حدة الهجوم على الأمن المصري ومن تحميله مسؤولية تحويل المواطنين إلى إرهابيين، وهي وجهة النظر الأساسية في الروايتين الأصليتين. نفّذت ناعوم، بالتعاون مع كاتب آخر هو محمد المصري، المهمة، وهو الأمر الذي سهّل الحصول على موافقة من الرقابة المصرية، وهي الجهة الحكومية التي لا يمكن تصوير عمل فني داخل مصر من دون الحصول على موافقة رسمية منها.

المشاهد الإشكالية

تظهر الحلقات الأولى من المسلسل بعض المصريين، أثناء وجودهم في بلد، لم يتم ذكر اسمه، وهم يخططون للقيام بعمليات إرهابية، داخل مصر. اعتبرت الخرطوم أن البلد المقصود هو السودان، وبناء عليه استدعت الخارجية السودانية سفير مصر بالخرطوم، لتبلغه احتجاجها على تلك المشاهد، معتبرة أنها تعكس "إصرار البعض على اختلاق وتكريس صورة نمطية سالبة تلصق تهمة الإرهاب ببعض المواطنين المصريين المقيمين أو الزائرين للسودان". وأضافت الخارجية في بيان أنه "لم يثبت تورط أي مواطن مصري مقيم بالسودان في أية حوادث إرهابية"، وأن هناك تنسيقاً أمنياً كبيراً بين الأجهزة العسكرية والأمنية والشرطية في البلدين. وأوضح المتحدث باسم الخارجية السودانية، قريب الله خضر، أن القائمين على المسلسل سعوا إلى إيهام المتابعين بأن بعض أجزاء السودان كانت مسرحاً لبعض أحداث المسلسل، واستخدمت لهذا الغرض العديد من الوسائل كلوحات السيارات السودانية التي تُعَدّ رمزاً سيادياً. غضب السودان دفع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، وهو كيان مصري حكومي، للتدخل وأصدر بياناً اعتبر فيه أن المسلسل لا تظهر فيه إساءة من أي نوع للسودان. المجلس قال في البيان أنه كلف لجنة لمتابعة الحلقات التي عُرضت من المسلسل ولم يجد فيها أي ذكر للسودان، بالإضافة إلى أن الشركة المنتجة وضعت تنويهاً في بداية كل حلقة قالت فيه إن أماكن وأحداث وشخصيات المسلسل من وحي خيال صناع العمل وأي تشابه بينها وبين الواقع هو محض صدفة غير مقصودة. وقال رئيس المجلس مكرم محمد أحمد لرصيف22: "علمنا أن الخرطوم اعترضت على ظهور سيارات تحمل لوحات معدنية سودانية على بعض السيارات، في بعض مشاهد المسلسل، لكن اللجنة التي كلفناها بمشاهدة كل الحلقات التي عُرضت حتى الآن لم تجد أية مشاهد تحوي لوحات معدنية سودانية". ويرى أحمد أن الخارجية السودانية اعتمدت في بيانها الغاضب على شائعات روّجت لها مواقع صحافية هدفها الوحيد خلق أزمة بين البلدين، على حد تعبيره.
هل هناك مشاهد في مسلسل "أبو عمر المصري" تسيء فعلاً إلى السودان؟ وهل فعلاً أحداثه لا تمت إلى الواقع بصلة كما يقول صناعه؟
رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، عن الأزمة بين مصر والسودان بسبب مسلسل "أبو عمر المصري"، لرصيف22: الخارجية السودانية اعتمدت في بيانها الغاضب على شائعات روّجت لها مواقع صحافية هدفها الوحيد خلق أزمة بين البلدين
وأضاف: "لو كانت هناك أية مشاهد مسيئة للسودان كنا سنتخد إجراءات فورية ونطلب من القنوات حذفها فوراً. يهمنا أن تقدّم مصر أعمالاً فنية لا تسبب مشاكل لأي طرف أو جهة أو بلد". من جانبها، أصدرت شبكة قنوات "ON" بياناً رسمياً نفت فيه أن يكون المسلسل قد تعمد الإشارة إلى دولة السودان من قريب أو بعيد، وقالت إن "صناع المسلسل يدركون جيداً أهمية دور الفن في التقريب بين الشعوب وليس إثارة الأزمات بينهم، خاصة أنهم يعلمون خصوصية العلاقات المصرية السودانية".

عمل خيالي؟

يقول مخرج المسلسل أحمد خالد موسى لرصيف22 إن "أبو عمر المصري" مجرد عمل فني خيالي، ولا يصح أن يحمّله البعض أكثر مما يحتمل، مشيراً إلى أن التنويه الذي وُضع في بداية المسلسل يؤكد ذلك بشكل واضح. [caption id="attachment_149184" align="alignnone" width="700"]INSIDE_EgyptianSeries3 لقطات خلال التصوير[/caption] ويضيف موسى أنه كان من المفترض أن يتم تصوير العمل منذ عامين، ليتم عرضه في رمضان الماضي، لكن بسبب انشغال بطله أحمد عز بتصوير فيلم "الخلية" قرر فريق العمل تأجيل التصوير وبالتالي تأجيل عرض المسلسل حتى رمضان 2018. "هدفنا من المسلسل هو تقديم عمل فني هادف وممتع للمشاهد العربي، وليس الإساءة لأي بلد"، يقول موسى ويكمل أن "فخر الدين" ليس شخصية واقعية، وأن كل ما سيخوضه من أحداث وما يمر عليه من أماكن من وحي خيال صناع العمل. لكن هل فعلاً "أبو عمر المصري" عمل خيالي صرف؟ بالتأكيد لا، فأحداث روايتي عز الدين شكري فشير اللتين اعتمد عليهما المسلسل هما في الأصل معالجة أدبية لقصة حقيقية بطلها المحامي أسامة مصطفى حسن نصر، إمام مسجد ميلانو، الشهير بالإمام المختطَف، والمعروف باسم أبو عمر المصري. وفي حوار سابق مع رصيف22، قال أسامة مصطفى حسن نصر إن المسلسل إذا كان ترجمة للرواية دون تدخل في السيناريو، فإنه يحمل 90% من سيرته الشخصية. [caption id="attachment_149183" align="alignnone" width="700"]INSIDE_EgyptianSeries2 مشهد من المسلسل[/caption] وكانت دار الشروق قد وضعت صورة خاصة لأسامة مصطفى حسن نصر، على غلاف الطبعة الأولى من رواية "أبو عمر المصري"، وهي صورة كانت الاستخبارات الأمريكية قد التقطتها له قبل تنفيذ عملية خطفه في ميلانو عام 2003، وأجرت عليها تعديلات بهدف إخفاء ملامحه الحقيقية. ولكن صورة الغلاف تغيّرت في الطبعات اللاحقة بناء على رغبة نصر وكي لا يرفع قضية ضد العمل أمام المحاكم. تظهر القصة الحقيقة لنصر أنه لم يتلقَّ تدريباته في السودان، فبعد هروبه من مصر سافر إلى الأردن وقضى هناك بضعة أسابيع، قبل أن ينتقل إلى اليمن، وبعد ذلك توجه إلى معسكرات الجهاديين في أفغانستان، حيث تلقى تدريبات عدة على استخدام السلاح وصناعة المتفجرات. لكن هناك ذكراً واسعاً للسودان في رواية فشير "مقتل فخر الدين"، والتي اقتربت أكثر من جهادي آخر، عرفه "أبو عمر المصري" في معسكرات الجهاد الأفغاني، وكان قريباً منه خلال فترة وجوده في أوروبا. هذا الشخص هو مفتي تنظيم الجهاد المصري، محمد شرف، الذي كلف جهاز أمني نجله، بمهمة وضع حقيبة من المتفجرات داخل بناء يتواجد فيه عناصر من تنظيم القاعدة، في السودان، أثناء عقد اجتماع كان من المفترض أن يحضره زعيم التنظيم وقتها أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، وعدد من قيادات التنظيم الأخرى. "لم يتلقَّ أبو عمر المصري الحقيقي بنفسه تدريبات في السودان، ولا يمكننا القول إن البلد الذي قصده صناع العمل في مشاهد تخطيط بعض المصريين لعمليات إرهابية هو السودان، لكن رغم ذلك هناك حقيقة ثابتة وهي أن السودان كانت بالفعل محطة مهمة لدى أغلب الجهاديين"، يقول لرصيف22 الكاتب سامح فايز، مؤلف كتاب "جنة الإخوان". يكمل فايز أنه أثناء متابعته لعشرات التحقيقات والمذكرات التي تتناول قصص حياة الكثيرين من الجهاديين، خلص إلى أن هناك محطات دولية آمنة كان كل جهادي يتحرك خلالها أشهرها اليمن والسودان ولندن. وشهدت العلاقات بين مصر والسودان العديد من التوترات في السنوات الأخيرة. ففي العام الماضي اتهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير السلطات المصرية بدعم مسلحين يقاتلون القوات الحكومية السودانية في دارفور، لكن القاهرة نفت ذلك. كما يمثل ملف سد النهضة أزمة حقيقية بين مصر والسودان وإثيوبيا، وفي كل مرة تبدأ مفاوضات بشأن هذا الملف تنتهي إلى طريق مسدود.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image