سعت عدة شركات إنتاج في هوليوود خلال الفترة الأخيرة للاستفادة من النمو المتضاعف للإقبال على مشاهدة الأفلام في دور العرض الصينية، وتضاعفت أعداد رواد السينما، لدى وضع عدد من السياسات الخاصة بالإنتاج المباشر أو المشترك، أو حتى الترويج لنسخ مناسبة للعرض.
حاول البعض تفسير الهدف من حالة التقارب السينمائي تلك التي أقدمت عليها الشركات الأمريكية، بأنه ثقافي، على اعتبار أن الأفلام والأعمال الفنية تمثل القوة الناعمة في الغزو الثقافي لدى الدول الكبرى، إلا أن الهدف الرئيسي وراء التقارب الهوليوودي كان بهدف مالي بحت، وهو واضح من خلال الارقام المرتبطة بالحالة السينمائية الأمريكية الصينية التي نستعرضها في السطور التالية.
أشكال التودد الهوليوودي
أحد أشكال التقارب الهوليوودي من السينما الصينية عن طريق الانتاج المشترك بين الشركات الأمريكية والصينية، حيث أنتجت شركة كولومبيا الأمريكية فيلم Pixels عام 2015، بالتعاون مع شركات LStar Capital ،Happy Madison Productions ،1492 Pictures ،Film Croppers Entertainment، وأخيراً شركة China Film Co الصينية، وهي أكبر الشركات السينمائية المملوكة للدولة في جمهورية الصين، وقد تأسست الشركة عام 1949، لكنها في عام 1999 أصبحت المستورد الوحيد للأفلام الأجنبية في الصين ومصدراً رئيسياً لإنتاج الأفلام الصينية أيضاً. الفيلم حقق 78 مليون دولار لدى عرضه في الولايات المتحدة فقط، و165 مليوناً خارجها، واحتلت الصين المركز الأول في ترتيب إيرادات الفيلم عالمياً إذ حقق 15.5 مليون دولار لدى عرضه في 177 دار عرض في الصين، متفوقة في ذلك على المملكة المتحدة والبرازيل واليابان والارجنتين. ومن بين الأفلام الأخرى التي شاركت في انتاجها شركة China Film Co الصينية: Furious 7 ،Warcraft ،The Fate of the Furious. حقق فيلم Iron Man 3 رقماً قياسياً في السوق الصينية عام 2013، بكسره للرقم القياسي لأرباح فيلم أجنبي عرض في السينمات الصينية، عندما جنى 130 مليون يوان صيني أي ما يعادل 21 مليون دولار. فيما كانت لبكين شروط معينة لعرض الفيلم في الصين، تتمثل في إضافة 4 دقائق للنسخة التي عرضت فيها، تضمنت حوارات لتوني ستارك عن سر قوته وتناوله نوعاً معيناً من الألبان كنوع من الترويج لأحد المنتجات الصينية، ولقطة أخرى يظهر فيها أحد الممثلين قائلاً: لا يتعين على توني القيام بذلك بمفرده، يمكن للصين أن تساعده، وهنالك مشهد موجز يضم الممثلة الصينية فان بينغبينج، وهي الدقائق التي لا تظهر في النسخة الدولية للفيلم.التقارب المادي بالأرقام
دفعت الأرقام المتزايدة لأعداد دور العرض في الصين، إلى رغبة الشركات الامريكية في زيادة ارقام عائدات أفلامها في السوق الصينية، ففي إحصائية لعام 2016 بلغ عدد دور العرض السينمائي في الصين 41,056 مقارنة بـ 40,928 دار عرض تمتلكها الولايات المتحدة، مع زيادة متوقعة في عدد دور العرض في الصين تصل إلى 80 ألفاً عام 2021. وتشير الاحصائيات أيضاً إلى أن الصين تحتل المرتبة الأولى في قائمة ايرادات الأفلام خارج الولايات المتحدة، ففي عام 2016 حققت الصين 6.2 مليار دولار كعائدات للأفلام الامريكية، مقارنة بإيرادات الافلام ذاتها داخل الولايات المتحدة التي حققت 10.6 مليار دولار في العام نفسه. من 2003 حتى 2012 حققت الصين قفزة كبيرة في عائدات الافلام الامريكية المعروضة في دور العرض الصينية، إذ بدأت بحوالي 200 مليون دولار في عام 2003 ووصلت إلى 2.5 مليار دولار عام 2012، والمتوقع أن تصل إلى 11.5 مليار دولار عام 2020. وبحسب دراسات مالية رصدها بنك أميركا ميريل لينش BofAML، فإن نسب النمو الخاص بمشاريع المحتوى الترفيهي في الصين ستنمو بنسبة 10.2٪ خلال السنوات الخمس المقبلة مقابل نمو الولايات المتحدة بنسبة 3.8٪ والنمو العالمي بنسبة 4.0٪.ضوابط السوق الصينية
هناك مجموعة من الضوابط التي يتقيد بها عمل الشركات الأجنبية في الصين، والتي تقف أمام إنتاج أو توزيع أي عمل فني. العقبة الأولى التي تواجه الأجانب في صناعة السينما هي القانون، إذ لا يسمح لهم بالعمل بشكل مستقل، وكنوع من التحايل على هذه العقبة تلجأ بعض الشركات إلى الاستعانة بشريك صيني يساعد على انتاج أو توزيع العمل الفني داخل الأراضي الصينية. يجب أيضاً أخذ الموافقة المسبقة على جميع الأفلام المستوردة من الإدارة العامة للصحافة والنشر والإذاعة والسينما والتلفزيون (SAPPRFT)، إذ لا تستطيع الاستوديوهات الأجنبية توزيع أفلامها إلا من خلال إحدى الشركات العملاقة التي تديرها الدولة، وهي شركة China Film Group Corp أو شركة Huaxia Film Distribution، وتنطبق هذه القواعد على المحتوى الفني بمختلف قنواته سواء سينما أو تلفزيون أو بث عبر الإنترنت. العقبة الثانية تتمثل في اختيار لجنة مؤلفة من شخصيات تبدي رأيها في العمل الفني ويكون هذا الرأي نافذاً في ما يتعلق بعرض الفيلم أو عدمه، إذ تلجأ الإدارة العامة للصحافة والنشر (SAPPRFT) إلى اختيار لجنة من نحو 36 شخصاً لمشاهدة الفيلم ووضع تقرير مفصل عنه، على أن يُرفع التقرير للجنة حكومية أخرى متخصصة بحسب نوع الفيلم. فإذا كان الفيلم عن الجاسوسية، يعود الرقباء إلى وزارة أمن الدولة، وإذا كان من الأعمال الدرامية المتعلقة بالصحة يعود إلى لجنة من الهيئة الوطنية للصحة وتنظيم الأسرة، والأفلام البوليسية يعود الرأي فيها إلى وزارة الأمن العام، ويبدي مكتب الدولة للشؤون الدينية رأيه في الأفلام التي تتحدث عن الأمور الروحانية، ووزارة التعليم تقوم بمراقبة أي فيلم يتعلق بأفلام المدارس، على أنه يتم حظر الأفلام التي تصور الحروب التاريخية التي وقعت بعد 1 أكتوبر 1949 "تاريخ تأسيس جمهورية الصين الشعبية" بشكل تام للحفاظ على العلاقات الخارجية المستقرة للصين. في عام 2001 ، وضعت الصين، العضو الأحدث في منظمة التجارة العالمية، سقفاً لاستيراد الأفلام: تسمح بعرض 60 فيلماً في كل عام، من بينها 20 سيطلق عليها "واردات مشاركة الإيرادات"، وهي الأفلام التي ستحصل منها الصين على بعض الإيرادات بالمشاركة مع المؤلف أو استوديوهات هوليود المنتجة، حيث سيحصلون على ما بين 13 و 17 في المئة من إجمالي شباك التذاكر كما تم الإعلان عن أن المستورد المرخص الوحيد له هو شركة مجموعة الأفلام الصينية (CFGC) التي تديرها الدولة، على أن يتم استيراد الأفلام الـ40 المتبقية مرة أخرى من خلال CFGC أو شركة Huaxia Film Distribution، أو عبر قناة China Movie المخصصة للإذاعة الصينية المركزية التي تديرها الدولة. تفرض الجهات التنظيمية الصينية فترات انقطاع غير رسمية بمدد زمنية متفاوتة على الأفلام المستوردة، وهي: أسبوع في السنة القمرية الجديدة (أواخر يناير- أوائل فبراير)، من 4- 6 أسابيع خلال العطلة الصيفية (يوليو وأغسطس)، في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر للاحتفال باليوم الوطني (1 أكتوبر)، والأسبوع حول عيد الميلاد والسنة الجديدة حسب التقويم الغربي. وقد حظيت الصين بسمعة سيئة بسبب أعمال القرصنة المتفشية وتجاهل حقوق الملكية الفكرية لفترة طويلة، إلا أن هذا اختلف تماماً مع الإدراك المتزايد للحاجة إلى حماية حقوق النشر وتنفيذ ذلك، حتى أصبحت القرصنة مصدر قلق في جميع أنحاء العالم. ومع تطور الاستوديوهات الصينية ونمو الناتج المحلي الصيني من الأفلام والذي أثبت نجاحه في شباك التذاكر، لجأت الصين إلى ثلاثة أنواع من عمليات تنفيذ القانون الخاص بتجريم الاعتداء على الملكية الفكرية، وهي إدارية ومدنية وجنائية، مع رزمة من العقوبات المتاحة تحت كل منها، بما في ذلك الغرامات والأضرار المالية والتحذيرات والاعتذارات وفقدان تراخيص العمل والسجن.السينما الصينية
تطورت السينما الصينية بشكل كبير بعد انضمام التنين الصيني إلى منظمة التجارة العالمية مطلع القرن العشرين، وهي الخطوة التي أتاحت دخول عدد كبير من شركات القطاع الخاص إلى مجال صناعة السينما جنباً إلى جنب مع الشركات المملوكة للدولة. فإلى جانب شركتي China Film Group و Huaxia Film Distribution اللتين تحكمتا في القطاع المحلي للسينما والأفلام المستوردة من الخارج، دخلت إلى المجال شركات مثل Bona Film و Huayi Bros. Media Corp و Stellar Megamedia Group و Beijing New Picture Film Co و Orange Sky Entertainment Group وغيرها. وقد أعجب المشاهد الصيني بالتقنية الثلاثية الأبعاد IMAX 3D، وهي التكنولوجيا التي تتطلب استخدام معدات خاصة في التصوير والإضاءة والتلوين، فضلاً عن أنها تعرض في دور عرض معينة، وقد بلغ عدد دور العرض السينمائي ذات التقنية الثلاثية الأبعاد 296 عام 2016، وهو رقم أعلى من أي مكان آخر في العالم، وبالرغم من ذلك فإن الصين تخطط لامتلاك 575 شاشة IMAX ثلاثية الأبعاد عام 2021. عائدات الإعلانات من الأفلام في الصين تشكل بعداً آخر في العملية الاقتصادية للسينما، إذ شهدت تلك العائدات زيادة عام 2016 بلغت 587 مليون دولار، ومن المتوقع أن تبلغ 939 مليوناً بحلول عام 2021.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...