صباح اليوم، كان شكل محطة مترو البحوث، إحدى محطات مرفق مترو أنفاق القاهرة الكبرى، وتقع في محافظة الجيزة المصرية، مختلفاً تماماً عن شكلها الذي اعتاد عليه المصريون كل يوم.
كان هناك مزيج من الغضب والفوضى والحذر الأمني، بسبب قرار الحكومة المصرية الذي صدر البارحة، والمتعلق بزيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق الذي يستخدمه ملايين المصريين يومياً، في محافظة القاهرة الكبرى.
فقد قرر وزير النقل المصري هشام عرفات، في 10 مايو، زيادة أسعار تذاكر المترو بدءاً من 11 مايو، مع تقسيمها إلى نظام محطات.
وشرح موظف تذاكر محطة مترو البحوث لرصيف22 أن النظام الجديد يعني أن "لكل عدد من المحطات سعر مختلف، على أن يتراوح سعر التذكرة بين ثلاثة وسبعة جنيهات، للتذكرة الواحدة، اعتماداً على عدد المحطات".
وحتى مساء البارحة، كان سعر التذكرة جنيهان فقط، بغض النظر عن عدد المحطات.
لكن بدءاً من صباح اليوم، صار كل راكب مضطراً إلى دفع ثلاثة جنيهات إذا كان سيقطع تسع محطات أو أقل، وخمسة جنيهات إذا كان عدد المحطات يترواح ما بين تسعة و16، وسبعة جنيهات إذا كان عدد المحطات يزيد عن 16.
وفي كل مرة يزيد سعر خدمة حكومية في مصر، يتم الإعلان عن ذلك مساء الخميس، بينما يتم التطبيق الفعلي يوم الجمعة، لأنه يوم إجازة رسمية، وبالتالي سيكون عدد مَن يتلقون الخدمة قليلاً مقارنة بباقي أيام الأسبوع، ما يمكّن الأمن من التحكم في أية حالة غضب أو تمرد على القرارات.
لا أملك ثمن التذكرة
في تمام الساعة 12 ظهراً بتوقيت القاهرة، وقف أمام شباك تذاكر محطة البحوث التي تقع تحت الأرض، رجل في الخمسينيات من عمره، حاملاً بيده جنيهين مصريين، وهو السعر الرسمي للتذكرة حتى يوم أمس الخميس، لكن موظف التذاكر أخبره أن هناك زيادة جديدة. قال الرجل لموظف التذاكر إنه متوجه إلى محطة حلوان (تقع على أطراف القاهرة)، ما يعني أن عدد محطاته كبير، وبالتالي يحتاج إلى دفع سبعة جنيهات مقابل شراء تذكرة، أي أن الزيادة عليه أكثر من ثلاثة أضعاف. كان الموقف مؤلماً للرجل بالتأكيد. نظر إلى موظف التذاكر بحرج، وأخبره بصوت منخفض أنه لا يمتلك سوى خمسة جنيهات، لكن موظف التذاكر أجابه: "إنها التعليمات"، مضيفاً أنه لا يستطيع مساعدته. نظر الرجل إلى الخلف، فوجد العديد من رجال الأمن المصريين المتأهبين للتعامل مع أي اعتراض على القرار، وملامحمهم تحمل رسالة: "لو أعلنت ضيقك من القرارات الجديدة، فلتتحمل عواقب اعتراضك". خرج الرجل من الطابور وهو لا يعرف ماذا يفعل. رد فعل الرجل الخمسيني لم يكن نفسه موقف سيدة أخرى، رفعت صوتها بغضب قائلة: "إنتم عايزين مننا إيه، فقرتونا، نجيب لكم فلوس منين؟". طلب منها رجل أمن كان يتابع الموقف، أن تخفض صوتها، لكنه قال لها ذلك بصوت أعلى من صوتها، وكأنه يحذّر الباقين. وبصفة عامة، يتواجد بعض رجال الأمن التابعين لوزارة الداخلية المصرية في محطات المترو. لكن اليوم، كان العدد أكبر بكثير، وهو ما يمكن ربطه بالتخوف من أن يقوم بعض الركاب بالتعبير بأي شكل، عن رفضهم للقرار.فوضى حساب عدد المحطات
بدا واضحاً أنه حتى موظفي بيع التذاكر داخل المحطة كانوا غير قادرين على حساب عدد المحطات، فكلما سألهم شخص عن سعر تذكرته الجديد، ينظرون إلى ورقة مطبوعة وزعتها عليهم هذا الصباح وزارة النقل، مكتوب فيها عدد المحطات بالأسماء.حين أخبرنا المتحدث الرسمي باسم شركة إدارة تشغيل وصيانة مترو الأنفاق بالقاهرة عن القصص التي وثقناها، وصفها بأنها "مجرد حالات غضب فردية"، مضيفاً أن إدارته لم توثق أي تمرد شعبي ضد القرار
"أتمنى لو يقرر الناس التظاهر ضد هذا القرار. سأنضم إليهم. لا أعرف ماذا ننتظر. هل يجرؤ النظام الحالي على إجبار رجال الأعمال على زيادة رواتب العمال؟ هو فقط يتحكم في البسطاء"على الطريق بين محطة البحوث وحتى محطة الأوبرا، التي تقع بالقرب من وسط القاهرة، كانت نقاشات الركاب داخل العربة تدور كلها حول زيادة سعر التذكرة، وكان الكثيرون يرددون جملة "حسبي الله ونعم الوكيل". وقال أحد الركاب لرصيف22: "كنت مؤيداً لـ(الرئيس المصري) عبد الفتاح السيسي لكن من اليوم أنا معارض له. كيف سيمكنني دفع 14 جنيهاً مصرياً كل يوم، ثمن ذهابي إلى مقر عملي في المعادي وعودتي منه؟". بحزن، يتحدث الرجل: "أعمل موظف أمن في شركة في المعادي، وراتبي 1500 جنيه فقط. هل أترك عملي؟ لا أعرف ماذا أفعل". "أستخدم المترو يومياً للذهاب إلى عملي"، يقول حسام صبري، الذي يعمل في إحدى شركات الاتصالات المصرية. يؤكد أن راتبه لم يتغيّر منذ ثلاث سنوات، بينما كل شيء يزيد ثمنه في البلد. ويضيف صبري: "أتمنى لو يقرر الناس التظاهر ضد هذا القرار. سأنضم إليهم. لا أعرف ماذا ننتظر. هل يجرؤ النظام الحالي على إجبار رجال الأعمال على زيادة رواتب العمال؟ هو فقط يتحكم في البسطاء".
غضب فردي
يرى المسؤولون في إدارة المترو أن حالات الاعتراض التي شهدتها محطات المترو، في أول أيام تطبيق قرار زيادة أسعار التذاكر، مجرد "حالات غضب فردية". يقول المتحدث الرسمي باسم شركة إدارة تشغيل وصيانة مترو الأنفاق أحمد عبد الهادي لرصيف22 إن "كل الركاب متقبلون للقرار، ومتفهمون لضرورته، ولا توجد أية مشاكل في أية محطة من محطات المترو". حين أخبرنا عبد الهادي عن القصص التي وثقناها وصفها بأنها "مجرد حالات غضب فردية"، مضيفاً أن إدارة مترو الأنفاق لم توثق أي تمرد شعبي متعلق بالقرار. وبررت وزارة النقل المصرية ما تقول إنه "ضرورة" رفع سعر التذكرة، في بيان جاء فيه أن الزيادة تأتي في إطار تطوير وتحديث أنظمة المترو وللحفاظ على هذا المرفق الحيوي الذى يخدم ملايين المصريين يومياً ولتقديم خدمة مميزة للركاب". وتضيف الوزارة أن هناك عجزاً في مصاريف الصيانة والتجديدات للعامين الماليين 2016-2017 و2017-2018 يبلغ 94%، وأن هناك خسائر متراكمة على المترو تقدر بـ618.6 مليون جنيه. من جانبه، اعتبر وزير النقل المصري الدكتور هشام عرفات أن الزيادة الجديدة في أسعار تذاكر المترو هي قرار ضروري كان يجب أن يُتّخذ منذ فترة طويلة. وأضاف في مداخلة هاتفية عبر برنامج "مصر النهارده" الذي يُعرض على القناة الأولى المصرية (حكومية): "أصدرت هذا القرار وأنا مبسوط وضميري مرتاح". أما وسائل الإعلام المصرية المقربة من النظام المصري فقد بررت القرار وروّجت لفكرة أنه لمصلحة المصريين. ونشر موقع "اليوم السابع" (خاص مقرب من النظام) تقريراً يقارن بين سعر التذكرة في مصر وفي الخارج، لكن طبعاً دون الإشارة إلى الفروقات بين الرواتب.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...