شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"منزل بورقيبة"... حكاية المرأة والثورة في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 12 مايو 201802:26 م
يرد اتصال هاتفي لـ"جيهان" من عمتها "مريم" لتخبرها بموت والدها في أميركا، ومن هذا الخبر تبدأ كل الأحداث اللاحقة في رواية "منزل بورقيبة" للكاتبة التونسية "إيناس العباسي"، إذ يفجر هذا الخبر داخل البطلة الكثير من الأسئلة والحقائق التي غابت لزمن طويل. تتزامن الوفاة مع اندلاع الثورة في العاصمة التونسية، واختفاء الساعة الأسمنتية التي كانت موجودة في نصب "السابع من نوفمبر"، وهو النصب الشهير الذي تم إنشاؤه بعد انقلاب زين العابدين بن علي وتوليه لسدة الحكم في تونس.

"في نفس صباح ذلك اليوم الذي لم تتوقف فيه الأمطار عن الهطل، والذي رفع فيه الطفل رأسه واكتشف غياب الساعة، أخبرتني عمتي مريم بأن أبي مات. ألقت بالكلمات عبر سماعة الهاتف متخلصة منها في جملة واحدة ثم أنهت الاتصال وتركتني أواجه مشاعري وحدي (...) جلست وتطلعت في الفراغ أمامي وشعرت بالغضب الذي خبأته سنوات بداخلي وتركته يقتات على شوقي واحتياجي المذلّ لوجود أبي، يتحرر ويحاول الانفلات من سجنه".

تنقسم الرواية إلى خمسة أقسام رئيسية، تتناوب "جيهان" وزوجة أبيها "صوفيا" عملية السرد فيها، لتضيئا على فترة زمنية كبيرة نسبياً، إذ ترجع كل منهما بالزمن خلفاً إلى الطفولة فتحكي كل واحدة منهما عن حياتها منذ الطفولة. وعلى الرغم من خلافهما الحالي حول الورثة، وحول الرجل الغائب "حبيب الياس"، فإن كلاً منهما تشترك مع الأخرى بالكثير. باستخدام تقنية "الفلاش باك" في استرجاع ماضي الشخصيتين، تراوح "العباسي" بين زمنين متوازيين: الحاضر بعد وفاة الأب/ الرجل وانطلاق شرارة الثورة، والماضي: تونس بعد الاستقلال، إذ تروي عن الجدة "لطيفة" المرأة القوية التي دخلت مجال التجارة وصارت تسافر إلى إيطاليا بحراً لتجلب منها البضائع، رغم أنها أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة، لكن ظروف البلد في تلك الفترة سمحت للمرأة بأن تكون مستقلة وقادرة على التحرر من القيود، على عكس ما حصل بعد ذلك.
تعرفوا على الرواية التي فازت بجائزة الكومار الذهبي التونسية (خيار لجنة التحكيم) لعام 2018
في باطنها، تحكي هذه الرواية قصة بلدٍ عاش حكماً سلطوياً استبدادياً وآن الأوان ليتحرر، متخلصاً من قيوده، مواصلاً شق طريقه إلى السماء
غير أن الثورة التونسية أعادت الأمل مجدداً، إذ نرى في مشهد بالغ الرمزية والدلالة أن نساء العائلة خرجن في جنازة الرجل، غير عابئات بأن هذا غير مسموح حسب تقاليد وعادات المجتمع الذكوري.

"يقول الناس في بلادنا إنه لا يجوز أن تمشي النساء في الجنائز. عيب. حرام. لكننا تجرأنا على كسر هذه القاعدة. مشينا على مسافة قريبة من موكب الجنازة محاذرات أن ينتبه لنا الرجال. انتظرنا في الشارع انتهاء المشيّعين من الصلاة على الميت في الجامع الكبير ثم لحقنا بهم خلافاً لعادات المدينة وسنن العجائز".

تتداخل الذكريات وتتشابك، وما بين تونس وأميركا حيث هاجرت "صوفيا" رفقة زوجها الأول، هاربة من البؤس والفقر، عالم كامل من الأحداث، يبدأ بتأسيسها لمشروعها الخاص "حلم أفريقي"، ثم وفاة زوجها، ومجيء "حبيب" إلى أميركا مفلساً، وزواجها منه. على الطرف المقابل، ثمة جزء من الحكاية ناقص، تكمله "جيهان" ابنة حبيب التي عانت في طفولتها من إهمال والدها، وتركه لها ولأمها، بعد أن سافر مع أخيه "نور الدين" وأسسا مشروعهما، إلا أن تهور الأخ واستهتاره أطاح بالمشروع المشترك وبالمال. وبين ما تسرده الزوجة وما تسرده الابنة ثمة حكاية ثالثة تعلن عن نفسها، وتنمو بعد أن تعطي العمة رسائل "نور الدين" لابنة أخيها. إنها حكاية غامضة عن علاقة ثلاثية جمعت بين "كارول" التي أحبت الأخ الأول لكنها تزوجت الثاني، وكان اكتشاف هذا سبباً في اختفاء "نور الدين" منذ ثلاثين سنة. تحاول "جيهان" كشف سر الاختفاء الغامض، وفي محاولتها تلك تتكشف الكثير من الأسرار.

"أربكتني الرسالة الثالثة وجعلتني أتخيّل سيناريو غريباً لأحداث وقعت بين الأخوين ولا تزال مجهولة بعد مرور كل هذه السنوات. (...) لا أحد يعرف ما الذي حدث بالضبط في السبعينات سوى ثلاثتهم، أبي الذي كنا بانتظار وصول جثمانه من أميركا، وعمي نور الدين الغائب منذ ثلاثين سنة وربما كان ميتاً هو أيضاً، وكارول المرأة التي وقفت في منتصف الطريق بينهما".

تتداخل الحكايات مع بعضها، لتروي حكاية عائلة تونسية في ظاهرها، وأما في باطنها فإنها تروي حكاية بلدٍ عاش حكماً سلطوياً استبدادياً وآن الأوان ليتحرر، متخلصاً من قيوده، مواصلاً شق طريقه إلى السماء. إيناس العباسي، كاتبة ومترجمة تونسية، ترجمت قصصها وقصائدها إلى عدة لغات. لها عدة مجموعات شعرية، وحازت مجموعتها الشعرية "أرشيف الأعمى" على جائزة الكريديف في تونس لسنة 2007. لها روايتان: "إشكل"، و"منزل بورقيبة" التي حازت عنها جائزة الكومار الذهبي الأدبية (جائزة لجنة التحكيم) في تونس عام 2018. الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 192 الطبعة الأولى: 2018
يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image