يقول نجيب محفوظ في روايته "السراب": الحب يخلق الجمال كما يخلق الجمال الحب". ومن كلمات نزار قباني، غنى كاظم الساهر: "قولي أحبك كي تزيد وسامتي، فبغير حبك لا أكون جميلاً، قولي أحبك كي تصير أصابعي ذهبًا وتصبح جبهتي قنديلاً"، معبرًا عن حبيب يرى أن وسامته تزيد بحب حبيبته له.
وتساءل مصطفى صادق الرافعي في كتابه "رسائل الأحزان في فلسفة الحب والجمال" عن سر الجمال في المحبوبة، ويبدو من أسئلته الفلسفية أن للحب دوراً عظيماً في هذا الجمال، يقول: "لا تعرف إن كان الجمال في شخصها، أو في الجزء المتصل منك بشخصها، أو في الذي هو متصل بك من شخصها". فهي جميلة من ناحيتك، ومن ناحيتها، ومما بينهما؛ وهذا هو الذي يجعلها فوق الجمال الإنساني بطبقتين لا تسمو امرأة إلى واحدة منهما، ويجعلك ترى ما فيها من الإبهام جمالاً لا تفسير له، وما فيها من التفسير جمالاً مبهماً، فكأنهما في كل ذلك دائرة مرسومة من الفكر لا يهديك البحث إلى موضع طرفيها". أما محمود عباس العقاد، فيرى أن الحب يكشف معالم الجمال التي ربما لم تكن لتظهر إلا به، قال في كتابه "مراجعات في الأدب والفنون": الحب يرينا من فتنة الحياة ما لا نراه بغيره، وجمال المرأة أغلى محاسن هذه الدنيا المشهودة". البعض يعتقد أن هذا الأمر من قبيل المجاز والمبالغة، ولكن الواقع يؤكد أن الإنسان يزداد جمالاً حين يحب وينجح في علاقته الرومانسية، ويرى من حوله ذلك في شكله ومظهره، قبل روحه... فكيف ذلك؟
خدود بلون التفاح
عندما يقع بعض الأشخاص في الحب ينسون شهية الطعام، ووجد علماء أن المحبين يفقدون 10% من أوزانهم، لأن كيمياء الحب في المخ لها علاقة وثيقة بضبط الشهية، إذ يؤدي الحب إلى زيادة إفراز مادة السيروتين، التي تقلل من الاكتئاب والتوتر وضعف الثقة بالنفس، وهي أعراض تؤدي إلى زيادة الشهية للطعام كسلوك تعويضي عنها، يقول الدكتور عماد صبحي، المتخصص في طب التغذية وعلاج السمنة والنحافة، في كتابه "العلاج بالحب". ومن الفتيات من يكتسي وجهها بالحمرة حين تحب، فيزداد جمالاً، وعن ذلك غنى عبد الغني السيد: "يا بتاع التفاح لون تفاحك راح في خدود ست الكل".
وأكدت دراسات متواترة أن رؤية الشخص لمحبوبه تحفز إفراز الأدرينالين لديه، ما يؤدي إلى إحمرار الخدين، لأن هذا الهرمون يعمل على تمديد الأوعية الدموية، ويساعد على تدفق الدم والأوكسجين بشكل جيد في كل الجسم، ويظهر ذلك على الوجه الذي يبدو مشرقاً.
حب = صحة = جمال
صحة جيدة تؤدي إلى شكل أفضل بالتأكيد. يرى البروفوسير في علم النفس، هاري ريس، المحرر المشارك بموسوعة العلاقات الإنسانية، أن العلاقات العاطفية المستقرة الطويلة، تمنح أصحابها صحة أفضل، وتجعلهم أكثر شباباً، وتقاوم الشيخوخة، وكذلك تقيهم من الاكتئاب والتوتر وضغط الدم المرتفع. كما أن الزواج السعيد الذي تغمره العاطفة مفيد لضغط الدم، هذه النتيجة خرجت بها دراسة سيكولوجية، يقول ريس، موضحاً أن الدراسة أكدت أن نوعية الزواج هي العامل الفاصل، وليس الزواج على الإطلاق. ويشير ريس إلى دراسة لباحثين في جامعة نيويورك، أجروا خلالها تصويراً بالرنين المغناطيسي لأدمغة مجموعة من العشاق، وتبين منها أن هناك اختلافات بين أصحاب العلاقات العاطفية الطويلة الأمد وبين آخرين في بداية العلاقة. وينقل ريس عن آرثر آرون، أحد معدّي الدراسة، قوله: كانت هناك اختلافات مذهلة بين المجموعتين في أجزاء من الدماغ، فمع أصحاب العلاقات الطويلة الأمد، لاحظنا نشاطاً في المناطق المتصلة بالترابط في الدماغ، ونشاطاً أقل في المنطقة المسؤولة عن إثارة القلق في المخ. كما كشف التصوير مزيداً من التنشيط في جزء الدماغ الذي يحافظ على الألم تحت السيطرة، بالنسبة للعشاق المرتبطين منذ مدة طويلة. وبما أن العلاقات الرومانسية يمكن أن تقلل التوتر والقلق والاكتئاب، فالاستنتاج البديهي أن الحب يعطي جهاز المناعة دفعة قوية، يقول ريس، مشيراً إلى أن باحثين في جامعة كارنيجي ميلون وجدوا أن الأشخاص الذين يظهرون مشاعر إيجابية هم أقل عرضة للإصابة بالمرض، بعد التعرض لفيروسات البرد أو الأنفلونزا، بحسب دراسة نشرت في دورية الطب النفسي. كما أثبتت دراسة أجراها باحثون بجامعة ستانفورد الأمريكية أن الحب يساعد في تخفيف الشعور بالألم. وفي الدراسة، عُرضت على بعض المتطوعين صور عشاقهم، وعلى آخرين صور لأصدقائهم أو معارفهم العاديين، فساهم عرض صور العشّاق على المتطوعين في تخفيف شعورهم بالألم، مقارنةً بالذين عُرضت عليهم صور أصدقائهم أو أفراد عائلاتهم، إذ أظهرت التجربة نسبة لا تقل عن 40% من تسكين الألم المعتدل، و15% من تسكين الألم الحاد.الجنس (ذروة الحب) وما يفعله في شكلنا
الجنس هو ذروة العلاقة الحميمية، بل إن كثيرين اعتبروه الحب نفسه. يقول سيجموند فرويد في كتابه "الحب والحرب والحضارة والموت": ليس الجمال وجاذبيته إلا صفتين من صفات الموضوع الجنسي. وأثبتت دراسة للباحثة النفسية الأمريكية بيث مونتمورو أن غالبية النساء يشعرن بلذة أكبر للجنس، إذا كان مع شخص يحبونه. ومن أهم فوائد الجنس على شكل من يمارسونه، أنه يحفز إنتاج الكولاجين، وهو من أهم البروتينات للجسم وخاصة للجلد، حتى يحافظ على ليونته ويجعله مقاوماً للشيخوخة، وكذلك يقوي بصيلات الشعر ويجعله أكثر لمعاناً، بحسب دراسات متعددة. وبشكل عام، للجنس فوائد للبشرة، لأنه يوازن الهرمونات في الجسم، وينظم إنتاج زيوت الجلد، ما يؤدي إلى التخلص من حب الشباب، وكذلك يعمل على تدفق الدم والأوكسجين إلى الجسم، فيجعل الوجه أكثر إشراقاً. ويساعد العرق الناتج عن الممارسة الجنسية على تفتيح مسام الجلد، والتخلص من أي شوائب عليه. وهناك اعتقاد شائع أن حجم ثدي المرأة يكبر بالمداعبة الجنسية، ولكن الأكيد أنه ينتفخ عند وصول المرأة إلى هزة الجماع، ويزداد حجمه بنسبة 25%، بحسب البروفوسير في الطب الجنسي سارانش جاين.العاشقون المحرومون يبدعون
ما سبق كان استعراضاً لما يفعله الحب بالناجحين في علاقاتهم العاطفية، ولكن ماذا عن الذين يكتمون حبهم أو لا يستطيعون ممارسته مع من يحبون؟ بالتأكيد هناك من يمرون بأزمات نفسية وتتحول حياتهم إلى شكل آخر، ولكن بعض هؤلاء الفاشلين يتحول حبهم إلى جمال إبداعي روحاني. يقول المفكر المصري سلامة موسى في كتابه "فن الحب والحياة": إن الحماسة الجنسية حينما تحتبس تنتهي إلى منافذ من الحماسة الفنية، وأحياناً تنتهي إلى الحماسة الروحية. ويعتبر موسى أن المحرومين من إنشاء علاقات رومانسية حميمية، كالرهبان الكاثوليك، وبعض المتصوفة المسلمين، وكذلك عدد من الفلاسفة والفنانين، أو بعض من الذين فشلوا في علاقاتهم، تحولت حماستهم إلى حكمة وفيض من الفنون. وعبر الشاعر أحمد رامي في أغنيته التي كتبها لأم كلثوم "ياللي كان يشجيك أنيني" عن عاشق فقد معشوقه، فأحب الحب نفسه، وأصبح يعيش بقلوب العاشقين جميعاً، قائلاً: "لما الزمان ضيع ودي وطول البعد عليَّ، صبحت أحب الحب من بعد عشق الحبيب"، "وفضلت أعيش بقلوب الناس وكل عاشق قلبي معاه".
ومن الشعراء والأدباء في العصر الحديث، من مروا بفشل في حبهم، فتحول حرمانهم إلى إبداع، منهم الشاعر كامل الشناوي، الذي حكى الكاتب الصحفي مصطفى أمين في كتابه "شخصيات لا تنسى"، أن الشناوي كان يحب الفنانة نجاة، رغم فارق السن بينهما، وفي مرة رآها في حالة انسجام مع الأديب يوسف إدريس في سيارته على كورنيش النيل، فصُدِم. وعلى الفور ذهب الشناوي إلى منزل مصطفى أمين وهو يبكي، وطلب ورقة وقلماً وكتب قصيدته "لا تكذبي"، وبعد أن انتهى من كتابتها اتصل بنجاة وقرأها عليها بصوته المرتجف، فظلت صامتة تستمع إليه حتى انتهى، وحينها زادت جرحه بردها عليه: "كويسة قوي، تنفع أغنية، لازم أغنيها يا كامل بيه". وغنتها نجاة بالفعل:
ويحكي أمين أن الشناوي لم ييأس، فكان "يحاول بأي طريقة أن يعود إليها، يمدحها ويشتمها، يركع أمامها ويدوسها بقدميه، يعبدها ويلعنها. وكانت تجد متعة أن تعبث به، يوماً تبتسم ويوماً تعبس، ساعة تقبل عليه وساعة تهرب منه، تطلبه في التليفون في الصباح، ثم تنكر نفسها منه في المساء". والملاحظ أن الشناوي كتب في هذه الفترة قصيدة "حبيبها"، التي غناها عبدالحليم حافظ، ويقول فيها: "فلم تزل تلقاني وتستبيح خداعي، بلهفة في اللقاء، برجفة في الوداع..." ثم يختتمها بـ"ما أنت يا قلب قل لي، أأنت لعنة حبي، أأنت نقمة ربي، إلى متى أنت قلبي؟".
وسبق كامل من المثقفين المشاهير إلى هذه الحالة، المفكر عباس محمود العقاد، الذي اعترف أن روايته الوحيدة "سارة"، كان يحكي فيها عن نفسه، بحسب ما نقل الكاتب حلمي النمنم، وزير الثقافة المصري السابق. وقال العقاد إن رواية سارة كانت بالنسبة له "تجربة نفسية"، معترفاً أن سارة كانت شخصية حقيقية في حياته هو. وبحسب النمنم، فإن سارة هي الكاتبة والمترجمة "أليس داغر" ولها اسم آخر هو "أليس عبده هاشم"، وتزوجت من صحافي سوري كان مقيماً في مصر، ثم انفصلت عنه، وتعرفت على العقاد الذي أحبها ولكنه كان يشك في خيانتها له، فكلف صديقاً بمراقبتها، وانتهت العلاقة بينهما كعاشقين، ولكنها تركت جرحاً في نفس العقاد، الذي ظل مضرباً عن الزواج حتى مات، فعبر عن ذلك في الرواية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...