في تمام العاشرة صباحاً، يرن جرس منبّه "علي أحمد" فيستيقظ من النوم، ويرتدي ملابسه ويقفز على درج السلم وصولاً إلى سطح المنزل، يقترب من غرفة صغيرة، يفتح بابها ويصيح: "تايسون" - كلب من فصيلة بيت بول – ليأتي إليه الكلب قفزاً ويطوف بأرجاء السطح فرحاً بحريته.
يبدأ "علي" في تجهيز "تايسون" للمشاركة في مراهنات مصارعة الكلب الأقوى، يحضر له الطعام، يلعب معه ويلقنه بعض التدريبات لمدة ساعة استعدادًا لخوض نزال مع منافس له أكثر شراسة.
يحين موعد المغادرة في الحادية عشرة صباحاً، يضع "علي" حول عنق "تايسون" طوقاً ذا رؤوس أسهم مدببة تمنحه مسحة شرسة مع فكيه البارزتين ووجهه الغليظ. الطوق موصول بـ"جنزير حديد" طرفه في قبضة "علي"، وينطلقان معاً للمشاركة في مصارعة الكلاب في سوق دكرنس الذي يقام يوم الجمعة من كل أسبوع بمحافظة الدقهلية.
يخوض تايسون نزالاً شرساً وينزف الدماء، ليربح صاحبه نحو 2000 جنيه (113$). علماً أن الكلب لا يستطيع أن يخوض أكثر من نزال في اليوم.
أسواق للحيوانات الأليفة
في الآونة الأخيرة، ذاع صيت الأسواق الدورية التي تقام في يوم ثابت من كل أسبوع وأصبح للحيوانات موقع محفوظ داخلها. في القاهرة الكبرى نجد سوق الجمعة الذي هو أحد أكبر الأسواق لبيع وشراء الحيوانات الأليفة، وفي المحافظات البعيدة نسبياً عن العاصمة تنتشر الأسواق هنا وهناك. اختلفت أسواق الأمس عن أسواق اليوم، إذ عُرف عن العرب منذ القدم شغفهم بالتجارة والأسواق والمال، وحبهم لإقامة الأسواق. وقد اشتهرت في ذلك الوقت الأسواق الثابتة والموسمية، ومنها أسواق ذاع صيتها في بلدان مجاورة، ولم يكن ذلك الصيت فقط لحركة البيع والشراء الثابتة لجميع انواع السلع، لكن لتحول بعضها كـ"سوق عكاظ" ينشد الحضور فيه الشعر، ويتفاخرون بأنسابهم.استعدادات سوق الكلاب في دكرنس
داخل إحدى ساحات سوق دكرنس مساحة رملية شاسعة يتخللها عدد من الأشجار المتباعدة، يقف جمع من رواد السوق، أحدهم يستقل سيارته الخاصة وآخر يستقل توكتوك ومجموعة من الصغار أتوا للمشاركة مشياً على الأقدام، هؤلاء كلهم يكوّنون دوائر مغلقة تشكل حلبة حيث يبدأ كلبان متنافسان المصارعة. فقد خصص عدد من سكان المنطقة يوم الجمعة لمصارعة الكلاب، ومن خلالها يتم تحديد سعر كل كلب، أو المراهنة على الكلب الأقوى ببضع مئات من الجنيهات. يقول علي لرصيف22: "الحكاية بدأت عندما قرر بعض مريدي سوق الكلاب لفت الأنظار إليهم خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على تربية الكلاب في مصر. أرادوا إقامة سوق لتنشيط حركة البيع والشراء والمراهنات لمساعدة أصحابها على توفير الدعم المادي لكلابهم". "الكلب الفائز هو من يصيب الآخر في النزال في أي جزء من جسده حتى النزف ويخرج هو سليماً من المعركة"، هكذا يصف علي الكلب المنتصر في حديثه لرصيف22، ويتم تحديد سعر الكلب بناء على مبارزته وقوته في جولات المصارعة ويفوز صاحبه في بعض المراهنات بنحو 2000 جنيه مصري.أنواع كلاب المراهنات
[caption id="attachment_146474" align="alignnone" width="1000"] البيتبول[/caption] تختلف أنواع الكلاب المشاركة في جولات المصارعة، فهناك الكلب الأكثر شعبية وشراسة وهو الأمريكي "البيتبول"، والألماني "جيرمين شيبر"، والروت وايلر، فضلاً عن العديد من الأنواع المهجنة من الجراو المعروفة بضخامتها وشراستها والتي يتم عرضها للبيع أو إجبارها على خوض نزال همجي. [caption id="attachment_146475" align="alignnone" width="1000"] جيرمين شيبر[/caption] تختلف أسعار الكلاب حسب عدة معايير، منها العمر الذي يعد عاملاً هاماً في ارتفاع أو انخفاض السعر، عدا كون الكلب مدرباً أم يحتاج إلى تدريب واهتمام، وذلك مرتبط بالسلالة التي يأتي منها إذ يأتي مع بعض الكلاب ذات السلالة النقية شهادة. [caption id="attachment_146476" align="alignnone" width="1000"] الروت وايلر[/caption] وتراوح أسعار الكلاب حسب فصيلة كل منها، إذ نجد أن سعر الروت ويلر يبدأ من 2000 الى 10000 جنيه، أما فصيلة "البيتبول" فمن 1000 جنيه إلى عشرة آلاف (56$ - 560$)، أما "الجيرمان شيبرد" فهناك نوعان منه، أحدهما هجين سعره رخيص، والآخر من سلالة معروفة، سعره بين ( 1500- 10000) جنيه (85$ - 560$).كيف يعمل سوق دكرنس
عمرو الحسيني، تاجر كلاب وأحد رواد سوق دكرنس، يقول لرصيف22: "السوق يستمر 4 ساعات كل يوم جمعة، ولا توجد شروط لقبول الكلاب لخوض جولات المصارعة، ولا يتم دفع مبالغ مالية جراء المشاركة، لكن في حال الموافقة على المواجهة فأصحاب الكلاب يبدون قبولهم الخسائر المترتبة على المشاركات. وعن المخاطر التي قد تحدث جراء المشاركة، يقول الحسيني: "هناك العديد من المخاطر التي تلحق بالكلاب، فمن الممكن أن يُقضى على أحدها، فضلاً عن الإصابات التي يتلقاها المتنافسان خاصة في الأذن والظهر". https://youtu.be/ycxpANZv4ykالبيطريون يرفضون
يقول الطبيب البيطري محمود عوض: "في الشهور الماضية جاءت إلى عيادتي الخاصة أكثر من حالة تعرضت للعض وقطع الأذن أو جروح في منطقة الظهر جراء نزال مراهنات". وأضاف أنهم كأطباء بيطيريين يرفضون مثل هذه المسابقات لأنها تكون سبباً في تشويه الكلاب، فضلاً عن الأذى البدني. ولفت إلى ظاهرة غريبة بدأت تظهر خلال الفترة الماضية، وهي قطع أذن الكلب حتى لا يعضه منافسه بأذنه.التجارة وراء إقامة المصارعة
يقول الحسيني: "الهدف الأول من مصارعة الكلاب هو الإسراع في عملية البيع والشراء، لافتاً إلى الفصيل الأقوى على الساحة هو كلاب البيتبول الشرسة". ويزعم كذلك أن الجميع يعلم بتلك المواجهات - في إشارة منه إلى المسؤولين في المحافظة - ولم تحدث أزمات أو مشاكل منذ بدء تدشينها، مشدداً على دقة التنظيم في المواجهات بين الكلاب. كذلك يتم إبعاد الأطفال عن الساحة. أما محمود سلامة، أحد المهتمين بمصارعة الكلاب فيروي لرصيف22 الاستعددات الأخيرة لبدء الرهان: "يبدأ الكلبان في التآلف داخل دائرة مغلقة يحوطها الحضور، يعمل صاحب كل كلب على إثارته حتى يصل لمنتهى زمجرته ثم تنطلق المبارزة ولا تنتهي قبل أن ينزف أحد الكلبين من أذنه أو من جزء آخر من جسده، عندئذ توقف المباراة ويتم إعلان الفائز". وأضاف أن تلك المبارزة تستغرق أقل من 5 دقائق.كلاب ضالة
وقالت دينا ذو الفقار، الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان، إنها تابعت مثل هذه الأعمال الإرهابية، والتي هي بمثابة أداة لإفساد الشباب وترويع أمن المواطن، عدا أنها عمل غير شرعي، مشيرةً إلى أنها تواصلت مع مسؤولي الهيئة العامة للخدمات البيطرية فور رؤيتها الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة عن مصارعة الكلاب، وكان ردهم مفاجئاً، هو أنهم لا يستطيعون التعامل مع مثل تلك الممارسات، وأن همهم الأول والأخير هو تعقيم الكلاب الضالة في الشوارع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...