خلال العقدين الماضيين، شجعت الدولة في روسيا تشكيل مجموعات من مثيري الشغب من اليمنيين المتطرفين ممن يطلق عليهم "النازيين الجدد"، ليكونوا بمثابة "جنود المُشاة" للرئيس فلاديمير بوتين. في تحقيق لـ"الغارديان" البريطانية، تتبعت الصحيفة كيف ظهرت هذه المجموعات بالاستعانة بشركات أُنشئت خصيصاً لهذا الغرض، كما سلطت الضوء على مساعيها لنشر ثقافة العنصرية القومية والعنف المُميت ضد الأجانب والمهاجرين، ونقل التجربة إلى الملاعب الأوروبية. في المقابل، تحدثت الصحيفة عن قلق الحكومة الروسية من هؤلاء الأشخاص، الذين ترعاهم منذ مطلع التسعينات، لاسيما مع قرب انطلاق منافسات كأس العالم 2018 في روسيا، مُوضحة أن موسكو تسعى لتحجيمهم لكن لا يمكنها السيطرة عليهم بشكل تام. وربما جاء شغب الملاعب متأخراً نسبياً في كرة القدم الروسية، التي ظهرت في أوائل التسعينات كنسخة متطورة من الشكل الإنكليزي الذي مضى عليه عقود من الزمان، بفضل شركات وصفتها الصحيفة بالـ"شريرة" مدعومة من الحكومة، تزكي روح العنصرية النازية لدى آلاف الباحثين عن وظائف، لاستخدامهم رياضياً وسياسياً.
معسكرات قتال في ضواحي موسكو وغاباتها
في صيف 2016، حيث منافسات الدور الأول لبطولة أوروبا لكرة القدم، اندلعت أعمال شغب حادة في مدينة مرسيليا الفرنسية، بين مشجعين معظمهم سكارى، قبل مباراة إنكلترا وروسيا. في 10 يونيو، انتقل حوالي 150 روسي إلى ميناء مرسيليا القديم، تحركوا في مجموعات منظمة، وواجهوا مُشجعي المنتخب الإنجليزي بعنف شديد. ستيف نيل، من شرطة نورثامبريا، وهو واحد من عدة ضباط تم نشرهم من إنكلترا لمساعدة الشرطة الفرنسية في ذلك اليوم، قال لشبكة "سكاي نيوز" إنه "لم يكن مثل أي شيء رأيته من قبل... جاء الروس بنية جادة لتنفيذ عنف بربري، كانوا منظمين وفعالين للغاية. لقد شاهدنا شغباً في كرة القدم على مستوى مختلف". أحد المشاغبين الروس، الذين شاركوا في القتال، قال في وقت لاحق لوكالة الأنباء الفرنسية "يقول الإنكليز دائماً إنهم المشاغبون الرئيسيون في كرة القدم. ذهبنا لإظهار أن البريطانيين مجرّد فتيات". في ضواحي وغابات تقع في نطاق موسكو، وسط أجواء ضبابية منعدمة الرؤية تقريباً، اعتاد هؤلاء التجمع في ساعات الصباح الباكر في مجموعات منفصلة، مُقسّمة حسب فريق كرة القدم الذي يدعمه كل منهم، يستخدمون كلمة مشفرة لإظهار الجانب الذي يؤيدونه، ويلتقون في النهاية لمناقشة التكتيكات. في البداية يصطفون في خطين متقابلين يفصل بينهم 20 متراً، بينما يضع آخرون علب الأمونيا على أنوفهم، لزيادة انتباه حواسهم. وفي منطقة محايدة يقف رجال أكبر سناً لمشاهدة ما يحدث، حيث يقومون بدور الكشافة لمتابعة الموهوبين وتصويرهم. من يسقط لا يتم دعوته مرة أخرى، ومن يقاتل حتى النهاية يتم دعوته إلى شركات معنية بتنظيم عملهم، ومن هذه المعسكرات ينتقلون إلى الشوارع، حيث العنف على هامش المباريات. عندما تنطلق الصافرة يتقدمون ببطء نحو بعضهم البعض، يصفقون بأيديهم لإظهار أنهم لا يحملون أسلحة قبل أن يُسرعوا في العدو، وتتحطم الخطوط الفاصلة وتنشب المعارك التي عادة ما تنتهي بإصابات حقيقية. وبعد دقائق معدودة يتضح من فاز، فيما يعود البعض مصاباً إلى المنزل أو يتجه إلى المستشفى."الحكومة تدعمنا"
"على مدار 10 سنوات دعمتنا الحكومة"، قالها ألكسندر شبريغن الذي شارك في المعارك الفوضوية بداية من عام 1994، حين استأجر طائرة لنقل مثيري الشغب الروسيين إلى مرسيليا عام 2016. وعلى مدى عقدين من الزمان، كانت الشركات الروسية بمثابة آلة لتجنيد الشبان المتطرفين في أقصى اليمين، مما جعل الفكر العنصري في مركز ثقافة كرة القدم في البلاد. وفي وقت كان الشباب مُهمشاً وآماله في الحصول على وظيفة ضعيفة، كان شبريغن مُجنداً مثالياً لأعمال الشغب. في أغسطس 1993، في الرابعة عشرة من عمره، اقترب منه أحد كبار السن ليخبره بخطة تأسيس واحدة من أولى الشركات العاملة في تجنيد هؤلاء في روسيا، اسمها "بلو وايت ديناميت".على مدى عقدين من الزمن، كانت الشركات الروسية بمثابة آلة لتجنيد الشبان المتطرفين في أقصى اليمين، مما جعل الفكر العنصري في مركز ثقافة كرة القدم في البلاد...
في ضواحي وغابات موسكو، وسط أجواء ضبابية منعدمة الرؤية تقريباً، اعتاد هؤلاء التجمع في ساعات الصباح الباكر في مجموعات منفصلة، مُقسمة حسب فريق كرة القدم الذي يدعمه كل منهم، يستخدمون كلمة مشفرة لإظهار الجانب الذي يؤيدونه، ويلتقون في النهاية لمناقشة التكتيكات"بحلول 1995، كان لكل نادي كرة قدم في موسكو شركة"، بحسب شبريغن، الذي أضاف "أصبحت المعارك أكبر من ذلك بكثير". أما حاليًا، فإن أكبر نادي من أندية كرة القدم الـ 11 في العاصمة الروسية "سبارتاك موسكو"، لديه ثلاث شركات كبرى - الاتحاد وشكولا والمصارعين - لكل منها شعبة شبابية مرتبطة بها. ويقدر أحد المشجعين الكبار أن هناك 500 عضو نشط في الشركات التابعة لـ"سبارتاك"، على نحو يجعلهم بمثابة جيش صغير ظهرت قوتهم الجماعية لأول مرة في 1999، عندما لعب سبارتاك خارج أرضه ضد رامنسكوي، لتكون أول مباراة في روسيا تتوقف بسبب أعمال شغب. في أغسطس 1998، زعم شبريغن، الذي كان آنذاك مُحرراً لمجلة معجبي فريق دينامو موسكو، أنه تلقى رسالة من رقم مجهول يطلبه لاجتماع مع سياسي معارض بارز من اليمين. وفي اليوم التالي زار مجلس النواب (الدوما)، وحينها رأى أحد قادة الشغب من سبارتاك موسكو وهو يدخل إلى مكتب السياسي ويعرض عليه وظائف. كان دور شبريغن العمل كحلقة وصل بين السياسي والشركة، التي توفر الأمن لحزبه بشكل روتيني مقابل أن يدفع حزبه ثمن انتقالات أفرادها المشاغبين، موضحاً "كان التوقع واضحاً: سيصوت المشجعون بعد ذلك لصالح الحزب في الانتخابات، ويقاتلون عند دعوتهم". وفي 2007، أسس شبريغن "اتحاد المُشجعين الروس"، وزاد نفوذه سياسياً حيث ظهر مع بوتين في ثلاث مناسبات منفصلة على الأقل، قبل تورطه المزعوم في عنف مرسيليا. وبعد فترة قصيرة من تدشينه الاتحاد، دُعي وآخرون للاجتماع من قبل مجموعة يمينية متطرفة، حيث كان مطلوباً منهم مهاجمة فناني موسيقى الهيب هوب أثناء مغادرتهم لحديقة محلية. "الراب موسيقى سوداء.. لذلك ذهبنا إلى الحديقة وانتظرنا". في تلك الليلة شارك الرجل في أول أعمال عنف في الشارع تستهدف أشخاصاً خارج كرة القدم. ويقول ميخائيل أخميتييف، الأستاذ في مؤسسة "سوفا" الفكرية لرصد القومية والعنصرية في روسيا، إن "العديد من الألتراس متعاطفون مع القوميين المتطرفين، بل إن بعضهم يشارك في أنشطتهم"، مُشيرًا إلى أنه في السنوات الأخيرة حدثت زيادة ملحوظة لما يسمى هجمات "العربة البيضاء"، حيث تقوم مجموعات من العنصريين بارتداء أقنعة جراحية وأقنعة للقطارات ومهاجمة أي شخص من أصل غير سلافي. ويرى أخميتيف أن الطريق إلى التطرف سريع وواضح، وأنه لم يكن هناك نقص في الكيانات السياسية التي تتوق إلى المشاركة والاستفادة من هؤلاء المعجبين.
مع صاحب شركة لـ"مُثيري الشغب النازيين"...
على مدار 12 عاماً، كان دينيس نكتين، وهو نازي روسي جديد، واحد من أبرز مقاتلي اليمين المتطرف في مسابقات الفنون القتالية المختلفة "MMA" في موسكو، بعدما شق طريقه في إحدى أكبر شركات "مُثيري الشغب" المشبوهة في روسيا. ولما كان في سن صغيرة كان رفاقه يسخرون من قلة اهتمامه بكرة القدم. ومنذ انتقال أسرته من روسيا إلى ألمانيا، لتعيش في مدينة كولونيا قبل سنوات، تضاءلت اهتماماته بالسياسات اليمنية المتطرفة. وفي الـ 22 من عمره، ركب نكتين الحافلة المتوجهة بفريقه المحلي من كولونيا إلى هامبورغ، مدينة مثيري الشغب اليساريين المفضلة لدى نظرائهم اليمنيين في كولونيا، وحينها تقاطعت انتماءاته السياسية مع هوايته لكرة القدم، وهناك شارك نكتين في الاشتباكات القاتلة بين الجانبين. وعندما عادت عائلته إلى روسيا في أواخر عام 2000، بدأ نكتين يبحث عن فريق جديد وشركة جديدة، وتواصل مع مالك متجر لبيع الملابس كان (نيكتين) يبيعه ملابس "ثور شتاينار"، وهي شركة ألمانية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمجموعات النازية الجديدة. سأله الرجل عما إذا كان يرغب في الانضمام إلى شركة مثيري الشغب لـ"سبارتاك موسكو"، التي كان من المقرر أن تقاتل فريقًا آخر من سان بطرسبرج."ربما تكون الشركات الروسية قد أُجبرت على العمل تحت الأرض مع الاستعداد لاستضافة كأس العالم، لكن الشركات القوية من غير المحتمل أن تختفي - وسيتطلب محو نفوذها عقوداً"" في حديثه إلى صحفي "الغارديان" سيمون باركين، قال نيكتين إن قتال الغابات يكون استعداداً للعنف الذي سيشهده اليوم، بمعنى أنه "بعد قتال الغابات، كنت أقول في كثير من الأحيان للذكور: حسناً، من يريد أن يرفس بعض المهاجرين؟.. سيجيب معظمهم: نعم، يمكننا فعل ذلك". عندما سمع نيكتين لأول مرة عن معارك للغابات، لم يكن لديه اهتمام بكرة القدم أو العنف، يقول "بدا الأمر غبياً جداً"، قبل أن يدعوه صديق له في صالة الألعاب الرياضية المحلية إلى غابة. بالنسبة لنيكتين، الذي احتفظ بصور جوزيف غوبلز (وزير الإعلام النازي في عهد هتلر) في غرفة نومه، فإن الشغب لا يمكن فصله عن نشاط اليمين المتطرف، إذ بعد عودته إلى روسيا أصبح متشدداً بسبب قتاله في دوائر المشاغبين الألمان. وازداد تورطه في العنف ضد المهاجرين، حيث انقسم وقته بين مكافحة مثيري الشغب ومهاجمة الأقليات في الشوارع. وللمساعدة في إلهام جيل جديد من مثيري الشغب في كرة القدم، أطلق نيكتين علامة الملابس الخاصة به "وايت ريكس"، التي تم تسويقها بين مثيري الشغب والنازيين الجدد (في 2013، قام مجرم مدان أطلق على نفسه اسم Tesak بارتداء قميص White Rex في مقطع فيديو صوره بنفسه وهو يهاجم رجلاً مثلي الجنس). ومن الصالة الرياضية إلى الغابة فالشارع، تم ترسيخ أيديولوجية اليمين المتطرف لنيكتين. وفي عام 2016، حصل على دبوسه وهو عبارة عن شارة شرف تمنح للخدمة الطويلة والفعالة.
ماذا ستفعل روسيا في كأس العالم؟
أثارت "الغارديان" التساؤلات حول مدى قدرة الحكومة الروسية على صرف العفريت الذي حضرته، ولو "مؤقتاً"، خلال منافسات كأس العالم. وتحاول موسكو، بحسب الصحيفة، تغيير الصورة الذهنية العالمية عن حقيقة مشجعي كرة القدم في البلاد، ربما عبر صلاحيات أكبر للشرطة واعتبار إطلاق الألعاب النارية كـ"أعمال إرهابية"، واستئجار الكرملين وكالات علاقات عامة ونشر "مشجعين لطفاء" يوزعون الورود والحلوى والشاي الدافىء والبطانيات والتقاط صور السيلفي المُبهجة بالمدرجات. إلا أن ماكسيم سولوبوف، وهو صحفي شارك في المواجهات بين المناهضين للفاشية ومثيري الشغب في الفترة بين 2006 و 2010، يقول "صحيح أن الحكومة تحاول تنظيف صورة كرة القدم قبل نهائيات كأس العالم، لكنهم قلقون أكثر من احتمال حدوث شيء مثل الثورة الأوكرانية هنا، وإذا حدث ذلك، فإن مثيري الشغب اليمينيين سوف يخرجون إلى الشوارع ضد السلطات. لذلك على المستوى الشخصي، ما زالوا يدعمون جماعات المشجعين العنيفين. أعتقد أن السلطة السياسية لا تزال في أيدي المشجعين اليمينيين". وبحسب الصحيفة البريطانية، "ربما تكون الشركات الروسية قد أُجبرت على العمل تحت الأرض مع الاستعداد لاستضافة كأس العالم، لكن الشركات القوية من غير المحتمل أن تختفي - وسيتطلب محو نفوذها عقوداً". الأمر نفسه يؤكده شبريغن لمراسل الغارديان قائلاً "بعد الصيف، سوف ينسانا الجميع"، في إشارة إلى عودتهم للعمل من جديد بعد البطولة. وفي العام الماضي، أصيب الكرملين بالذعر بعد إذاعة شبكة "بي بي سي" وثائقياً حمل اسم "جيش مثيري الشغب الروس". وفي الوثائقي، قال ستيبانوف، الزعيم السابق لشركات "سبارتاك" و"غلادليترز" و"فاسيلي" إن "مثيري الشغب في موسكو هم جنود مشاة بوتين". كان الفيلم "مثل انفجار قنبلة"، حسب أحد كبار مثيري الشغب. وقتها دعت الشرطة الروسية من ظهروا في الوثائقي أن يخبروا المحطات المحلية أنهم أُجبروا على الظهور أمام الكاميرا. وفي مباراة في الشهر التالي، رفع مشجعو "سبارتاك موسكو" لافتة بانورامية تحاكي شعار "بي بي سي"، مع عبارة "بلاه بلاه القناة" بجانب أشخاص يحملون سكاكين. وفي العام 2017، خصص الكرملين وكيلاً للمشجعين في كل أندية موسكو، للعمل مع ضابط ارتباط - فعادة ما يكون هناك كبير للمشاغبين من كل شركة - في محاولة للسيطرة على أعضائهم. وفي ديسمبر 2016، أصدرت محكمة أوامر بمنع 200 من مثيري الشغب من حضور المباريات حتى نهاية كأس العالم. ورغم ذلك ما تزال الصور النازية منتشرة في المدرجات، فوفقًا لتقرير "Fare 2017"، وهي مجموعة لمكافحة التمييز في كرة القدم، "يستخدم مشجعو كرة القدم رموزاً أخرى للنازيين الجدد مثل الصليب السلتي، ورموز الشعارات اليمينية السلافية... وشعارات نازية ألمانية تاريخية مثل: لكل ما يستحقه". ويشير التقرير نفسه إلى أنه خلال موسم 2015-2016، تزايدت الهجمات المعادية للأجانب في المباريات "بشكل ملحوظ"، إحداها تضمنت عبارة "القرود" الموجهة إلى لاعبين سود فرنسيين في مباراة ودية في سان بطرسبرغ.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع