"ليالي الأولى ساق الله تعودي وهينا قاعدين على الحدود جكر فيكو يا يهودي". كلمات يرددها الحاج أبو قصي، وهو لاجئ من مدينة المجدل، أكبر وأقدم المدن الفلسطينية. وفي إحدى خيام مسيرات العودة المنتشرة قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، ينشد أبو قصي الأغاني القديمة مع مجموعة من الشبان الفلسطينيين المستمتعين بما يُرتجل من زجليات على أنغام آلته الموسيقية (الشبابة). يعبر أبو قصي عن سعادته بالوجود في الخيام على الحدود كونه يشم رائحة المجدل القريبة من السياج. يقول لرصيف22 "أنشد خلال مسيرات العودة لكي أعزز الوجدان الشعبي وحب الأرض، وأجسد القيم والمعاني التي طالما تمسكنا بها على مر التاريخ".
إلى ذلك، هناك أغاني الدحية التراثية ورقصات الدبكة القديمة التي يحييها المتظاهرون والأطفال في فعاليات مسيرات العودة الكبرى قبالة خيامهم التي نصبت على طول المناطق الشرقية للقطاع، وعلى بُعد نحو 700 متر فقط من السياج الحدودي مع إسرائيل. بدأت تلك الفعاليات في 30 مارس وتستمر حتى 15 مايو المقبل.
وقد توافدت إلى أماكن المسيرات العودة حشود كبيرة من الفلسطينيين، ولفتت الانتباه مشاركة الكثير من المسنين الذين ولدوا قبل «النكبة» وعايشوا أحداث «النكسة». تنهمك أم رائد سالم التي تقطن في مدينة غزة، وهي في العقد السادس من العمر، بأمور عدة، مع ابنها وأحفادها في الخيمة المقامة شرق المدينة، على مقربة من الحدود، وقالت لرصيف22 "كغيري من اللاجئات واللاجئين متمسكة بحق العودة إلى الأرض والديار التي هُجرت منه. نأتي كل يوم جمعة إلى الحدود حتى نرفع معنويات شبابنا". وتضيف "بنطبخ الأكلات الشعبية متل المسفن البلاد والكشك وبنفتل المفتول وبنوزعه لرجالنا وشبابنا وأودلانا وبنغني النشيد الوطني، وأغاني أيام زمان، متل: على مين لفيتن يا بنات على أبو العبد لفينا يا بنات، شو نفرشلكن يا بنات حرير مرير يا بنات، بكفينا صيتو يا بنات، لفينا على كل العيلة لفينا يا بنات شو غداكم يا بنات خروف غدانا يا بنات بكفينا صيتو يا بنات علي مين لفيتو يا بنات". وتختم أم رائد "وجودنا في الخيام يؤكد حقنا في العودة، ولن يضيع حق وراءه مطالب".
أما الحاجة أم وليد البالغة من العمر 65 عاماً فتقول "احنا الغزازوة مين قدرتنا وحاملين كلشنات وواقفين فوق تربتنا، ويا أبوعابسان لتفرح في نكبتنا، والله ينصر أطفال فلسطين وشباب انتفاضتنا".
ووجد الشاب بلال النجار فرصة لتحصيل قوته اليومي من خلال بيع المكسرات خلال مسيرات العودة. يقول "بآتي من الساعة 5 الصبح. أول جمعة اجيت وقفت على الرصيف لقيت الرزقة حلوة قربت أكتر، وكل جمعة بقرب أكتر من الحدود، وأنا بحلم اني بأخر جمعة اكون موجود بأراضينا الطاهرة وأبيع فيها". ويضيف "أنا جاي لكي أثبت للاحتلال اراضينا هيا حقنا، نريد البيع بالمجدل واسرائيل. كل ما قربت على الحدود رزقي بزيد، خلال مسيرات العودة اتوفقت بالبيع احسن بكثير من الأيام العادية، والحمدلله لأنه كل الناس والعالم متواجدة على الحدود". وتقول أم عدي، وهي واحدة من عشرات النساء اللواتي يقدمن المساعدة كالأكل والماء للمتظاهرين داخل الخيام "أعد خبز (الصاج) أو المرقوق، وهو رغيف مستدير وكبير ورقيق، سمّي كذلك لأنه يُخبز على موقد صاج، وأوزعه على المتظاهرين والنائمين في الخيام". وتتابع هذه السيدة المناضلة والتي جلبت المعدات اللازمة لإعداد الخبز من منزلها وسط مدينة غزة لمكان الخيام "إعداد خبز الطابون هو إحياء للتراث الشعبي الفلسطيني وتذكير بالحياة الفلسطينية البدائية القديمة". وإلى جانبها، بضع نسوة يعددن أكلة السماقية الشهيرة في قطاع غزة. تقول إحداهن "اخترنا السماقية لأنها مرتبطة بالمناسبات السعيدة في غزة وللتأكيد على سلمية التظاهرات".
ىطبق السماقية يتكون من السبانخ والدقيق وزيت الزيتون والفلفل وقطع من اللحم، ويُقدم في الليلة التي تسبق الأفراح والمناسبات السعيدة. ويقول الحاج أبو كمال البالغ من العمر 54 عاماً "اليوم، طبخت عدس على الحطب من مبدأ الوطنية والعودة إلى البلاد، ووزعت الطبخة كما كل يوم على المشاركين". ويضيف "اعتصام مسيرات العودة الكبرى سيتواصل حتى ينقل الشعب الفلسطيني رسالته للعالم، ومحورها حقه في العودة. هذا الحق كفلته كل الشرائع والقوانين الدولية". وصودف انطلاق مسيرات العودة مع مرور يوم الأرض الفلسطيني في 30 مارس الماضي، ودنو مناسبة مرور 70 عاماً على نكبة فلسطين وتهجير اللاجئين من أراضيهم وقراهم التي احتلتها إسرائيل عام 1948.
وكانت جماهير حاشدة من قطاع غزة خرجت في مسيرة العودة الكبرى على الحدود الشرقية للقطاع، فيما أطلقت قوات الاحتلال النار على المسيرة السلمية التي خرجت في 30 مارس، مما أدى لاستشهاد 39 مواطناً وجرح نحو 5000. وبحسب القائمين على المسيرات، فإنهم سيواصلون الاعتصام حتى موعد مسيرة العودة الكبرى في 15 مايو المقبل، الذي يلتقي مع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين