إلى جانب أداء التمثيل، استُخدمت أدوات تعبيرية أخرى في السينما منذ عهد مبكر.
قلّما يخطر على بال أحد في عصرنا أن يكون أول فيلم كرتوني/تحريكي في العالم قد تناول قصصاً مستوحاة من التراث العربي، بل إن أسلوبه البصري كان من الفنون التي ازدهرت قديماً في العالم الإسلامي، وانتقلت في فترة لاحقة إلى أوروبا.
وما نقصده هنا هو فيلم "مغامرات الأمير أحمد"، من كتابة وإخراج الفنانة الألمانية "شارلوت لوتا رينيغر" عام 1926، وقد اعتمدت فيه على تقنية الصور الظلية المتحركة، وهي نمط متطور من فن خيال الظل القائم على فكرة إنعكاس ظل الأشكال والشخصيات أو الدمى على ستار.
كما شهد العام الفائت ولادة نمط فنّي واعد ومبتكَر، يقوم على تحويل اللوحات الفنية إلى فيلم روائي، وقد تكون هذه اللوحات قديمة ومن مدرسة فنية مميزة لدى فنان محدد، فيُصار إلى خلق لوحات مكملة بذات أسلوبه، وتحريك الشخصيات التي ظهرت في لوحاته عبر لوحات معاصرة يدوية الصنع.
الفيلم الأول من نوعه في العالم والذي نال عدة جوائز هامة وترشح مؤخراً لنيل الأوسكار، منسوج من خمسٍ وستين ألف لوحة زيتية، ويتناول حياة الفنان الراحل فانسينت فان غوخ، الذي يحتفل متحفه الرسمي في هولندا بعيد ميلاده في هذه الفترة، كونه ولد في 30/3/1853.
يتمحور الفيلم بشكل خاص حول التحقيق في ظروف وفاته الملتبسة، والتي تتأرجح بين فرضيتي انتحاره أو قتله سواء عمداً أو عن غير عمد. سنتعرف أكثر على الفيلمين وعلى مدى الإسهام العربي في صنعهما.
وهناك، وفي إحدى زيارات المصرفي الثري لويس هاغن للمعهد الثقافي - وكان محباً للفنون ومشجعا للأفكار الجديدة- رأى عمل الشابة الموهوبة فأعجبه وسألها إن كانت قادرة على صناعة فيلم طويل بهذه التقنية، فقطفت فرصتها الذهبية ومن حينها بدأ بتمويل إنتاج فيلمها الذي استغرق ثلاث سنوات من العمل الدؤوب.
كانت براعة الفكرة في حينها أنها أتاحت - على خلاف التصوير الواقعي - صناعة شخصيات سحرية، أحصنة طائرة وعفاريت من دون الإنشغال بتكاليف ضخمة وفريق عمل كبير.
لكن الجهد الكبير كان في صناعة كل تلك الصور وتغيير خلفياتها لإبراز العمق، فكل ثانية احتاجت إلى تحريك الشخصيات والخلفيات على مدار أربعٍ وعشرين "فريم/إطار"، مما يعني أن الفيلم الذي مدته تقارب الستة وستين دقيقة احتاج إلى خلق ستة وتسعين ألف فريم/إطار.
ثم تم جمعها لتظهر وكأنها تتحرك تلقائياً. أما بالنسبة للعمل على الصوت، فالفيلم صامت لكنه احتوى على كلمات مكتوبة على الشاشة في لحظات الحوار الضروري، بالإضافة إلى مقطوعات موسيقية تم استبدالها في العصر الحديث.
وساءت حالته لدرجة أنه قطع جزءاً من أذنه إثر تعرضه لنوبة صرع، فيما يعتقد آخرون أن الفنان غوجين الذي كان صديقه لفترة من الزمن هو من قطعها له.
وبعد إلحاح من أخيه، ذهب فانسينت إلى المستشفى النفسي، حيث توصّل الطبيب المعالج أنه مصاب بداء الصرع.
خرج فانسينت من المستشفى وتعافى جزئياً ورسم عدة لوحات في تلك الفترة وكان سعيداً ، إلى حين أُصيب بطلق ناري في حادثة غامضة عام 1890 حين مشى إلى الطبيب وفي أحشائه رصاصة، ولم يتم إزالتها، فتوفي بعدها بيومين عن عمر 37 عام.
وفي الوقت الذي يتم فيه اعتماد خبر انتحاره كرواية رسمية، يهتم فيلم "في حب فانسينت" بطرح فرضية قوية أخرى، وهي احتمال إطلاق النار عليه من شخص آخر، من دون أن يجزم بأرجحية أي من الفرضيتين.
في كل الأحوال، اشتهر فانسينت كثيراً بعد انتشار خبر انتحاره، وأصبح نموذجاً للفنان الفقير المُعذّب الذي لا يجد من يفهمه، وأصبحت أعماله موضع دراسة وبحث واهتمام وبيع ، لدرجة أن إبداعاته التي تفوق ثمانمئة لوحة، تُصنّف ضمن أغلى اللوحات في العالم، رغم أنه لم يستطع أن يبيع منها إلا لوحة واحدة.
قصة مغامرات الأمير أحمد
يبدأ الفيلم بتعريف الشخصيات، كل شخصية مع اسمها، ثم ينتقل إلى سرد القصة التي يمثل فيها الساحر الإفريقي دور الشرير. يقوم هذا الساحر بتحضير حصان سحري، ويعرضه على خليفة بغداد أثناء مشاهدته للعروض البهلوانية في عيد ميلاده. يعجب الخليفة بالحصان ويطلب أن يشتريه لكن الساحر يرفض كافة الإغراءات ويطلب مقابل الحصان أن يأخذ ابنة الخليفة الأميرة الحسناء دينارزاد. يرفض شقيقها الأمير أحمد هذا العرض، فيقنعه الساحر بأن يجرب الحصان السحري، فيمتطيه الأمير وينطلق الحصان به في السماء من غير رجعة، فيأمر الخليفة بحبس الساحر. يحاول الأمير إنزال الحصان لكن لا يعرف كيفية فعل ذلك إلا بعد أن كان قد وصل به إلى جزر بعيدة، حيث تقع بلاد "الواق واق". هناك يلتقي الأمير بالأميرة باريبانو، وبعد محاولات كثيرة في صده والهروب منه، يستطيع أحمد أن يستحوذ على ودها، إلا أنها تحذره أن عفاريت الجزيرة لكن يتركوه وشأنه. في هذه الأثناء يحرر الساحر نفسه وينطلق إلى مكان الأمير أحمد، حيث يخطف باريبانو ويبيعها إلى إمبراطور الصين. فتتوالى مغامرات الأمير أحمد في محاولته استرداد حبيبته، ويتعرف على علاء الدين وفانوسه السحري، كما يتعرف على ساحرة، ويتعاونون جميعاً في مواجهة درامية تارةً ضد الساحر وتارةً ضد عفاريت الواق واق، حتى ينقذ باريبانو ويعود بها إلى قصر الخليفة. ويشمل الفيلم بعض الحبكات السردية الجانبية.كيفية صنع الفيلم
يعتمد الفيلم على عدة عناصر وشخصيات من ألف ليلة وليلة تم جمعها من عدة قصص لخلق حكاية جديدة من صياغة الألمانية لوتيه رينيغر. ويبدو أن الفنتازيا الشرقية كانت موضع اهتمام كبير في الغرب في أوائل القرن العشرين، خاصة أن حركة المستشرقين كانت في أوجها فيما يخص ترجمة التراث العربي إلى اللغات الأوروبية، وهذا ما خلق صورة سحرية وغامضة وجذابة عن العالم العربي والإسلامي لدى المثقفين الأوروبيين. كانت لوتيه بارعة منذ صغرها في قص الورق وصناعة شخصيات و أشكال لتلعب بظلالها، فاستثمرت موهبتها في صناعة أفلام قصيرة على هذا النسق لصالح معهد الأبحاث الثقافية في برلين."في حبّ فانسنت" يعبّر عن سياسة التمويل العربية المربكة: فهو فيلم بولندي/بريطاني، رغم مساهمة قطر في تمويله
وهناك، وفي إحدى زيارات المصرفي الثري لويس هاغن للمعهد الثقافي - وكان محباً للفنون ومشجعا للأفكار الجديدة- رأى عمل الشابة الموهوبة فأعجبه وسألها إن كانت قادرة على صناعة فيلم طويل بهذه التقنية، فقطفت فرصتها الذهبية ومن حينها بدأ بتمويل إنتاج فيلمها الذي استغرق ثلاث سنوات من العمل الدؤوب.
كانت براعة الفكرة في حينها أنها أتاحت - على خلاف التصوير الواقعي - صناعة شخصيات سحرية، أحصنة طائرة وعفاريت من دون الإنشغال بتكاليف ضخمة وفريق عمل كبير.
لكن الجهد الكبير كان في صناعة كل تلك الصور وتغيير خلفياتها لإبراز العمق، فكل ثانية احتاجت إلى تحريك الشخصيات والخلفيات على مدار أربعٍ وعشرين "فريم/إطار"، مما يعني أن الفيلم الذي مدته تقارب الستة وستين دقيقة احتاج إلى خلق ستة وتسعين ألف فريم/إطار.
ثم تم جمعها لتظهر وكأنها تتحرك تلقائياً. أما بالنسبة للعمل على الصوت، فالفيلم صامت لكنه احتوى على كلمات مكتوبة على الشاشة في لحظات الحوار الضروري، بالإضافة إلى مقطوعات موسيقية تم استبدالها في العصر الحديث.
حياة فانسنت فان غوخ /خلفية الفيلم
أما الفيلم الفني الآخر الذي اعتمد أيضاً على إبداع يدوي فهو "في حب فانسينت". وتكريماً لفانسينت بمناسبة عيد ميلاده، لن نكتفي بالحديث عن الفيلم إنما سنتناول حياته أيضاً. ولد فانسنت فان غوخ في هولندا لعائلة متدينة تنتمي إلى القسم الأعلى في الطبقة الوسطى، يعمل بعض أفرادها في مجال "الوساطة الفنية" أو التجارة الفنية. وعمل فانسينت في هذا المجال لعدة سنوات، فسافر مراراً وتنقّل بين عدة مدن كلندن وباريس، وتعرّف على فنانين وأساليب فنية عديدة وحقق نجاحاً مادياً. تعرّض فانسينت لخيبة أمل عاطفية أثناء إقامته في بريطانيا، فدبّر له والده وعمه فرصة عمل في باريس، التي استقر فيها لفترة قصيرة ثم ما لبث أن عاد إلى بريطانيا.أول فيلم كرتوني/تحريكي في العالم قد تناول قصصاً مستوحاة من التراث العربي بحساسيات بصرية متأثرة بالثقافة إسلامية
حياة الأعمال الإبداعية التي تنمو وتستمر عبر الأجيال: هنا نسج لخمسٍ وستين ألف لوحة زيتية في فيلم عن فان كوخهناك، تطوع في العمل كمعلم في مدرسة وبدأ بالاهتمام أكثر فأكثر بالدراسات المسيحية، فانتقل تدريجياً إلى الحقل الديني، وعمل كمساعد تبشيري لدى الكنيسة البروتستانتية . لم تكن خطب فانسينت بالغة التأثير، فقرر العودة إلى هولندا والبقاء مع أهله، وعمل لفترة قصيرة في مكتبة لكنها كانت تجربة غير ممتعة بالنسبة له، فقضى أوقاته في ترجمة فقرات من الكتاب المقدس إلى عدة لغات، وبدأ التعمّق دينياً وصار زاهداً وترك أكل اللحوم. رغبت عائلته بتحقيق طموحه بأن يصبح قسّيساً، فأرسلوه عام 1877 إلى أمستردام للإقامة عند زوج خالته، الذي كان عالماً لاهوتياً، والالتحاق بالجامعة لدراسة اللاهوت. فاهتم العالِم بفانسينت واستفاد الأخير من الإقامة عنده إلا أنه رسب في امتحان الدخول للجامعة، وأخفق كذلك في الالتحاق بالمدرسة التبشيرية، لكن الكنيسة أرسلته للعمل كمبشّر في مجتمع عمال المناجم في بلجيكا. وتعاطف فانسينت كثيراً مع عمّال المناجم الَمُعذَبين واهتم بعائلاتهم فكان يقدم لهم لباسه وطعامه، وبلغ به الأمر إلى تخلّيه عن سكنه المريح لصالح أحد المشرّدين، وسكن هو بكوخٍ حيث ينام على القش. إلا أن السلطات الكنسيّة اعتبرت نمط حياته مسيئاً لكرامة الكهنوت وتم عزله عن منصبه. فأصبح مُعدماً إلى حين قلِق عليه والداه وشجعه أخوه ثيو على دراسة الفن في بروكسل. وكان ثيو الأخ الأصغر لفانسينت يعمل كوسيط فني ومهتم بتجارة اللوحات والتنظير في الفن، وهو الشخص الأكثر قرباً لفانسينت وقد قدم له دعماً مادياً ومعنوياً طوال حياته، وعرّفه على فنانين أثروا ثقافته البصرية ورعى موهبته بشكل كبير. فالتحق فانسينت بكلية الفنون الجميلة هناك لفترة قصيرة ثم أصبح يتعلم لوحده، وعاد إلى منزل والديه في هولندا. هناك، أحب ابنة خالته وتقدم للزواج إلا أنه وجد رفضاً كبيراً منها ومن والدها. وتركت هذه النكسة العاطفية الثانية خيبةً كبيرة في شخصية وحياة فانسينت، فتوجه للرسم أكثر. وتعرف على الفنان أنطون موف، وكان متزوجاً من قريبته، فشجعه الأخير وعلّمه تقنيات الرسم وأهداه مجموعة الألوان المائية الأولى وأقرضه مبلغاً ليفتح مرسَماً خاصاً به. إلا أن العلاقة بينهما تدهورت بسبب مساكنة فانسينت لمومس مشردة مع ابنتها. وبعد ضغط من عائلته تركها وانطلق يتنقل من مكان لمكان، يرسم الطبيعة والناس والفلاحين والحياة اليومية، إلى أن قرر الإنتقال إلى باريس تبعاً لنصيحة أخيه، الذي يقطن هناك. فعرّفه على المشهد الفني الباريسي واستفاد فانسينت كثيراً من معارض الفنانين الانطباعيين، مما أثّر على أسلوبه الفني بشكل كبير. لكن على الجانب الآخر، توترت العلاقة مع أخيه، خاصة مع اعتقاد فانسينت أن أخاه لا يبذل الجهد الكافي لبيع لوحاته، كما أثر الطقس الباريسي السيء على مزاج فانسينت فازدادت حدته. حينها انتقل للعيش في الريف في جنوب فرنسا، وفتح مرسماً وأبدع بإنتاجاته الفنية رغم تقلّب حياته ومزاجه النفسي، إذ ظل فقيرا يقضي أوقاته بالرسم، ولا يأكل إلا قليلا مع إدمان التدخين والكحول.
تُصنّف لوحات الفنان فان كوخ ضمن أغلى اللوحات في العالم، رغم أنه لم يستطع أن يبيع منها في حياته إلا لوحة واحدة.
وساءت حالته لدرجة أنه قطع جزءاً من أذنه إثر تعرضه لنوبة صرع، فيما يعتقد آخرون أن الفنان غوجين الذي كان صديقه لفترة من الزمن هو من قطعها له.
وبعد إلحاح من أخيه، ذهب فانسينت إلى المستشفى النفسي، حيث توصّل الطبيب المعالج أنه مصاب بداء الصرع.
خرج فانسينت من المستشفى وتعافى جزئياً ورسم عدة لوحات في تلك الفترة وكان سعيداً ، إلى حين أُصيب بطلق ناري في حادثة غامضة عام 1890 حين مشى إلى الطبيب وفي أحشائه رصاصة، ولم يتم إزالتها، فتوفي بعدها بيومين عن عمر 37 عام.
وفي الوقت الذي يتم فيه اعتماد خبر انتحاره كرواية رسمية، يهتم فيلم "في حب فانسينت" بطرح فرضية قوية أخرى، وهي احتمال إطلاق النار عليه من شخص آخر، من دون أن يجزم بأرجحية أي من الفرضيتين.
في كل الأحوال، اشتهر فانسينت كثيراً بعد انتشار خبر انتحاره، وأصبح نموذجاً للفنان الفقير المُعذّب الذي لا يجد من يفهمه، وأصبحت أعماله موضع دراسة وبحث واهتمام وبيع ، لدرجة أن إبداعاته التي تفوق ثمانمئة لوحة، تُصنّف ضمن أغلى اللوحات في العالم، رغم أنه لم يستطع أن يبيع منها إلا لوحة واحدة.
كيف صُنع الفيلم ؟
وثّق فان غوخ حياته برسم الأشخاص من حوله ورسم نفسه في لوحاتٍ عديدة ، ولعل كل واحدة منها تحكي جزءاً ما من مرحلة محددة من عمره. ولما قرأت الرسّامة والمخرجة دوروتا كوبييلا الرسائل المتبادلة بينه وبين أخيه، ودرست أسلوبه وأعماله، أحبت تكريمه بفيلم عن حياته. وليس هنالك من طريقة لتكريمه أفضل من أن تكون بأسلوبه الخاص الذي أراد أن يعبر من خلاله عن نفسه، حسب تعبير المخرجة. تعتمد قصة الفيلم على شاب يُدعى أرماند رولين (وهو أحد الشخصيات الحقيقية التي رسمها فان غوخ) يذهب بعد سنة من وفاة فانسينت إلى باريس وجنوب فرنسا، أي إلى الأماكن التي قضى بها فان غوخ آخر سنين عمره، من أجل الاستفسار عن كيفية موته. فتكون إجابات الأشخاص الذين التقوا بفانسينت (ورَسَمَهم) هي المحرك الأساسي للفيلم، فلكل واحد منهم سردية للحدث مختلفة عن الآخر، تعيد خلق مشاهد من حياة فان غوخ. لذلك، تم اختيار ممثلين يشبهون الشخصيات التي تظهر في لوحاته، وتصميم أزياء مشابهة لأزياء الشخصيات في أعماله. ثم تمثيل المشاهد بشكل اعتيادي أمام الكاميرا، مع استعمال مؤثرات خاصة و تقنية "الصور المنشأة بالحاسوب" من إجل دمج حركة الشخصيات مع صور البيئة المرسومة في اللوحات. من بعدها أصبح الشريط جاهزاً لتقديم المشاهد للرسامين، كي يعتمدوها كمرجع ويحولوا كل لقطة إلى لوحة زيتية. وينتهي الفيلم بمقولة رائعة لفانسينت : "أريد أن ألمس الناس من خلال فني، أريدهم أن يقولوا: إنه يشعر بعمق، إنه يشعر بحساسية مرهفة".المساهمة العربية
يُعتقد أن الموسيقى الألمانية الأصلية لفيلم مغامرات الأمير أحمد لم تكن مناسبة لأنها لا تتماشى مع الأجواء الشرقية للقصة. ولذلك، في كل مرة عُرض فيها الفيلم ببلدٍ ما، كان وما زال يُصار إلى تكليف عازفين بمهمة عزف موسيقى حية مرافقة للعرض. لكن بدأ مشروع وضع موسيقى جديدة للفيلم عبر معهد غوته الألماني في الأردن عام 2006، عندما قدم الأخوة خوري والموسيقية أجنس بشير عرضاً حياً مرافقاً للفيلم، وتم حينها تأليف مقطوعة غير مكتملة له. ثم تطورت الفكرة وانتقل إيليا وباسل وأسامة خوري إلى باريس، حيث عملوا على وضع مقطوعات موسيقى تصويرية مشغولة لتغطية الفيلم بالكامل، بمبادرة من معهد العالم العربي في باريس عام 2013. وقد أبدع الثلاثي خوري في صناعة مزيج موسيقي يشمل عدة أنماط من التراث الشرقي اختلطت مع أنغام غربية، فتولّدت موسيقى تصويرية باهرة تُشعر المشاهد وكأنها الموسيقى الأصلية للفيلم وقد صُنعت من أجله منذ تسعين عام. وبإمكاننا القول أن هذه المشاركة العربية في وضع موسيقى تصويرية لهكذا فيلم عالمي هي إنجاز حقيقي يمهد للمزيد من الإنجازات العربية والعالمية في هذا المجال. أما بالنسبة للمساهمة العربية في فيلم "في حب فانسينت" 2017، فقد شاركت مؤسسة الدوحة للأفلام بتمويله، واستطاعت وضع اسم قطر - في النطاق المحلي والعربي - إلى جانب بولندا والمملكة المتحدة عند تعريفها عن البلدان التي ساهمت في إنتاج العمل. للوهلة الأولى يبدو الأمر مثيراً للإعجاب أن يظهر إسم دولة عربية في تمويل فيلم عالمي بهذه الجودة، لكن عند ملاحظة طريقة تعاطي الصحافة العالمية مع هوية الفيلم، فإننا ندرك أن وصل نسبه بالدوحة ليس بهذه السهولة. فقد وُصف الفيلم في المواقع الأجنبية بأنه بولندي/بريطاني، ولم يوصف بأنه قطري إطلاقاً، بل قلما ذُكر أن قطر قد ساهمت في تمويله. وهذا الأمر يعود بشكل أساسي إلى أن الأشخاص الرئيسيين في فريق العمل ليس بينهم أحد قطري أو عربي. فالفيلم من كتابة وإخراج وإنتاج هيو ويلشمان ودوروتا كوبيلا، وهو بريطاني وهي بولندية، ومعظم المبدعين والرسامين والنجوم المشاركين في العمل أجانب، بالإضافة إلى أنه لم يصور في قطر. وبالتالي، لم يرث الفيلم أية ملامح قطرية ممكن أن تشفع لتمويلها له أو لربطه بها، ولا ساهم بتطوير أية مواهب أو مهارات قطرية أو عربية أثناء صناعته، كما لم يحقق الصدى الإعلامي المرجو منه بتعريف العالم أن الدوحة قد ساهمت في تحويله إلى حقيقة. ومهما كانت نسبة الأموال العربية المستثمرة فيه، فلن يهتم الإعلام العالمي كثيراً بمسألة من موّل الفيلم ولن يعترف بهذا الفضل، إلا إذا كان هنالك كفاءات ومهارات عربية مشاركة فعلياً في صناعته، سواء على صعيد صناعة المحتوى أو القصة أو بلد التصوير أو فريق العمل. وهذا ما لا تنتبه إليه المؤسسات الفنية الخليجية التي تسعى للوصول إلى العالمية، من دون المرور بعتبة المحلية، التي هي الطريق الوحيد للوصول إلى العالمية. إن قصة فانسينت ستجد في الغرب من يمول إنتاجها في كل الأحوال، فلن يعيق مسيرتها عدم وجود تمويل عربي وليست متوقفة عليه ولذلك هي في غنىً عن أبوته لها، فلديهم صناعة سينمائية متكاملة هناك، وهي جزء هام في دورة إقتصادهم وثقافتهم كما أن لها سوق محلي كبير أيضاً. أما البلاد التي تفتقر إلى كل ذلك فالأولى بها التركيز على تطوير المشهد المحلي والإقليمي وتمويل القصص العربية ليتمكن هذا الجيل من نقل تراثه وتجاربه إلى العالم. وهذه الحالة تطرح مجدداً مسألة جدوى سياسة المنح والدعم والتمويل في تلك المؤسسات، هل هي فعلاً تطبّق رؤى صحيحة تخدم المشهد الثقافي المحلي والإقليمي العربي كي تفكر بالقفز إلى المشهد العالمي؟ بالغالب كلا. هنالك استثناءات كمتحف الفن الإسلامي الذي نجح بخلق مشهد وحراك محلي في الدوحة، كما استطاع جذب إهتمام المواطنين والمقيمين واستقطاب الباحثين والسياح والأضواء العالمية، لأنه قرر أن ينطلق من الثقافة المحلية أو الإقليمية، كفن إسلامي يرتبط بهوية البلد والمنطقة. أما مؤسسة الدوحة للأفلام، فعلى الرغم من الميزانية الهائلة المرصودة لها منذ انطلاقها من حوالي تسع سنوات، فإنها لم تنجح في إطلاق فيلم طويل واحد يمثّل الدوحة أو يشبهها، عدا عن ضعف معظم الأفلام القطرية القصيرة التي تنتجها. ولا يعود ذلك إلى انعدام المواهب الوطنية أو العربية المقيمة في الدوحة ولا بسبب مستوى المشاريع المقترحة التي طُوّر بعضها تحت إشراف وإعجاب المؤسسة ثم أُهمل ولم ير النور، إنما تكمن المشكلة في سياسة الدعم والتمويل التي تنتهجها، والتي تلقّت إنتقادات كثيرة من المواطنين والمقيمين على حد سواء. في الواقع، لدينا الكثير مثل "شارلوت لوتيه رينيغير"، يبحثون عن "لويس هاغن" ليقدّر مواهبهم فيؤمن بها ويستثمر فيها لتشكّل مغامرات إبداعية جديدة تنافس "مغامرات الأمير أحمد" أصالة وابتكاراً، لكن المؤسسات الفنية العربية تختار في كثير من الأحيان أن تجعلهم مثل "فانسينت فان غوخ"، ثم تمول فيلماً "في حب فانسينت" بعد رحيلهم. ولو قُدر لفانسينت سؤاله حول ما إذا كان يُفضّل أن ينال تمويلاً لإنتاج فيلمٍ عنه، أو يُقدَم التمويل لمواهب فنية جديدة، لاختار بلا شك الخيار الثاني، لأنه يعلم جيداً ماذا يعني أن تكون موهوباً ولا تجد الفرصة التي تستحقها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع