شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الحرب الباردة بين إسرائيل وحزب الله... على الطريق إلى حرب ثالثة مدمّرة

الحرب الباردة بين إسرائيل وحزب الله... على الطريق إلى حرب ثالثة مدمّرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 24 أكتوبر 201603:13 م

"أساليب حزب الله تذكّر بالحرب الباردة التي كانت في أوروبا". "الردع المتبادل ينتج توتراً كبيراً". هذه العبارات قالها قائد الجبهة الشمالية الأسبق في الجيش الإسرائيلي، غادي إيزنكوت، في 24 مايو 2010، أي بعد أربع سنوات من حرب تموز.

في ذكرى العاشر من محرّم الأخيرة، توعّد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الإسرائيليين بأنّهم لن يجدوا مكاناً آمناً على امتداد فلسطين لا تصل إليه صواريخ حزب الله. أتى الردّ الأقوى على لسان وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، حين هدّد بإرجاع لبنان إلى العصر الحجري. لا يمكن فهم الحروب الكلامية المشابهة من دون الاستعانة بمفهوم الحرب الباردة وبمفهوم الردع، أي تهديد الخصم بأنه سيجابَه بقوة ضخمة ستدمره وذلك بهدف منعه من أي اعتداء. وعليه، غالباً ما تكون الغاية من التصعيد الكلامي بين حزب الله وإسرائيل هي تبريد الجبهات.

لا نريد حرباً

حالياً، من مصلحة الطرفين، الإبقاء على الهدوء النسبي القائم منذ انتهاء حرب تموز 2006، وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها:

ـ جمّدت حرب غزة الأخيرة أي تفكير إسرائيلي في شن حرب على لبنان. فطوال مدة الحرب (51 يوماً) فشلت فكرة الحسم السريع. وما لقيه لواء النخبة "غولاني" في حي الشجاعية فرض على اسرائيل إعادة النظر بمفهوم الاجتياح البري الذي توعدت لبنان به في الحرب المقبلة.

ـ ترى إسرائيل في دخول حزب الله الرمال السورية، فرصةً كبيرةً لاستنزافه، واستنزاف إيران من ورائه، وإدخاله في أتون حرب مذهبية، تعود بالفائدة على إسرائيل. لذلك هي تفضل حالياً مراقبته من بعيد.

ـ بالنسبة لحزب الله، فإنه يرى في حالة اللاحرب القائمة فرصة لزيادة جهوزيته في مختلف الميادين. فيعمل على مراكمة خبراته وقدراته. يفضّل الابتعاد عن أيّة مواجهة شاملة مع الإسرائيليين في الوقت الذي يقاتل فيه على أكثر من جبهة.

ـ يدرك الفريقان حجم التدمير المتبادل في الحرب المقبلة. غياب اليقين حول كيفية نهايتها، يجعلهما يؤجلانها قدر المستطاع.

الحرب الأمنية الساخنة

في الوقت الذي تقل فيه حظوظ الحرب الساخنة، تستعر حرب باردة بين الطرفين، عنوانها الحرب الأمنية.

في 12 فبراير 2008، اغتيل عماد مغنية قائد الجناحين الأمني والعسكري لحزب الله. سارع الحزب إلى إتهام إسرائيل بالوقوف وراء اغتياله. فإسرائيل كانت تتهمه بالتخطيط لعشرات العمليات ضدها كتفجير السفارة الإسرائيلية في بيونس إيرس، في الأرجنتين، في 17 مارس 1992، بعد سنة على اغتيال الأمين العام الأسبق للحزب السيد عباس الموسوي.

أقسم نصر الله بالثأر من اسرائيل. وبالفعل جرت بضعة حوادث أمنية في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية وصفتها إسرائيل بمحاولات ثأرية رداً على اغتيال مغنية. فبعد حوالى الشهرين على اغتياله ألقي القبض في أذربيجان على لبنانييْن اُتهما بمحاولة تفجير السفارة الإسرائيلية (أفرج عنهما لاحقاً في صفقة لتبادل موقوفين بين إيران وأذربيجان). وفي العام نفسه تحدثت مصادر إسرائيلية عن 6 محاولات لضرب مصالح إسرائيلية في تركيا.

وبعد أربع سنوات، في فبراير 2012، اتهمت إسرائيل حزب الله وإيران بالوقوف وراء سلسلة العمليات التي استهدفت دبلوماسييها في تايلند والهند وجورجيا. جاءت هذه المحاولات في الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال مغنية. أما التطور الأبرز فكان اتهام بلغاريا لعناصر من حزب الله بالوقوف وراء تفجير حافلة سياحية كانت تقل اسرائيليين في بورغاس، في يوليو من العام نفسه. في الشهر عينه، ألقي القبض على لبناني في قبرص واُتهم بمحاولة ضرب أهداف إسرائيلية.

لم تبق إسرائيل مكتوفة الأيدي أمام محاولات حزب الله. في ديسمبر 2013، اغتيل المهندس حسان اللقيس أمام منزله في الضاحية الجنوبية لبيروت. اللقيس هو أحد "كوادر" حزب الله. بحسب إسرائيل، كان يدير وحدة الحرب الإلكترونية ضدها، وكان المسؤول عن إرسال طائرة الاستطلاع "أيوب" التي حلقت فوق اسرائيل، قبل حوالى الشهرين من اغتياله. تحليق الطائرة نفسه هو جزء من الحرب الباردة فقد أتى رداً على الخروق المتكررة لسلاح الجو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية.

على الرغم من تخوف البعض من أن تؤدي الحرب الأمنية الباردة إلى اندلاع حرب ساخنة، فإن الطرفين مهتمان بعدم تفاقم الوضع. هذا يفسر عدم تبني أي من العمليات رسمياً وذلك رغبةً بعدم إحراج الخصم وسوقه إلى القيام برد عسكري مباشر.

الصراع على القدرة

في ظروف الحرب غير المتكافئة وفي ظلّ التفوق الجوي الإسرائيلي، وجد حزب الله في القدرة الصاروخية، الوسيلة الأنجع في المعركة. تهديده باستهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، أوجد نوعاً من "توازن الرعب"، أو "الردع المتبادل"، بينه وبين عدوّه.

افتتحت اسرائيل حرب تموز بعملية أسمتها "الوزن النوعي" وهدفت إلى تدمير صواريخ "فجر" الإيرانية. لم تنجح في تحقيق هدفها القاضي بتدمير ترسانة حزب الله من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى. بعد انتهاء الحرب عاد حزب الله وراكم قدرات صاروخية تفوق ما كان يمتلكه قبل الحرب ورأت اسرائيل في ذلك تهديداً لها.

في غزّة تعمل اسرائيل، في فترات متباعدة نسبياً، على شنّ حروب على حركة حماس لمنع تعاظم قدرتها. تسمّي عملياتها هذه بـ"جزّ العشب". لا تستطيع إسرائيل اعتماد  الإستراتيجية نفسها مع حزب الله نظراً لفداحة الخسائر التي ستتكبدها. لذلك تبنت إستراتيجيات مختلفة هي:

1 ـ صدأ الصواريخ

أطلقها رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، موشي يعلون، وتم تبنيها بين العامين 2006 و2008. رأى الإسرائيليون أن أي مواجهة عسكرية لن تفضي إلى القضاء على حزب الله، ولذلك من الأفضل تركه يغرق في مشاكل السياسة الداخلية اللبنانية، الأمر الذي سيبعده عن مواجهة إسرائيل ويجعل من صواريخه خردة مع مرور الزمن.

2ـ عقيدة الضاحية

أعلنها غادي إيزنكوت، قائد المنطقة الشمالية، في 4 أكتوبر 2008، رداً على تهديدات نصر الله، خلال تأبينه لمغنية، بشن حرب تغير وجه المنطقة. تقضي عقيدة الضاحية برد إسرائيلي غير متناسب على إطلاق أي صاروخ تجاهها، وبتعميم الدمار الذي شهدته الضاحية الجنوبية لبيروت في حرب تموز على مختلف الأراضي اللبنانية.

3ـ الردع المتبادل

في 14 أغسطس 2009، أعلن نصر الله معادلته الجديدة: "إذا قصفتم الضاحية فسنقصف تل أبيب". ثم في 16 فبراير 2010، تحدى نصر الله الإسرائيليين بأنهم إذا دمروا مبنى في الضاحية سيدمر أبنية في تل أبيب. أتت هذه التصريحات لإعادة تفعيل معادلة الردع التي أختلت مع عقيدة الضاحية وبالتزامن مع تقارير إسرائيلية تحدثت عن امتلاك حزب الله أكثر من 40 ألف صاروخ، بينها صواريخ ذات قوة تدميرية كبيرة من طراز "زلزال" و"M600"، وتستطيع الوصول إلى "غوش دان" (المنطقة التي تضم تل أبيب وجوارها).

أمام هذا الواقع أقر إيزنكوت، في 24 مايو 2010، بالحرب الباردة مع حزب الله وبالردع المتبادل، وفعّلت إسرائيل دفاعها السلبي عبر زيادة جهوزية الجبهة الداخلية وعزّزت دفاعها الإيجابي المتمثل بمنظومات اعتراض الصواريخ كالقبة الحديدية ونظامي حيتس وباتريوت.

السلاح الكاسر للتوازن

مع دخول حزب الله الحرب السورية، تخوفت إسرائيل من أن يؤدي تعزيز الحلف الاستراتيجي بين نصر الله والنظام السوري إلى نقل أسلحة متطورة من سوريا إلى لبنان. جرى الحديث تحديداً عن نوعين من الصواريخ الكاسرة للتوازن: صاروخ "ياخونت" وهو صاروخ روسي بحري موجّه، مداه 300 كلم ويسير بسرعة كبيرة تصل إلى 750 متراً في الثانية ويستطيع التهرّب من الرادارات ليضرب السفن برأس متفجر زنته 200كلغ؛ وصاروخ "فاتح 110" وهو صاروخ إيراني أرض-أرض موجه يصل مداه إلى 300 كلم وذو قدرة تدميرية عالية.

ارتسمت حدود لعبة جديدة. وضعت إسرائيل خطوطاً حمراء تقضي بمنع نقل أي أسلحة ثقيلة من سوريا إلى الأراضي اللبنانية. هذه المرّة تحركت عسكرياً. فأغارت طائراتها على مواقع قرب دمشق مرتين، في مايو واكتوبر 2013. قيل إنها استهدفت مخازن صواريخ "فاتح 110" كانت ستنقل إلى حزب الله. وفي يوليو أغارت على اللاذقية وتحدث التقارير عن استهدافها شحنة من صواريخ "ياخونت".

لم يقم حزب الله بأي ردّ. ترسخت قواعد اشتباك جديدة على الشكل التالي: ما دامت الغارات تستهدف الأراضي السورية فإن الرد سيكون بالاستمرار في محاولة نقل الأسلحة النوعية. وتحدثت تقارير إعلامية بعد ذلك عن وصول الـ"ياخونت" إلى لبنان بعد تفكيكه إلى أجزاء هرباً من الرقابة الإسرائيلية. في آخر التقارير العسكرية الإسرائيلية يُحكى عن أن حزب الله صار يمتلك 100 ألف صاروخ، منها 5 آلاف قادرة على الوصول إلى غوش دان.

إلا أن شيئاً قد تغيّر حين أغارت اسرائيل على أحد مواقع الحزب على الحدود اللبنانيةـ السورية، في 24 فبراير الماضي. رأى حزب الله في تلك الغارة محاولة لتغيير قواعد الاشتباك القائمة منذ بداية الأحداث السورية ونقلاً لميدان الصراع على القدرة من الأراضي السورية إلى الأراضي اللبنانية.

ليعيد حزب الله رسم الحدود القديمة، أطلق صواريخ على موقع للجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ. بعدها بشهر، فجّر عبوة ناسفة في مزارع شبعا. وعندما فجّرت اسرائيل جهاز تنصت زرعته داخل الأراضي اللبنانية وقد أودى التفجير بحياة أحد عناصر حزب الله، استهدف الحزب بعبوة ناسفة متطورة، جنوداً إسرائيليين في مزارع شبعا.

الحرب الثالثة

إن أي خطأ في حسابات أحد الطرفين عبر إساءة تقدير استعداد الطرف الآخر لخوض معركة واسعة، سيؤدي إلى حرب شاملة. فهل ستنهار قواعد الاشتباك بفعل غارة إسرائيلية على قافلة سلاح داخل الأراضي اللبنانية؟ أم سيؤدي ثأر حزب الله لإغتيال مغنية واللقيس إلى معركة ساخنة؟ أم أن حرباً ستندلع على خلفية الصراع على البرنامج النووي الإيراني؟ خطأ صغير وتندلع حرب ستكون عنيفة ومدمّرة. وفي ظل الصراع الدائم على فرض قواعد اللعبة قد يحدث هذا الخطأ في أي وقت.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image