"ونزلت على شط البحر
لقيتهم سافروا والريح مطاوعهم
ناديت ريس المركب لحتى يرجعهم
هذول حبابي راحوا مفتاح القلب معهم"
رحلت ريم بنّا عن عالمنا، رحل الصوت الفلسطيني الأصيل، الذي خرج من رحم النضال، ليعيش رحلة كاملة في مقاومة سرطانَيْ المرض والاحتلال.
52 عامًا كان عمرها حينما فارقتنا بالأمس، لكن وجهها المشرق يخدعكم وكأنها في مطلع الثلاثين، تتذكرون في صفحة وجهها عدة مشاعر مختلطة، المقاومة، الصلابة، البراءة، النقاء، ربما ترون صورة فيروز فيها، هي "فيروز فلسطين" كما رآها الشاعر محمود درويش، مزيج الصوت الطربي القوي والحس المُقاوم العاشق للحرية.
ظلت ريم تناضل في كل الاتجاهات، قاومت سرطان الثدى مرتين، مرة عام 2009 وشفيت منه ثم أصيبت به مرة أخرى عام 2015 لتتنقل في رحلة علاجات ما بين الكيماوية والطبيعية، وفي كل مراحل حياتها كانت تقاوم بصوتها وقلبها الاحتلال الإسرائيلي.
ريم في اللغة العربية تعني الظبي الشديد البياض، لذا كانت رفيقتنا اسماً على مسمّى. فارقتنا الغزالة فجأة. منذ فترة والموت يحصد أرواح مُلهمينا، يبدو أنه يُجيد الاختيار، يختار الأنقياء ليبقوا بجواره ويترك لنا ما نحن فيه، لم يتبق لدينا الكثير بعدكِ يا ريم.
مات مكاوي سعيد فجأة، ورحل صبري موسي وإدوار الخراط وعلاء الديب ومحمود عبد العزيز وفاتن حمامة وعمر الشريف ونور الشريف وشادية، ثم جاء دورك، من تبقى لنا إذن؟
ما زلت بيننا بصوتك ريم، صوتك الذي بُح دون مُجيب، نشهد أنكِ بقيت تغنين حتى راح صوتك، وما برحت تقاومين حتى الموت. كثيرون يذهبون ولا يجيئون، ذهب جسدك وبقى صوتكِ حاضراً.
المسيرة
لريم عدة ألبومات غنائية محملة بروح المقاومة، فألبومها الأول كان "جفرا" على اسم أغنية فلسطينية تراثية، ثم أصدرت بضعة ألبومات، منها "دموعك يا أمي" وألبوم "الحلم"، الذي فازت الأغنية التي حملت اسمه بالمرتبة الأولى مرتين متتاليتين في سباق الأغاني بإذاعة "مونت كارلو"، وهي أغنية من كلمات أمها الشاعرة زهيرة صبّاغ. كما صدر لها ألبوم "وحدها بتبقى القدس" ثم ألبوم "مواسم البنفسج" وألبوم "مرايا الروح" الذي أهدته إلى الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وآخر ألبوماتها كان "تجليات الوجد والثورة" الذي أطلقته عام 2013 في أوسلو بالنرويج بدعم من عازف البيانو العالمي النرويجي "بوغي وزلتوفت". وتضمن 12 أغنية، منها ست صوفية هي قصائد تراثية لابن عربي وابن الفارض، والحلاج، ورابعة العدوية، والست الأخرى لشعراء عرب مثل بدر شاكر السيّاب ومحمود درويش، وراشد حسين الذي اغتاله الموساد في السبعينيات وقد لحنت ريم جميع قصائده. فالوجد باقٍ "يا ريم" والوصال مماطلي والصبر فانٍ واللقاء مسوفي... كلمات لابن الفارض في قصيدته قلبي يحدثني غنتها بنّا في ألبومها الأخير.الرهافة والصرامة في عينيها
بعد هذه المسيرة الفنية الحافلة بالمقاومة منعها شلل حبلها الصوتي الأيسر من الغناء، لكنه لم يمنعها من التأثير، لم يسلبها حبنا لها، ظلت على العهد دوماً واقفة كالسندان، بابتسامة صافية تقاوم العجز بعينين من نوع خاص امتزجت فيهما الرهافة والصرامة، لا تعرف إن كان رسمُ عينيها رقيقاً أم حاداً، ربما الجمع بين الفن والمقاومة هو السبب، رقيقة هي ملامحها مع أحبائها لتسعدهم، وحاسمة صلبة مع العدو. تحمل ريم عدة مشاعر ممتزجة في ملامحها، فإذا اضطرت "الغزالة" أن تصبح أسداً، تستطيع ذلك بسهولة، وإذا كانت فريسة فهي فريسة مرفوعة الرأس، كانت فريسة للمرض وللاحتلال، لكنها لم تنحنِ، تُقاوم وهي ترفع رأسها عالياً، تبتسم فيتعجب المرض من قوتها ويخور أمامها متعجباً.أن تقاوم المرض بالابتسام
بعد 9 سنوات من مقاومة السرطان وعمر كامل في مقاومة الاحتلال ودعتنا "الغزالة" التي واجهت المرض بالابتسام فقط، هزمته في الجولة الأولى عام 2009 لكنه نال منها مرة أخرى عام 2015 وقالت حينها إنها ستتعافى من المرض كما تعافت من قبل، لأنها تحب الحياة والناس وتريد أن تغني أكثر لشعبها وبلدها، وظهرت وقتذاك حليقة الرأس قوية متماسكة ولم تنكسر أو تختفِ عن عيون جمهورها. أثارت صورها دون شعر الرأس الكثير من الجدل، وظنّ البعض أنها تنشرها لتتماشى مع الموضة، لكنها أوضحت في تعليق على "فيسبوك": "ليست موضة ولا صرعة ولا New Look إنها مرحلة جديدة من حياتي، هي مرحلة مؤقتة مدتها أشهر قليلة، فيها سأختبر نفسي للمرة الثانية، وأعرف أنّي سأكون قادرة على اكتشاف روحي أكثر وقوّتي وشجاعتي بشفافية مُطلقة ومُعلَنَة لأني لا أخفي شيئاً عنكم كما تعلمون فأنتم أحبّتي الرائعون". ولقد خلونا معكِ "يا ريم" وبيننا.. سر أرقُّ من النسيم إذا سرى .. سندر لحظانا في محاسن وجهكِ .. نلقى جميع الحسن فيكِ مصوراً .. نستحضر صوتك ونغني لكِ كما غنيت لنا "زدني بفرط الحب فيك تحيراً".مناضلة كأم
عاشت ريم كأم مناضلة، فبعد أن سافرت إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للموسيقى وتخرجت فيه عام 1991، تزوجت من زميل أوكراني لها في المعهد وأنجبت 3 أطفال، وكان زوجها داعماً وسافر معها إلى عدة بلدان، إلا أن قصتهما انتهت بالانفصال، فعاشت في الناصرة مسقط رأسها، ترعى أولادها وتحميهم. قبل أسبوعين، كتبت ريم رسالة مؤثرة لأولادها، كأنها كانت تستحضر الموت، قالت فيها: "بالأمس .. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي. فكان علي أن أخترع سيناريو. فقلت: لا تخافوا. هذا الجسد كقميص رثّ لا يدوم. حين أخلعه سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق وأترك الجنازة "وخراريف العزاء" عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام ... مراقبة الأخريات الداخلات والروائح المحتقنة... وسأجري كغزالة إلى بيتي"... وداعاً أيتها الغزالة، وداعاً ريم بنّا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع