من منا لم يسمع بـ"بياض الثلج" وقصة "الأميرة النائمة" و"سندريلا"؟
إنها قصص اشتهرت على حساب غيرها، من تراث مذهل قدمه الأخوين غريم من الحكايات الخرافية الشعبية التي جمعاها من الفلكلور والتراث الأوربيين، مع تركيز على الثقافة الألمانية.
ترجمت هذه القصص إلى أكثر من 160 لغة حول العالم، ولكنها فرّغت من صبغتها المركبة، وبسّطت لتصبح خفيفة مناسبة للأطفال، فراحت تصاغ في كلّ مرة متماشية مع ثقافات الشعوب التي تترجم إليها، فمثلاً تحولت قصة "ذات القبعة الحمراء" للأخوين غريم إلى قصة "ليلى والذئب".
مجلة سورمَي، وهي مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين، باللغتين الكردية والعربية، تصدر بنسخة ورقية، في قامشلي، وتوزّع بشكل أساسي في مدن الجزيرة السورية، بإصدار قصة "الإخوة الاثني عشر" للأخوين غريم مترجمة من الألمانية مباشرة إلى الكردية والعربية (الكردية لبارين شيخو، والعربية لرودي شيخو، المقيمان في ألمانيا).
هناك قنوات فضائية كردية بعضها موجّه للكرد في سوريا ضمن ساعات محددة في بثّها، أو بشكل واسع وكبير، إضافة إلى عشرات الإذاعات المحلّية التي تبثّ في المنطقة تتجاوز ساعات البثّ فيها بالكردية 70%، وبعض المجلات والصحف، تضم معظمها أقساماً بالكردية في نشراتها.
ولكن، مع ذلك، تكاد تفتقد هذه المنابر إلى مخاطبة الأطفال لما يمكن أن يكون رافداً للعمليّة التعليمية بالكردية، أو حتى رافداً للمكتبة الكردية الموجّهة للأطفال باعتبارهم طبقة القرّاء المفترضة في حقبة ما بعد منع اللغة الكردية.
يشرح إبراهيم خليل، كاتب ومترجم، المشكلة لرصيف22:
"لا شك، ثمة تقصير هائل فيما يتعلق بالمواد الرافدة للمنهاج المدرسيّ، أعني المواد بأشكالها الثلاثة المرئية والمسموعة والمقروءة، فعلى صعيد الصورة تسيطر السياسة وأخبار الحروب على مجمل ساعات البث في الفضائيات الرسمية، وتكاد اﻹذاعات تكون نسختها السمعية، أما المجلات والصحف والنشرات فحدّث ولا حرج".
وفي أحد الأيام، بحسب القصة، تنتبه الأميرة، بينما كان الخدم يقومون بغسل الثياب في القلعة، إلى وجود اثني عشر قميصاً، وتسأل أمّها: "لمن هذه القمصان يا أمي؟! لا يمكن أن تكون لأبي لأنّها صغيرة جداً!" فتجيب أمها:
"طفلتي العزيزة، هذه الملابس لإخوتك الاثني عشر"
ولكن الأميرة لا تقنع بالجواب، وتسأل: "وأين إخوتي؟ لم أسمع عنهم شيئاُ طوال هذه السنين".
فتجيب الأم قائلة: "الله وحده يعلم أين هم الآن، إنهم يجوبون العالم".
وبهذا تبدأ رحلة الأميرة في البحث عن الإخوة المفقودين، وسط أحداث خياليّة تمزج الخيال والسحر على طريقة الأخوين غريم.
القصة مثيرة بأحداثها، والأهمّ من ذلك أنّ حبكتها تكرس لما يبدو أنّه مخالف للسائد، فالقصّة ترمز إلى القوة في شخصية الأنثى التي تخالف قرار والدها الملك، وتصحح غبناً حلّ بسبب قراره.
وعن ذلك تقول سيماف حسن: "القصة أثارت استغراب الأطفال، الذكور منهم على وجه الخصوص".
مؤخّراً قامت الأخوان غريم بالكردية والعربية للمرة الأولى
على الرغم من أنّ قصص الأخوين غريم قد ترجم بعضها إلى الكردية والكثير منها إلى العربية، إلا أنّها التجربة الأولى لترجمة قصص غريم عن الألمانية مباشرة إلى الكردية والعربية في الشمال السوري، مع نسخة صوتية باللغة الكردية والعربية. https://youtu.be/mnWjgpNbMIo ذلك أنّ الكثير من ترجمات نتاج الأخوين غريم إلى العربية كقصص بياض الثلج والأقزام السبع، وسندريلا، والأميرة النائمة، تم بالاعتماد على لغات وسيطة كالإنكليزية حيث يقوم المترجمون بتغيير أجزاء أو أحداث منها. تكتسب قصة الإخوة الاثني عشر، موضوع المقالة، أهمية خاصة لأنّها لم تترجم إلى العربية قبل الآن، إضافة إلى موضوعها المميّز في تعريف الأطفال إلى شخصية الفتاة المغامرة، التي تبحث عن المعرفة وعن العدل وعن الأخوة. بدا الأطفال مندمجين حين كانت سيماف حسن، المترجمة والعضو في فرقة كيزخاتون، تؤدي لهم قصة الإخوة الاثني عشر مع فرقة كيزخاتون لأنشطة الأطفال، فهذه هي المرة الأولى التي يستمعون فيها إلى قصص عالميّة بلغتهم، فقد تعوّدوا على سماع القصص من التلفاز. ومع أنّ اللغة الكرديّة هي لغة رسمية في معظم مدارس الجزيرة (محافظة الحسكة) منذ عام 2015، إلا أنّ التلاميذ لا يجدون ما يرفدهم بهذه اللغة بحيث يكون موجّهاً إليهم بشكل مباشر. واللغة الكردية هي لغة آرية، تضم مجموعة من اللهجات من أهمّها اللهجة الكرمانجية وهي التي يتكلّمها الكرد في سوريا، وأصبحت تكتب بأحرف لاتينية منذ عام 1932 عندما كتبها وضبط قواعدها جلادت بدرخان في ، أحد رواد الثقافة واللغة الكردية. تقول سيماف حسن عن تجربة سرد القصص للأطفال: "هذه القصة تم سردها مرتين، مرة للأطفال بالعربية، ومرة للأطفال بالكردية والتباين في استقبال موضوع الترجمة يبدو واضحاً". وتضيف: "إذ أنّ الأطفال الكرد قابلوه ببعض الامتنان بسبب عدم اعتيادهم على وجود قصص موجّهة إليهم بلغتهم، على عكس الأطفال العرب الذين قابلوا الموضوع باعتيادية". في إشارة إلى القصص التي كان يتم تداولها بالعربية في المدارس والتلفاز وبأشكال شتى.تتم الآن ترجمت قصص الأخوين غريم من الألمانية إلى الكردية، كيف ستتحول قيمها من سياقاتها الشعبية الأوروبية إلى قرائها الجدد؟
رغم اعتماد اللغة الكردية كلغة رسميّة في معظم مدارس الحلقة الأساسيّة بمنطقة الجزيرة السورية (محافظة الحسكة)، إلا أنها تواجه صعوبات وتفتقر للمواد التعليمية الموجهة للأطفالبارين شيخو (17 عاماً، مقيمة في ألمانيا) التي ترجمت القصّة عن الألمانية، تتحدّث عن تجربتها الأولى في الترجمة، وعن لغة يبدي الجميع صعوبة في تعلّمها، حيث كانت بمثابة تحدٍ مزدوج. فهي أولا تجربة ترجمة عن الألمانية (اللغة التي يعتبرها الكثيرون صعبة)، إلى الكردية التي لم تجد لها متنفّساً في سوريا حيث المنع والتضييق المستمرّ لها منذ عقود. تقول بارين: "كانت قصة الإخوة الاثني عشر أول قصة أترجمها إلى الكردية، كان ذلك مهماً وغريباً بعض الشيء، حيث لم يسبق لي أن قمت بالترجمة أبداً". ومع أنّ اللغة الكردية نشطت في السنوات الأخيرة، حيث صار تداولها وتعليمها والكتابة والنشر بها حراً، إلا أنّ واقعها يبدو صعباً، بسبب منعها من قبل السلطات في سوريا، منذ تأسيس الجمهورية وحتى سنوات الحرب الأخيرة، وذلك بحسب عبد الله شيخو، مترجم ورئيس تحرير في مجلة سورمَي. والآن مع أنّ اللغة الكردية رسميّة في معظم مدارس الحلقة الأساسيّة بمنطقة الجزيرة (محافظة حسكة) منذ عام 2015 إلا أنّها لا تزال تعترضها صعوبات جمّة. فاللغة تحتاج إلى مواد تعليمية، وهناك نقص كبير في هذا المجال، وخاصة فيما يتعلّق بالاستراتيجية حيال تبنّي مناهج وما يرفدها من مكتبة كردية تخاطب الأطفال بلغتهم، التي يعبّر عنها شيخو بقوله: "واقع العملية التربوية بالكردية يسير ببطء وأحياناً باعتباطية، فاعتماد لغة ما كلغة رسمية يحتاج نظاماً تربوياً وتعليمياً متكاملاً". وتعاني العملية التربوية من عدم إيجاد رديف للغة الكردية كإنشاء محطات تلفزيونية خاصة للأطفال، أو إنشاء مكتبة تأليفاً وترجمة من اللغات الحيّة ومن تراث المنطقة، ويشير حسين زيدو (كاتب وصحفي) إلى هذه الحاجة بقوله: "بطبيعة الحال التلميذ في المراحل الأولى من التعليم المدرسي بحاجة لرديف إلى جانب تعليم المناهج المدرسية، وبخاصة في ظروف الصراع، وذلك كي تتضاعف حالة التمرّن على القراءة عند التلميذ، إلى جانب حاجة التلميذ إلى قصص ترفيهية يعشقها ويعشق الدراسة على إثرها". وفي خضمّ العوز الشديد لترجمات ومواد أصيلة ترفد اللغة الكردية في حقبة ما بعد المنع، يرى إبراهيم خليل أنّ: "ما يمكن التعويل عليه في حالة كهذه هو مجهودات المجتمع المدني والمبادرات الفردية التي لا يمكنها بأي حال من اﻷحوال تعويض اﻹهمال الرسمي والحكومي، لكنها يمكن أن تلعب دوراً محفزاً وتجربة قد تشجّع آخرين على تقليدها".
الإخوة الاثنا عشر، ومواجهة القيم الذكورية
تدور قصة "الإخوة الاثنا عشر" حول ملك له اثنا عشر ولداً، وفي الولادة الثالثة عشرة يقول الملك بأنّه سيبعد بقيّة الأبناء عن المملكة إن كان المولود أنثى، لكي تكبر المملكة ولتحكمها هذه الابنة، وهكذا عندما تولد أميرة في القصر، ينفذ الملك خطته.الإخوة الاثنا عشر، حكاية من قصص الأخوين غريم، بطلتها فتاة مغامرة تبحث في رحلة عجائبية عن إخوتها المفقودين
وفي أحد الأيام، بحسب القصة، تنتبه الأميرة، بينما كان الخدم يقومون بغسل الثياب في القلعة، إلى وجود اثني عشر قميصاً، وتسأل أمّها: "لمن هذه القمصان يا أمي؟! لا يمكن أن تكون لأبي لأنّها صغيرة جداً!" فتجيب أمها:
"طفلتي العزيزة، هذه الملابس لإخوتك الاثني عشر"
ولكن الأميرة لا تقنع بالجواب، وتسأل: "وأين إخوتي؟ لم أسمع عنهم شيئاُ طوال هذه السنين".
فتجيب الأم قائلة: "الله وحده يعلم أين هم الآن، إنهم يجوبون العالم".
وبهذا تبدأ رحلة الأميرة في البحث عن الإخوة المفقودين، وسط أحداث خياليّة تمزج الخيال والسحر على طريقة الأخوين غريم.
القصة مثيرة بأحداثها، والأهمّ من ذلك أنّ حبكتها تكرس لما يبدو أنّه مخالف للسائد، فالقصّة ترمز إلى القوة في شخصية الأنثى التي تخالف قرار والدها الملك، وتصحح غبناً حلّ بسبب قراره.
وعن ذلك تقول سيماف حسن: "القصة أثارت استغراب الأطفال، الذكور منهم على وجه الخصوص".
رفوف تحتاج إلى المزيد في مكتبة اللغة الكردية
بعد عقود من المنع، هناك ضرورة ملحة لدعم اللغة الكرديّة، ومع أنّ الترجمة وحدها لا تكفي، خاصة أنها تبدو بطيئة وبمبادرات فردية وغير مؤسّساتية في الغالب، إلا أنها تضيف رصيداً لمكتبة اللغة الكردية. وهذا ما يقول به مالفا علي، إداري في مشروع هنار الثقافي، في حديثه لرصيف22: "المبادرات الفردية أو الخاصة لا تعني أنها تستطيع فعل المستحيل، بقدر محاولتها تشجيع المؤسسات المعنية للقيام بمثل هذه الخطوات, فضلا عن أنّها تعمل على كسب دعم الجهات الرسمية لأجل تشجيع مؤسّسات ثقافية أخرى للقيام بمثل هذه المبادرات". وقد قامت عدة مبادرات لترجمة الأدب العالمي إلى الكردية وهذا النتاج على قلّته يمثّل خطوة في اتجاه التعرّف على التراث العالمي باللغة الكردية للأطفال. وبذلك يمكن للترجمة أنْ تكون جزءاً من الحراك اللغويّ في المستقبل، وحتى ذلك الوقت يبدو أنّ المهمة صعبة بالنسبة للمبادرات الفردية أو المؤسسية الخاصة، وبحاجة أكبر إلى قطاع عمل واسع من قبل الجهات المسؤولة. يتفق المهتمون والفاعلون الثقافيون على أنّ المكتبة الكردية بحاجة ماسة إلى الإبداع والمنتوج الفكري، ويتفقون كذلك بأن الترجمة تدعم هذا المشروع وتساعد بالنهوض باللغة الكردية أسوة باللغات الحيّة، وبهذا الصدد يقول مالفا علي: "هذه المحاولات رغم أنّها خاصة ومحدودة فهي تساهم في إغناء المكتبة الكردية وتوفّر جزءاً بسيطاً من مستلزمات تطوير العمليّة التعليمية والتربوية". وكان مشروع هنار الثقافي قد عمل على ترجمة قصتين موجهتين إلى الأطفال إلى الكردية هي (نرجس والبط شينكو) ونشرها مع نسخ صوتية. التصريحات في المقالة خاصة برصيف22، صورة المقالة من موقع نرديست.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...