كان لنجاح الثورة التونسية انعكاس على الشارع اليمني وتحديداً على الشباب اليمنيين الذين كانوا يحلمون بالتغيير، فبدأوا بالخروج إلى الشارع للمطالبة بالإصلاحات والقضاء على الفساد.
ومع نجاح ثورة يناير المصرية خُلق زخم كبير في الشارع واندفعت مجموعات واسعة من الشباب للاعتصام على الطريق المؤدي إلى جامعة صنعاء الجديدة، كما بدأ اعتصام آخر في ساحة الحرية في حافظة تعز، وسط اليمن.
مشاركون من خلفيات متنوّعة
ضمّت "ساحات الثورة" في اليمن، وتحديداً ساحة التغيير في جامعة صنعاء، يمنيين من خلفيات متعددة ومتنوعة، على رأسهم شباب مستقلون لم يكونوا يطمحون إلى شيء سوى دولة مدنية حقيقية يحكمها النظام والقانون. يتذكّر الناشط عبد الرزاق العزعزي تلك المرحلة ويقول لرصيف22 إن المشاركة في الثورة كانت بمثابة "واجب وطني ومجتمعي من أجل أن نخطو الخطوة الأولى نحو مواكبة العالم بإقامة دولة مدنية تضمن الحقوق والحريات وتعمل تحت راية القانون وليس تحت راية النفوذ السياسي أو القبلي". ويؤكد المدرب بسام غبر الذي شارك في اعتصامات ساحتي التغيير في صنعاء والحرية في تعز لرصيف22 أنه كان يشعر بالفخر لمشاركته في ساحات الثورة "للمطالبة برسم ملامح الدولة المدنية، وهي أحلام مشروعة لكل شاب يمني يطمح لأن يرى بلاده في موقع يليق بها وبتاريخها". ويرى الصحافي فايز الضبيبي أن ما حدث في 11 فبراير كان "ثورة شبابية عفوية وضرورة لا بد منها لإنقاذ اليمن من انهيار سياسي واقتصادي وشيك"، مؤكداً لرصيف22 أنه شارك من "أجل تغيير النظام الفاسد وبناء دولة اليمن الاتحادية الحديثة ودولة النظام والقانون والعدل والمساواة التي افتقدناها وحلمنا بها كثيراً". كان الشباب المستقلون الأساس في بداية الثورة وهم مَن أطلق شرارتها الأولى، ولكن الأمر لم يستمر كذلك طويلاً. فقد بدأت قوى سياسية عدة تنزل إلى الساحات مثل أحزاب اللقاء المشترك وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين). وقبِل حزب الإصلاح بأن يكون الحوثيون شركاء له في الساحات للمطالبة بإسقاط الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بالرغم من الخلاف الأيديولوجي الكبير بينهم وبالرغم من مشاركة بعض قيادات هذا الحزب في الحروب الست التي خاضتها السلطة ضد الحوثيين. دخل الحوثيون إلى الساحات بدون سلاح ليعبّروا عمّا كانوا يسمّونه "مظلومية". يقول الناشط المجتمعي خالد يحيى لرصيف22 إن مشاركته في الثورة كانت لأسباب كثيرة في مقدمتها الحروب الظالمة التي شنها نظام صالح ضد جزء من الشعب اليمني (الحوثيين) في صعدة "ليس لشيء إلا لأن هناك مجموعة ترفع شعار العداء لإسرائيل بدون أن تضر بأحد". ويضيف أن هذا السبب لوحده كان كافياً لدفعه للمشاركة في الثورة، "خصوصاً بعد سقوط الآلاف من أبناء صعدة كضحايا لحروب النظام الست"، مشيراً إلى أنه كان يحلم بأن يرى اليمن "دولة لها كلمة في محيطها الإقليمي وليس ساحة للقوى الإقليمية أو ملعباً للنفوذ السعودي والأمريكي، ودولة تخطو نحو تنفيذ مشاريعها الكبرى دون إذن من أحد أو ضغط من أحد".الأحزاب تغيّر مسار الثورة
ما قبل "جمعة الكرامة" في الثورة لم يكن كما بعده. شكل يوم 18 مارس 2011 منعطفاً هاماً في الأحداث، فبعد صلاة الجمعة في ساحة الجامعة في صنعاء حدثت اشتباكات بين المعتصمين الذين حاولوا التمدد باتجاه الجامعة القديمة ومسلحين بلباس مدني قاموا ببناء سور لمنع تمدّد الخيام. سقط في تلك الاشتباكات أكثر من 50 قتيلاً من شباب الثورة. وأعلن صالح حالة الطوارئ كما أعلن عدم مسؤولية الجهات الأمنية عما جرى وأن ما حدث هو محاولة من قبل السكان لمنع التمدد الذي أضرّ بأحيائهم، إلا أن الشباب أصرّوا على أن مَن اشتبك معهم هم جنود من الأمن المركزي بلباس مدني. سمحت "جمعة الكرامة" لرموز كبرى في نظام صالح بالانضمام إلى ساحة الثورة معلنة تبرؤها من النظام الذي قتل الشباب، وفي مقدمتهم قائد الفرقة الأولى مدرّع ونائب الرئيس عبد ربّه منصور هادي حالياً اللواء علي محسن الأحمر والذي كان الرجل الثاني في نظام صالح وكان شباب الثورة يطالبون بإسقاطه، كما استقال العديد من الوزراء والسفراء من مناصبهم وانضموا إلى الثورة. قبلت قيادات حزب الإصلاح بانضمام رموز من نظام صالح إلى الثورة باعتبارهم قيادات سياسية لها ثقلها وانطلاقاً من أن الانضمام إليها يجبّ ما قبله. ساهم دخول الأحزاب إلى الساحات في دعم بقاء الاعتصامات واستمراريتها ولكن الناشط عبد الرزاق العزعزي يعتبر أن الثورة بدأت في الانحراف عن مسارها وانحرفت عن أهم أعمدتها وهو إقامة دولة مدنية، بعد أن سيطرت القوى الدينية وتحديداً حزب التجمع اليمني للإصلاح على الخطاب الاعلامي، داخل الساحات وعلى مستوى الإعلام المحلي، إضافة إلى أنه قام بتقديم دعم مالي للمعتصمين وراح يوفّر لهم وجبات الطعام "ومَن يتحكم بطعامك يتحكم بالضرورة بقرارك"."مَن يتحكم بطعامك يتحكم بالضرورة بقرارك"... يمنيون يروون قصة "سرقة الثورة" بعد سبع سنوات على أحداث "جمعة الكرامة"
ناشطون يمنيون: "منذ المبادرة الخليجية تعرّضت الثورة لثورة مضادة هي السبب في ما وصلت إليه الأوضاع الآن"لم تكن القوى السياسية التي انضمت إلى الثورة ترى في مشاركتها سرقةً لها وإنما دعماً لشباب لا يمتلكون أية خبرة سياسية في التعامل مع النظام القوي في ذلك الوقت، وهو ما لم يكن يروق للأخيرين. ويقول الناشط المستقل شاجع هصام لرصيف22 إنه كان يشعر "بالحماس المتّقد من أجل التغيير نحو الأفضل" إلا أن هذا الحماس "تعرّض للصدمة بعد انضمام الفاسدين والانتهازيين إلى ساحات الثورة، الأمر الذي أثر سلباً على شباب الثورة وحرفها عن مسارها الصحيح". يتحدث شباب الثورة وتحديداً المستقلون منهم عن أنهم تعّرضوا لثورة مضادة منذ بداية انطلاق الثورة ويقول كثيرون منهم إنه في الوقت الذي كان الأحداث تتجه نحو الحسم الثوري أو إصلاح النظام تعرّضت ثورتهم لصفعة كبرى بانضمام الأحزاب السياسية، وهو مسار قاد للوصول إلى المبادرة الخليجية التي أنهت الثورة في وقت مبكر (3 أبريل 2011). ويقول الصحافي محمد الصلوي الذي وثّق أحداث الثورة لرصيف22 إنه مع انضمام الأحزاب إلى الساحة، بدأت الثورة تتخذ منحى آخر "فبعض الذين انضموا إلى شباب الثورة كانوا أقوى منهم لأنهم يمتلكون المال والإعلام والشارع وحرفوا مسار الثورة من ثورة ضد النظام إلى ثورة ضد شخص"، مضيفاً أن "دخول أحد رموز النظام إلى الساحة كان بمثابة تعبيد لطريق توّجته المبادرة الخليجية التي كانت بمثابة الثورة المضادة".
بعد سبع سنوات من الثورة
يواجه اليمن اليوم صعوبات عديدة في الذكرى السابعة لثورة شبابه. فوفقاً لتقارير الأمم المتحدة تُصنف الأزمة الإنسانية في اليمن كواحدة من أسوأ الأزمات في العالم. يعتبر محمد الصلوي أنه لا يجوز تحميل الثورة وزر الوضع الذي وصلت إليه البلاد، "فالنظام الذي قامت ضده الثورة يتحمل المسؤولية إذ قام بتحويل البلاد إلى إقطاعية أسرية، ودمر كل شيء والثورة قامت بتعريته بعدما كان دائماً يتحدث عن إنجازات، لنكتشف مع الثورة أننا بلا دولة أو حتى شبه دولة". ويضيف: "هناك أخطاء صاحبت الثورة ونعترف بها لكن لا يعني ذلك تحميلها وزر ما يحدث الآن، فمنذ المبادرة الخليجية تعرّضت لثورة مضادة هي السبب في ما وصلت إليه الأوضاع الآن". وبالرغم من تنازل صالح عن الحكم وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلا أن كثيرين من الثوار وممَّن ينتمون إلى الأحزاب السياسية يعتبرون أن الرئيس السابق هو مَن قلب مسار الثورة ومَن يتحمل المسؤولية عما وصلت إليه الأوضاع. يقول فايز الضبيبي إن صالح التف على الثورة وانقلب على مخرجات الحوار الوطني التي تُعتبر أحد منجزات الثورة وتحالف مع بعض القوى الرجعية والتقليدية والرافضة للديمقراطية (الحوثيين) وانقلب على السلطة الشرعية وسيطر على الدولة بقوة السلاح وأسقط العاصمة وأغلب المدن اليمنية وأعادها إلى حظيرته من جديد". وبرأيه، فإن ما قام به بالتحالف مع جماعة الحوثيين هو ما دفع الشعب إلى "الوقوف مع الشرعية ممثلة بالرئيس الشرعي والأحزاب السياسية المشاركة في ثورة 11 فبراير ومطالبة السعودية بدعم اليمن والتدخل عسكرياً لإنهاء الانقلاب وإعادة الشرعية". عدا التدخل العسكري بقيادة السعودية عام 2015، وضعت المبادرة الخليجية اليمن تحت إشراف دولي ما دفع مجلس الأمن إلى فرض عقوبات عام 2014 على صالح وقيادات أخرى، بتهمة عرقلتهم للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. ويعتبر العديد من شباب الثورة أن القوى السياسية التي انضمت للثورة قبلت بالتدخل الخارجي في مسارها وأوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن. فالناشط عبد الرزاق العزعزي يقول إن أهم أسباب ما يحدث الآن هو اهتمام الجماعات الصاعدة بعد الثورة من حوثيين وإصلاحيين وأعضاء في المؤتمر بمصالحها وتصارعها خدمةً لأيدولوجايتها وليس من أجل بناء اليمن، وخدمةً لسياسات إقليمية. ويتهم الحوثيون القوى التي شاركت في التوقيع على المبادرة الخليجية بخيانة الثورة ودم الشهداء عبر وضع اليمن تحت تصرف الخارج. فبرأي خالد يحيى، جعلت ثورة الحادي عشر من فبراير و"ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر" (تاريخ دخول الحوثيين إلى صنعاء) اليمن "مستقلاً بقراره ولا يتبع أحداً وهو ما أثار أحقاد القوى الإقليمية، بعد أن أسقطت الثوة النظام والأحزاب السياسية التي كانت تتلقى أوامرها من الخارج وكان ولاؤها لمَن يموّلها". ويضيف أن ثورة الشباب "ثورة نظيفة" ولا يجوز أن تكون هي المتهمة بأنها سبب الأوضاع التي يعيشها اليمنيون حالياً، "فدول العدوان وأعوانها هم مَن يتحملون المسؤولية لا سواهم". بينما يرى المحلل السياسي علي جار الله الذي كان مشاركاً في ساحات الثورة في صنعاء أن "الشرعية التي أتت بعد الثورة كانت ضعيفة تحديداً خلال مرحلة الحكومة التي تكوّنت من حزب صالح وأحزاب اللقاء المشترك وعلى رأسها الإصلاح، إذ كانت حكومة تمارس الإقصاء ولم يكن الرئيس هادي قوياً بما فيه الكفاية للحد من ذلك". ويضيف جار الله لرصيف22 أن "هادي لم يكن ذكياً كصالح ولم يكن له نفوذ قبلي كبير، الأمر الذي أدى إلى سقوط صنعاء في يد الحوثيين، ما أدى إلى التدخل العسكري الخارجي الذي دمّر اليمن، وحتى الآن لا تزال الشرعية غير قادرة على إدارة البلاد".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين