شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
قصة عمرها 800 سنة... عندما ظهر

قصة عمرها 800 سنة... عندما ظهر "مهدي" مسلم و"مسيح" يهودي في اليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 22 فبراير 201806:49 م
مخلِّص أم دجَّال؟ سؤال طرح نفسه على مسلمي ويهود اليمن في منتصف القرن الثاني عشر، عندما ظهر شخص يُدعى علي بن المهدي ادعى أنه مهدي المسلمين المنتظر، ثم تبعه نظير يهودي، زعم أنه مخلّص اليهود. وفي حين أنهى صلاح الدين الأيوبي مزاعم ابن المهدي وولده عبد النبي، بسيطرته على اليمن، استعان يهود اليمن بالحاخام والفيلسوف موسى بن ميمون للإجابة على السؤال المحيِّر، فأجابهم بأن المدّعي اليهودي "مجنون"، وبأن أوصافه مغايرة لأوصاف المخلِّص الحقيقي. وكان يهود اليمن يعيشون حالة من العزلة، لم تنته نسبيّاً إلا في القرن التاسع عشر، حينما ابتعدوا عن المعتقدات الصوفية، وراحوا يحتكمون إلى العقل في الحكم على الأمور. وقد كشف عن رسالة موسى بن ميمون ما يُعرف في إسرائيل بـ"بيت الشتات – متحف الشعب اليهودي"، ونشرت صحيفة هآرتس العبرية تقريراً عن تلك الحقبة تحت عنوان "رواية عاصفة حول يهود اليمن والحبر موسى بن ميمون عمرها 800 عام".

إلى نص التقرير:

في منتصف القرن الثاني عشر، اكتشف يهود اليمن أنهم يعيشون وسط أحداث دراماتيكية عنيفة. فالفاطميون الذين حكموا البلاد لفترة طويلة بدأوا يفقدون مساحات واسعة من الأراضي، لصالح داعية ديني ذي كاريزما، يُدعى علي بن المهدي. ولم يأت اسم الأخير مصادفة، فالمهدي في التراث الإسلامي هو المخلِّص. اعتبر علي نفسه الشخص الذي سيقود المسلمين إلى الخلاص. وبدأ في جمع العديد من المريدين حوله، وسعى إلى إجراء إصلاحات دينية بعيدة المدى، أدت إلى خلق أجواء من التطرّف الديني. في نهاية المطاف، نجح ابن المهدي في الوصول إلى حُكم اليمن، حتى أنه أورثه إلى ابنه، عبد النبي، الذي سار على نهج والده، وضاعف الاعتداءات على اليهود.

حظر ممارسة الشعائر اليهودية

بدأ نظام الحكم الإسلامي في اليمن يحاول فرض اعتناق الإسلام على اليهود. وفي موازاة ذلك، قيّد ممارستهم لطقوسهم الدينية، وحظر ممارسة الشعائر اليهودية. وفي لحظات الضيق تلك، وبالتحديد في عام 1172، ظهر شخص من بين اليهود، وادعى أنه المسيح. لم يوثَّق اسم محدد لهذا الشخص، لكنه عُرف عنه قيامه بنشر دعاية واسعة لادعاءاته، وآمنت العديد من الطوائف اليهودية في اليمن بأن المسيح قد جاء، حتى أنهم غيّروا قناعاتهم وصلواتهم. وأكدت بعض الشواهد أن عدداً ليس بالقليل من مسلمي اليمن أيضاً، ساروا خلف المسيح اليهودي، وكان ذلك على ما يبدو لاعتقادهم بأن مجيئه يمهّد لخلاص المسلمين، فيأتي معه أيضاً المهدي المسلم. قضية المسيح اليهودي الكذَّاب في اليمن ظلت على هامش التاريخ، ولكن تفاعل معها بجدية كبيرة، ورد عليها في الوقت المناسب موسى بن ميمون (أحد أبرز رجال الدين والمفكرين اليهود في مختلف العصور، وأهم فلاسفة العصر الوسيط).
عام 1172، آمن كثيرون من يهود اليمن بأن المسيح قد جاء، كما سار عدد ليس بالقليل من مسلمي اليمن خلف "المسيح اليهودي"، لاعتقادهم بأن مجيئه يمهّد لخلاص المسلمين...
في القرن الثاني عشر، ظهر داعية ديني مسلم ذي كاريزما يُدعى علي بن المهدي، ادعى أنه المهدي المنتظر، كما ظهر شخص بين اليهود ادعى أنه المسيح...
إحدى أهم الرسائل وأكثرها شهرة هي تلك التي كتبها بن ميمون بهذا الخصوص، وحملت اسم "رسالة اليمن"، ووجهها إلى أحد قيادات الطائفة اليهودية، الحاخام يعقوب بن الحاخام نتانل، الذي سبق وكتب رسالة إلى بن ميمون، أعرب فيها عن مخاوفه من الفترة العصيبة التي تمر بها الطائفة اليهودية في اليمن، ووقف حائراً أمام ما إذا كان المسيح الجديد مسيحاً بالفعل. توجه الحاخام يعقوب برسالته إلى الحبر موسى بن ميمون باعتباره أحد أهم الحاخامات اليهود في تلك الفترة، فرد عليه الأخير بتفصيل وإسهاب.

صمود أمام المطاردات ومراسيم التدمير

في رسالته، شاطر موسى بن ميمون الحاخام يعقوب مشاعر الأسى في الفترة العصيبة، وحث على الإكثار من الصلوات، وعلى ألا تسقط من الذاكرة للحظة، وأشار إلى أن تلك الفترة ستزول كما أتت. ودعا إلى الصمود أمام المطاردات، ومراسيم التدمير، والارتداد القسري عن الديانة، ففي الماضي كانت هناك العديد من المحاولات لإجبار اليهود على اعتناق ديانات مختلفة، لكنهم صمدوا أمام تلك المحاولات. وذكر موسى بن ميمون أن المسيحية والإسلام ديانتان كاذبتان، لا ينبغي الاعتداد بهما، ودعا أيضاً إلى تجنب التفكير في نهاية العالم ومجيء المخلِّص. وفي ما يخص المسيح الجديد، جزم موسى بن ميمون بأنه مسيح دجَّال، لا سيما أن أوصافه تغاير أوصاف المسيح، وقال إنه شخص مجنون، ودعا إلى الحذر منه واعتقاله، والتحسب من تنامي غضب المسلمين المحليين بسبب ظهوره وظهور وحركته، وهو ما يضاعف الأذى اللاحق بالطائفة اليهودية. ودعا موسى بن ميمون الحبر يعقوب إلى نسخ رسالته، وتوزيعها على جميع أبناء الطائفة، ورأى أن تلك الحالة تشكل خطراً فورياً وملموساً على اليهود في اليمن. وبقيت حركة ظهور المسيح تتفاعل لعدة سنوات في اليمن، لكنها تلاشت في نهاية المطاف. كما اندثرت الأسرة الحاكمة، التي أسسها علي بن المهدي بعد رحيله بجيل واحد فقط إذ احتل صلاح الدين اليمن، وأرسى أساس الأسرة الأيوبية في البلاد، فعاد الوضع إلى ما كان عليه في المنطقة. لكن رسالة اليمن انطوت على تأثير بالغ الأهمية خلال مئات السنين اللاحقة: ثمَّن يهود اليمن الجهود التي بذلها من أجلهم موسى بن ميمون، وحقيقة أنه خصص لهم خطاباً مطولاً ومفصلاً، فلاقى فكره إقبالاً بالغاً جداً، وحظي بأهمية كبيرة بينهم، أكثر مما في أية طائفة أخرى من طوائف يهود الشتات.

محاكاة نمط حياة يهود إسبانيا

في الواقع ظهر تياران بين يهود اليمن: الشاميون، وهم الذين تبنوا تقاليد اليهود السفارديم (نسبة إلى الطائفة اليهودية التي عاشت في إسبانيا تحت ظل الخلافة الإسلامية، وبعدها في مملكة إسبانيا المسيحية)؛ والميمونيون، وهم الذين تأثروا بموسى بن ميمون، وبالأفكار التي أدرجها في كتابه "ماشناه توراة". لم يكن تيار الميمونيين منغلقاً تماماً على نفسه. ولكن خلال مئات السنين اللاحقة، ورغم أن المنتمين إليه قبلوا بقاعدة أفكار موسى بن ميمون، واقتراحه للصلاة، وفتاويه، إلا أنهم تأثروا بشكل كبير بيهودية إسبانيا. وكذلك فإن الصوفية وأفكار الخلاص، التي آمن بها يهود إسبانيا، أثرت كذلك في يهود اليمن التابعين لهذا التيار، فدمج الأخير بين أفكار ابن ميمون، وأفكار الصوفيين. وعلى امتداد تلك الفترة، واصل يهود اليمن، التابعين لتيار الميمونيين التأكيد على ولائهم لطريقة بن ميمون، إجلالاً لذكرى الرسالة الشهيرة.

انعزال نسبي لطائفة يهود اليمن

وخلال القرن التاسع عشر، طرأ تحول دراماتيكي، أفضى إلى خلق قنوات تواصل جديدة بين مختلف الطوائف اليهودية. فحتى ذاك الوقت كانت الطائفة اليهودية في اليمن منعزلة نسبياً، إلا أنه راحت تتبلور بشكل أسرع الاتصالات بينها وبين الطوائف اليهودية الأخرى. التقى علماء يهود مثل يوسف هاليفي من تركيا، وأدوارد غلايزر عدداً من حاخامات يهود اليمن، وأثروا فيهم بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، التقى هؤلاء العلماء الحاخام يحيى قافيه، الذي يعتبر أبرز حاخامات طائفة هبلاديم، وأطلعوه على حقيقة حرص ابن ميمون الشديد على تأييد إعمال العقل في مختلف القضايا، وإبعاده معظم الأفكار الصوفية عن تشريعاته. وبنفس روح التنوير في القرن التاسع عشر، ادعى العالمان هاليفي وغلايزر أن التصوف بمفهومه العام يتعارض مع العقلانية ومع فكرة الله المجرد في اليهودية. تطرق العالم قافيه بجدية كبيرة إلى تلك الأفكار، وأسس حركة تحت اسم "جيل الرأي"، بداعي حتمية العزوف تماماً عن الانجرار وراء الأفكار الصوفية. وادعى أن كتاب زوهار (الكتاب الرئيسي في حكمة الكابالا الصوفية، وظهر في إسبانيا خلال القرن الثالث عشر)، ومختلف كتب الكبالا اليهودية ليست صحيحة. فإذا كان يهود اليمن يرغبون في الانتماء الحقيقي لموسى بن ميمون وطريقه، عليهم معارضة كل أطروحة جديدة حول الصوفية. أثارت رؤى قافيه ضجَّة، ليس فقط بين يهود اليمن، وإنما بين يهود العالم، وبدأ عدد من مختلف الحاخامات في الكتابة ضده ومجادلته. وتلاشت حركة "جيل الرأي"، بعد هجرة يهود اليمن إلى أرض إسرائيل. واليوم، وحتى عبر الحضور الجزئي لما تبقى منها، ما برح الولاء للحاخام موسى بن ميمون وطريقه مستمراً تقريباً كما كان عليه أيام ذاك المسيح اليهودي الدجَّال منذ 800 عام مضت.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard