كان فن الحكواتي منتشراً في بعض الدول العربية، مثل لبنان ومصر، وتحديداً في سوريا. اشتهرت مدينة دمشق قديماً بوجود الحكواتية في مقاهيها التراثية، فلم يكن هناك من مقهى إلا وبـه حكواتي. كان جزءاً مـن التراث الشعبي السوري الــذي بات يختفي يوماً بعــد يــوم. رغم ذلك، لا يـزال للحكواتي سـحر غريب بسبب قدرته على استعادة شخصيات تاريخية يبعث فيها الحياة من خلال أسلوبه في الإلقاء وحركات يديه وتعبيرات وجهه، وهو يأخذ طابعـاً خاصاً في المغـرب، حيـث يعـرف بفـن الحلقـة.
فن الحلقة الشعبي عريق القدم في المغرب، ويـدل إسمه على تجمع الناس حول الراوي في حلقة. اشتقت اللغة المحلية تعبير الحلايقي للدلالة على الراوي (الحكواتي). الحلقة مكان يحدّه زمن الحكاية، إذ يشرع الناس بالتجمع حول الحلايقي ثم يتفرقون عنه بعد سكوته. كثيراً ما يختار الحلايقي التوقف عن الكلام في مرحلة هامة مـن السرد، ليستأنف حديثه في اليوم التالي. وهكذا دواليك، يوماً بعد يوم حتى ختام الحكاية، بدون أن يفصح عن عدد الأيام المقبلة.
في أغلب الأحيان، يكون الحلايقي قروي المنشأ، محدود الثقافـة، ولكنه يمتاز بموهبة عالية في السرد وفي إستيعاب الحكايا والروايات القديمة. كثيراً ما يبدأ برواية قصص القدماء والأنبياء، أو بطولات أيام العرب والفتوحات الإسلامية، أو ســيرة بني هال وسيف بن ذي يزن، فيخلط القديم بالأقدم، وقصص ألف ليلة وليلة بحكايا كليلة ودمنة، ومخترعات الخيال ببعض الأحداث الحقيقية. ينسي أسلوبه الجذاب واقع الحضور ويحملهم على السفر في بحر الخيال.
يجمع الحلايقي جمهوره في ساحات المدن وفي الأسواق، وأشهرها ساحة جامع الفناء في مدينة مراكش، وساحة الهديم في مدينة مكناس وساحة بوجلود في فاس، حيث يأتي الناس من كل جانب ويختلط السائح بإبن البلد.
بقي هذا الفن الشعبي المغربي حياً في الكثير من المدن والقرى، وينشط خاصة أثناء الأسواق والمواسم، حيث يتردد العديد من الناس إلى الزوايا لإحياء ذكرى الفاضلين حول الأضرحة المشيدة لهم فيها. بيد أن هذا الفن مهدد بالإندثار، إذ يتناقص عدد الرواة بلا إنقطاع، لكون مهنة الحكواتي مهنة صعبة، تتطلب حفظ العديد من النصوص والقدرة على أجتذاب الجمهور والحفاظ عليه لفترة من الزمن، وهي لا تغني صاحبها لقلة دخلها وتقلّبه في الزمن، ناهيك عن عدم إعتبار الحلايقي أو الحكواتي كفنان بكامل معنى الكلمة، بالرغم من المحاولات العدة لرد الإعتبار لهؤلاء الرواة، كتكوين نقابة للدفاع عـن حقوقهم. ولأن إهتمام الجمهور يتحول مـن حلقات ساحات المدينة إلى التلفاز في المنازل.
تتراكم هذه العوامل لإحباط همة الشباب إزاء إعتناق مهنة الحلايقي، مـا يهـدد إستمرارية هذا الفن الشفهي الشعبي. نظراً لخطر إختفاء الحلايقي، شنت المغرب حملة لإنقاذ الحلقة ولإعادة الإعتبار للحكواتي للحفاظ على التراث الشفهي الشعبي، نذكر منها تسجيل اليونسكو عام 2008 مجال جامع الفناء الثقافي وما يجري فيه من نشاطات فنيّة (الحلايقي والمنجم والألعاب)، على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشريـة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت