قبل أحداث العاشر من يونيو 2014، كانت الرحلات السياحية التي تنظمها الشركات العراقية داخل البلاد كثيرة. وكان التنافس على استقطاب الزبائن محتدماً بين تلك الشركات، فراحت كلّ منها تبرز مميزاتها في إعلانات ضخمة انتشرت في شوارع العاصمة بغداد.
وكانت الرحلة في باص حديث من بغداد إلى أربيل (600 كم)، ولمدة خمسة أيام مع وجبة فطور، تُكلف السائح 120$، وتتخللها زيارات إلى مصايف وحدائق وجبال في إقليم كردستان العراق. وللمزيد من التنافس، كانت مشاركة الأطفال دون سن الخامسة مجانية في رحلات كهذه.داعش يغيّر شكل السياحة
ولكن دخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى مدينة الموصل القريبة من محافظات إقليم كردستان العراق، وسيطرته بعد ذلك على محافظتي ديالى وصلاح الدين اللتين تربطان وسط وجنوب العراق بمحافظات كردستان السياحية، حال دون استمرار تلك الرحلات البرية.
استمرت بعض الرحلات الجوية، لكنها لم تعد مثلما كانت قبل تلك الأحداث. فوجود حوالى مليون نازح في إقليم كردستان العراق والإجراءات المشددة التي اتخذتها السلطات المحلية هناك، شكّلا عوائق أمام السائحين العراقيين الذين اعتادوا الذهاب إلى هذا الإقليم، بعد التغيير الذي حصل في العراق عام 2003.
كما بالنسبة للسياحة الداخلية كذلك بالنسبة للسياحة إلى تركيا. فبعد أن كانت شركات عدّة تُنظم رحلات برية إلى جارة العراق التي أصبحت في الأعوام الأخيرة ملاذ أبناء وسط وجنوب العراق من حر الصيف اللاهب، فرض تمدّد داعش واقعاً جديداً. فهذه الرحلات تمر بالطرق نفسها التي قُطعت عن إقليم كردستان، وهذا ما أدى إلى اقتصار الشركات على تنظيم رحلات جوية مرتفعة التكاليف بالمقارنة مع الرحلات البرية.
الرحلات الدينية هي الحلّ
وبما أن تلك الشركات التي أصبح لبعضها اسم في بورصة السياحة العراقية لم ترضَ بأن توقف عملها وتغلق، توجهت إلى تنظيم رحلات دينية إلى محافظتي كربلاء والنجف، وإلى جمهورية إيران التي يتوافد إليها آلاف العراقيين شهرياً، خاصة من محافظات الوسط والجنوب.
في هذا السياق، قال وزير السياحة العراقي، عادل شرشاب، لرصيف22: "إن الأوضاع التي شهدها العراق منذ العاشر من يونيو 2014 تسببت بقطع الطرق، ودفعت أصحاب شركات السفر الأهلية التي كانت وجهتها تركيا وإقليم كردستان العراق، إلى تنظيم رحلات دينية داخل العراق وخارجه".
ولفت إلى أن "أرباح الشركات التي تحولت إلى السياحة الدينية أكبر مما كانت عليه حين كانت تنظم رحلات إلى كردستان العراق وتركيا، وذلك لكثرة المناسبات الدينية في العراق، وقلة التكاليف على السائحين".
ففي العراق، عشرات المقامات الدينية، وقد اعتاد معتنقو المذهب الشيعي زيارتها دورياً كجزء من عاداتهم وتقاليدهم. هذا عدا الزيارات التي يقومون بها في مناسبات أخرى، كوفاة الرسول او أحد الأئمة، أو الولادات.
ويشير الوزير إلى أن "الوزارة سيّرت رحلات إلى الأهوار في جنوب العراق، وإلى دول أخرى عبر الجو، وتحاول أن تزيد من رحلاتها الخارجية في الفترات المقبلة".
ويؤكد أن "هناك شركات أهلية تضررت من الأحداث التي شهدها العراق، لأنها كانت تعتمد على الرحلات السياحية إلى كردستان العراق وتركيا، وبعد أن قطعت الطرق البرية المؤدية إليهما لم يبق سوى الرحلات الجوية".
إما السياحة الدينية أو الإفلاس
وقال لرصيف22 إبراهيم علي، وهو مسؤول إداري في شركة النور للسياحة، ومقرها بغداد: "إن الشركة تضررت كثيراً بسبب سيطرة تنظيم داعش على محافظات الموصل وديالى وصلاح الدين، وقطع الطرق المؤدية إلى إقليم كردستان العراق وتركيا". وأضاف: "مدير الشركة أراد إغلاقها. الأحوال المادية تدهورت جداً. لدينا عشرة باصات متوقفة في المرآب".
ولكن الأمور لم تذهب في هذا الاتجاه. "فكرنا جيداً فوجدنا أن الحل يكمن في تنظيم زيارات دينية إلى إيران"، قال علي. كانت شركة النور تنظم رحلتين أسبوعياً إلى مدينة اسطنبول التركية، وثلاثاً إلى إقليم كردستان العراق. "نحن اليوم نركز على الرحلات الدينية التي نُنظمها أسبوعياً إلى الأماكن المقدسة، وإذا فُتحت الطرق نعود إلى البرامج السابقة التي كنا ننظمها"، يوضح المسؤول الإداري في شركة النور السياحية.
وفي محافظتي كربلاء والنجف، جنوبي العراق، توجد مراقد أبرز شخصيات أهل بيت النبي. ففي كربلاء التي يزورها الملايين سنوياً، مرقدا الإمامين الحسين وأخيه العباس، وفي النجف مرقد والدهما الإمام علي. وهناك العشرات من المزارات الدينية في جنوب العراق، التي يزورها آلاف العراقيين يومياً.
عباس غاوي حوّل نشاطات شركته "الربيعي" السياحية إلى السياحة الدينية. وقال لرصيف22: "كنت أسيّر أسبوعياً أربع رحلات برية إلى كردستان العراق، وبعد دخول تنظيم داعش إلى الموصل توقف كل شيء، وانقطعنا عن العمل".
وأضاف: "اقتُرحت علي فكرة السياحة الدينية. بعض الأصدقاء العاملين في شركات السياحة الدينية، نصحوني بتسيير رحلات صوب كربلاء والنجف وإيران، نتيجة استقرار الوضع الأمني هناك".
كذلك اتجه علي الفتلاوي، صاحب شركة الفتلاوي السياحية في بغداد إلى الوجهة الجديدة. لكن الفتلاوي يعمل في منطقة راقية تقل فيها الفئات التي تبحث عن السياحة الدينية، على العكس من حاليْ شركتي النور والربيعي اللتين جنيتا من السياحة الدينية أرباحاً تساوي أو تفوق أرباح الرحلات السياحية السابقة. وقال لرصيف22: "الرحلات السياحية الدينية لم تحقق لي الأرباح التي كنت أحصل عليها من الرحلات إلى كردستان وتركيا، فالسائحون هناك أكثر، وهم من جميع الفئات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا