"لا شيءَ يُضاهي رائِحةَ مَن نُحِبّ... ولو اعتَصرَت فرنسا بأكمَلِها في قِنّينةِ عِطر" قول بديع لخّص به محمود درويش مأساة ملايين البشر نتيجة عدم تحمل فقدان الأحبة وفراقهم.
فمن منا لا يفتقد أباً، أو أخاً، صديقاً، أو خليلاً رحل، أو من منا لا يتمنى أن يسترجع أي شيء يتعلق بشخص عزيز توفّي، ولو رائحته.
"عندما نفقد شخصاً عزيزاً نتعرض لما يعرف في الطب النفسي باضطراب الفقدان أو الأسى ويستمر من شهر إلى 6 أشهر"، هذا ما يوضحه إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس لرصيف22.
ويقول: "قد يرفض بعضهم الخروج من هذه الحالة، إذ ذاك يتطور لديهم الشعور بالاكتئاب والحزن والعزلة، بل ربما الميل إلى الانتحار أو الإصابة بهلوسات سمعية وبصرية يرون خلالها الشخص المفقود".
ويلفت مجدي إلى أن الشمّ من أهم منشطات الذاكرة. لذا يعدّ فقدان حاسة الشم من الأعراض الأولية للألزهايمر.
روائح تعوّض غياب أصحابها
هذا ما حدث مع كاتيا أبالاتيغوي وابنها فلوريان رابيو، عقب وفاة زوجها بمرض السرطان عام 2007. احتفظت كاتيا بمتعلقاته كلها، وخاصة "غطاء وسادته"، الذي يحمل رائحته. كانت تشتم رائحته فتشعر كأنه لم يرحل، وهذا ما دفعها لتأسيس شركة لاستخلاص روائح الأشخاص والاحتفاظ بها كعطور. لم تكن هذه المحاولة هي الأولى لتحويل الروائح البشرية عطوراً. ففي عام 2006 أطلقت علامة العطور الفرنسية Etat Libre d’Orange عطراً يترجم روائح الجسد المختلفة من العرق، واللعاب، والحيوانات المنوية، والدم. كذلك سعت شركة أخرى لتركيز عطور معتمدة على الحمض النووي المستخرج من كل شخص، غير أن كاتيا وابنها قررا انتهاج طريق مختلف للحصول على رائحة الفقيد من ثيابه وغطاء وسادته. وبحسب مجلة Atlas Obscura، أصبح تخليد روائح الأجسام في عطور طبيعية ممكناً في هذه الشركة. يوضح جيرالدين سافاري، الكيميائي بجامعة لو هافر في فرنسا، أنهم "يأخذون الملابس ويستخرجون منها رائحة الأشخاص مقسمةً 100 جُزيء، قبل تحويلها لعطر خلال 4 أيام". ويلفت رابيو إلى أن هدف الشركة ليس تقديم عطور ذات رائحة جيدة أو سيئة، بل إنتاج عطور تحيي الذكريات. ورغم أننا نلجأ جميعاً للعطور ومزيلات العرق للتخلص من روائح أجسادنا، فإننا نشتم روائح الراحلين بمشاعرنا قبل أنوفنا ونشتاقها.كيف تعيد الروائح الذكريات القوية؟
دراسات عدة أشارت إلى العلاقة القائمة بين شم الروائح والقدرة على استرجاع الذكريات. يشدد كلوز ويدكيند، المتخصص في علم الحيوان في سويسرا، على أن "رائحة البشر والحيوانات تلعب دوراً مهماً في إثارة الذكريات". ويضيف: "الروائح البشرية فريدة وحصرية، إذ تتكوّن رائحة كل شخص من عدة مكونات: رائحة العرق، العطر الخاص، الملابس، مستحضرات العناية بالنظافة الشخصية، ما يأكل، البيئة التي يعيش فيها...". وتوصل باحثون في جامعة براون إلى أن الروائح المرتبطة بذكريات عاطفية قوية تؤدي إلى تنشيط مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة والعاطفة. وبيّنت دراسة للمركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية NCBI أن الروائح تثير ذكريات إيجابية، وهذا ما يعزز المشاعر الإيجابية لدى الأشخاص، ويقلل من حالات المزاج السيىء، ويحد من الأمراض الالتهابية. ولكن تأثير هذه العطور الطبيعية لا يزال يحتاج إلى الكثير من الدراسات، لأن تأثير "الذكريات" يختلف بين شخص وآخر. فهناك أشخاص يوصيهم الأطباء بالابتعاد عن كل ما له علاقة بالعزيز الغائب حتى يتخطوا صدمة فراقه، وآخرون يساعدهم استرجاع الذكريات على تحمّل وطأة الفراق.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه