شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المجتمعات العربية التي تخشى العين وتتقي شرّها، هل تخاف الحسد

المجتمعات العربية التي تخشى العين وتتقي شرّها، هل تخاف الحسد "أونلاين"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 26 فبراير 201803:55 م
"مصر حلوة بس أنتم ..."، جملة أطلقها شاب مصنّف الأغنى في مصر، ويدعى محمود بدري ويعتبر من مشاهير السوشيال ميديا. جملته تلك التي ينهيها عادة بتعبير عن أحد ممتلكاته "طائرته الخاصة، إحدى سيارات لامبورغيني، ميني كوبر، مرسيدس، بي إم دبليو، فيراري…"، هي سبب شهرته. الشاب الذي لم ينهِ عقده الثاني بعد، يواجه أحياناً من متابعيه بالنقد الحاد على ما ينشره من أخبار قد يراها البعض مبالغاً فيها، وبالدعاء عليه أحياناً أخرى لأنه يصيب بعضهم بالاكتئاب لأنهم لا يملكون ما لديه. "مصر حلوة...  بس أنتم... مجربتوش العربية الميني كوبر". مصر جميلة بس أنتم مركبتوش طائرة خاصة". وغيرها من العبارات المنتشرة على صفحته، جعلته يتعرض لاتهامات بالتعالي وأخرى بالسطحية، وتحذيرات من أنه سيتعرض للحسد. كان رده:"اللي بخاف من العفريت يطلع له". يقصد بـ "العفريت" في قوله هنا الحسد، وهو"عفريت" يخيف الكثير من سكان البلدان العربية، ما بدفعهم لارتداء أحجاراً زرقاء أو وشم شارات الهدف منها حجب العين، ويحاولون إخفاء أخبارهم السارة لكي لا يحسدهم "ضعاف النفوس". فكيف تتعامل هذه المجتمعات العربية مع العين في الفضاء الافتراضي؟ يؤمن الكاتب المصري أحمد بدران كثيراً بوجود الحسد الإلكتروني. يرى بدران أن هناك أشخاصاً قد ينشرون صوراً خاصة في محاولة لتجميل الواقع الذي يعيشونه، وهم غير مدركين ما قد يتبع ذلك من "كوارث". فالسوشيال ميديا من وجهة نظره بيئة لإثارة نزعة الحسد بقصد أو من دونه من بعض ضعاف النفوس. يقول لرصيف22: "في المناسبات السعيدة قد يهرع أشخاص إلى تقديم التهاني والتبريكات، لكن هذا لا يمنع الحسد. وهذا ما حدث معي ومع أصدقاء كثر". يقول استطلاع رأي شارك فيه 800 رجل تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة، أن علاقة الفرد بنفسه يحددها عدد الصور المنتشرة على صفحته، وتعديل الشخص المتزايد صوره باستمرار يُظهر مدى نرجسيته، أو تجميل صورته في محيطه الاجتماعي. وترى دراسة أخرى وجود علاقة طردية بين كثرة منشوراتنا وصورنا على فايسبوك ونرجسيتنا ورغبتنا في إثارة اهتمام الآخرين، ما قد يعزز مشاعر الحسد لديهم. ميرنا الليثي من مشاهير فايسبوك، لكن شهرتها لها بعد إنساني بحت. بدأت شهرتها عندما عرضت قصتها مع الحمل في ردها على مشكلة لإحدى الأمهات على فايسبوك، نصحها الأطباء بالتخلص من جنينها لأنه "مصاب بمتلازمة داون"، لتعلق بأنها مرت بالتجربة نفسها مع ابنتها التي تسميها "الملاك ميرا"، وتطلب من الأم ألا تفعل ذلك مطلقاً، ليزداد عدد متابعي "ميرا" بشكل كبير. لا تتوانى ميرنا، والتي تعمل طبيبة نفسية عن تقديم النصائح للأمهات المقبلات على الإنجاب وكيف يمكنهن العناية بأطفالهن، بل تنشر يومياً صورة لملاكها الصغير مع معلومات عن تطورها في رحلة العلاج. نشرت خبراً مفرحاً لجمهور ابنتها وهو حملها من جديد. وعلى الرغم من تأكيد الأطباء عدم قدرتها على الحمل مرة ثانية، إلا أنها حملت. ورفضت تحذيرات عدة بألا تنشر ذلك على فايسبوك، لأنها ترى أن كل شيء بيد الله. "نِعمُ الله يجب أن نتحدث عنها، ولا أخشى على نفسي أو على ابنتي من الحسد كما يحذرني البعض، فكل ما نحن فيه نِعمٌ من الله وهو القادر على حفظنا"، تقول ميرنا. بين إنسانية "ميرنا" وما يوصف به بدري من محاولات للتعالي على "خلق" فايسبوك، يبقى السؤال هنا: هل نؤمن بالحسد الإلكتروني في دوائرنا الخاصة والعامة على السوشيال ميديا؟

المشاهير أيضاً يؤمنون بالحسد

المذيعة سالي عبدالسلام قالت بصراحة في إحدى تدويناتها على فايسبوك، أنها محسودة بسبب جمهور السوشيال ميديا، وطالبته بالابتعاد منها، وقالت: "سيبوني في حالي"، بعد أن تساقط شعرها بشكل ملفت، وأرجعت ذلك إلى كثرة الأسئلة التي توجه إليها عن سر طوله وعمّا تستخدم ليصير بمثل هذا الطول، وتستطرد أن كثراً نصحوها بعدم نشر صورها لأن جمهور السوشيال ميديا "عينه حسودة"، إلا أنها لم تكن تعتقد أن الكلام صحيح وفق قولها. أما إيمي سمير غانم فألقت باللوم عمّا ألم بها من وعكة صحية بعد زواجها بالممثل حسن الرداد، على جمهور "السوشيال ميديا" واتهمته صراحة بحسدها، وقالت بوضوح في أحد لقاءاتها: "أنا بكره السوشيال ميديا".   ترفض الفنانات آيتن عامر ونيكول سابا ومي كساب ودنيا سمير غانم ومنى زكي نشر صور أبنائهن على صفحات السوشيال ميديا خوفاً من الحسد، بل وصل الأمر إلى دخول نيكول سابا حالة من الاكتئاب الشديد بعد نشرها صوراً لابنتها خطأ تبعته مهاجمة زوجها الفنان يوسف الخال كل من نشر صور ابنته في تدوينة له على "تويتر". الفنانة شيماء سيف أرجعت ما حدث لخطيبها المنتج محمد كارتر، إثر سقطة على درج كادت تصيبه بالشلل إلى "حسد" جمهور السوشيال ميديا. طلب محمد اليماني، نجم الإسماعيلي ومنتخب مصر الأسبق والمدير الفني الحالي لوادي دجلة، من محمد صلاح، نجم ليفربول الإنكليزي، التقليل من نشر معلومات عن حياته الخاصة أو حتى نشر صوره على صفحات "السوشيال ميديا" خوفاً من الحسد، "الناس بتحسد أي حاجة صغيرة"، قال اليماني في مقابلة إذاعية.

تعاسة السوشال ميديا

تساءلت سوزان كراوس ويتبورن، الأستاذة في العلوم النفسية في إحدى جامعات بوسطن في مقال لها بإحدى دوريات الطب النفسي، عن الأسباب التي قد تجعل "السوشيال ميديا" تصيب أشخاصاً بالتعاسة. وتشير كراوس في مقالها إلى انخراط أشخاص في نشاطات سادية، فيها تعذيب نفسي وتسبب الألم، على مواقع التواصل الاجتماعي، فننجذب تلقائيّاً إلى المشاركات التي تُظهر أصدقاءنا يفعلون أشياء لا نفعلها نحن عادةً، نصاب بحالة تُعرف بـFOMO، وتعني الخوف من تفويت حدث ما. وينجذب كثر منا أيضًا إلى التنقيب في حسابات الأصدقاء عبر الإنترنت، وصورهم وهم يتبخترون على شواطئ بورا بورا مثلًا، ونتساءل لماذا نحن عالقون في المنزل من دون أي بديل للترفيه سوى أماكن الخروج المحلية المعتادة؟ استنادًا إلى فكرة أنّ مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من المفترض أنهم في النهاية سيتوقفون عن تصفح صفحات أصدقائهم على شبكة الإنترنت، مشمئزين عندما لم تعد تشعرهم سوى بالسوء. أجريت دراسة لتأثير تلك الحالة، فقالت أن قراءة منشورات الأصدقاء تُحدث مقارنة اجتماعية تتم على مستويين، محاولة تحسين الذات من طريق اكتشاف طرائق جديدة يقوم بها آخرون أو مقارنة هابطة وهي تلك التي يحاول فيها الشخص أن يُشعر نفسه بأنه أفضل منهم. لكن ما هو تسلسل الحوادث الذي يؤدي بالناس إلى قرار التوقف عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي عندما يواجهون أي معلومة تشعرهم بأنهم ناقصون وليسوا مؤهلين؟ تقول سوزان في مقالها أن الفرد تنتابه مشاعر الخزي والحسد عندما يرغب في ما لدى الآخرين، سواء في تحقيق إنجاز ما أو تملك شيء. كما أن المقارنات الاجتماعية السلبية، والتي يشعر فيها الشخص بالنقص نتيجة المقارنة بأصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك، تميل إلى استثارة مشاعر الحسد أكثر من استثارتها مشاعر الخزي. الشعور بالحسد يؤدّي إلى الانتقال إلى صفحة صديق آخر أو موقع آخر، أما الشعور بالخزي فيستفز الشعور بالإنهاك العاطفي أو بعبارة أخرى مشاعر الإنهاك والانهزامية.

ماذا يقول محيطنا الفايسبوكي المحدود

سارة أم لثلاثة أبناء تنشر بشكل منتظم صوراً لمناسباتها الخاصة، كذلك صوراً خاصة لهدايا زوجها في المناسبات المختلفة وقد حذّرها أصدقاء لها من ذلك، وعلى الرغم من أنّها عانت من مشكلات زوجية كادت تصل إلى الطلاق، إلا أنها ما زالت تنشر صوراً خاصة مع زوجها وأبنائهما. "زوجي حذرني أكثر من مرة من نشر الصور على فايسبوك، قللت النشر لكني لم أمنعه، على الرغم من أن كل مرة أنشر فيها، تحدث مشكلات بيني وبين زوجي أو يمرض أحد أبنائي، إلا أنني لم أعر موضوع الحسد أي اهتمام"، تقول لرصيف22. وجد استطلاع رأي أُجري على مئتي حبيب وحبيبة أن منهم أشخاصاً ينشرون علاقاتهم العاطفية على وسائل التواصل الاجتماعي لا لشيء إلّا لإيهام أنفسهم بأن العلاقة قوية، وإن لم تكن كذلك، ويذهب هذا الاستطلاع إلى القول: "إذا وجدت نفسك ترغب في الكتابة عن حبيبك باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي، فاعلم أنك لا تشعر معه بالأمان، وتخاف من عدم استقرار العلاقة بينكما، وإمكان انتهائها في أي وقت"، عندئذ لا تلُم حسد السوشيال ميديا.

هناك مَن يعتقد بالحسد الإلكتروني... ولكن

التفوق الدراسي ربما يكون سبباً آخر لجلب حسد الآخرين، فأبو عبدالرحمن الذي يرفض سرد قصص نجاح أبنائه على السوشيال ميديا، يعاني هو الآخر، وفق ما قال لرصيف22، فبسبب نشر قصص تفوق أبنائه على الصفحة الرسمية لمدرستهم، غالباً ما يصابون بالمرض عقب ذلك. "ابنتي الكبرى أُصيبت بمرض الجدري (مرض جلدي معدٍ) عقب تفوقها في الشهادة الابتدائية، على الرغم من تناولها المصل الخاص بالمرض، لكن بعد نشر صورها، مرضت"، يقول لرصيف. أما رشا سعيد، فعلى الرغم من أنها لا تؤمن بالحسد الإلكتروني، إلّا أنها تحصن نفسها بشكل يومي بآيات قرآنية، وتستنكر ما ينشره أشخاصٌ يومياً من تدوينات بتعرضهم للحسد من قبيل "ارحموني عربيتي اتخبطت، ابني تعب..."، أو ينشرون صور أبنائهم المرضى داخل المستشفيات في إشارة غير مباشرة إلى تعرضهم للحسد. في الوقت نفسه، تُرجع سبب تركها عملها وعدم قدرتها على الحصول على فرصة عمل حتى الآن إلى "القر" من أصدقائها الافتراضيين، حيث كانت تنشر صورها بشكل يومي من موقع عملها. "لكني أثق أيضاً في قدرة الله، فهي فوق كل شيء"، تقول رشا. الغريب أن هناك مَن يؤمن بأن حسد السوشيال ميديا قد يكون مميتاً. فقد أقسمت لنا مروة محمدي أن زوج صديقتها توفي بسبب كثرة نشرها صورهما على فايسبوك، ونشر جميع تفاصيل حياتهما معاً. "كان نازل يشتري حاجات، طلعت عربية فوق الرصيف، خبطته، مات". ونشرت زوجته تدوينة طلبت من الناس عدم نشر صورهم، خوفاً على حياتهم وحياة من يحبون"، تقول مروة. لا نبحث في مدى واقعية كلام مروة من عدمه، لكن ما الذي يحدث؟

قوة جذب

"انتبه، كل حسد أتى إليك أنت من جذبه، من يفكر في الحسد يُحسد، ومن يهرب من الحسد يُحسد"، رسالة تحذيرية أطلقها إسلام خميس مدرب التنمية البشرية. ويضيف لرصيف22: "إن الطاقة السلبية للإنسان تكون سلبية نتيجة خوفه من الحسد، وتلك الطاقة تجذب الحسد ليس لقوته لكن لشدة الخوف منه". في النهاية، ينصحكم مقال سوزان كراوس ويتبورن بـ "بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي والخروج منها واكتشاف العلاقات الواقعية، حيث يتشارك الناس مشاعرهم الحقيقية بدلًا من محاولة إبهار الآخرين والاستعراض أمام جمهور الإنترنت، إذا كانت تُشعِركم بافتقاركم إلى صفاتٍ مهمة، أوإذا أردتم التغلب على مشاعر الحسد". وأنتم، هل جربتم الحسد على صفحات السوشيال ميديا؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image