عقب ثورة 25 يناير، وقف وائل غنيم الناشط السياسي الذي يعدّ أحد أبرز وجوه الثورة المصرية، قبالة كاميرات التلفزيونات قائلاً "أنا مجرد مناضل كيبورد"، في إشارة منه إلى ضآلة دوره مقارنة بمن قدموا أرواحهم في هذه الثورة، وأولئك الذين وصلوا الليل بالنهار في ميدان التحرير وفي كل ميادين مصر، دفاعاً عن ثورتهم.
لم يختلف اثنان في شأن الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في الثورة المصرية، ما دعا البعض إلى أن يلقبها بثورة الفيسبوك. كان العالم الافتراضي عاملاً لا يمكن إغفاله في ثورة 25 يناير، فمن يمكنه تجاوز دور صفحة "كلنا خالد سعيد" في الدعوة للنزول إلى الشارع أو دور شبكة "رصد" في متابعة المستجدات الميدانية.
أجبر ذلك الدولة حينذاك على أن تقطع خدمة الانترنت عن البلاد، علها تفلح في إسكات الصوت القادم من أجهزة اللابتوبات والهواتف الذكية المنتشره في صفوف الشباب.
مرت ثلاثة أعوام تقريباً، تعاقبت خلالها حكومات، وتغيرت أنظمة، وها هو الجنرال الآتي من مبنى المخابرات المهيب يقطن القصر العتيق. المشير عبدالفتاح السيسي، العسكري الذي تولى مقاليد الحكم بعد انتخابات رئاسية اكتسح فيها منافسه حمدين صباحي، كان واضحاً منذ البداية في رفضه للتظاهرات التي وصفها بأنها "حتوقع البلد"، وقال إن استعادة "هيبة الدولة" هي من أهم أولوياته.
وبغض النظر عن صحة مخاوف النشطاء أو عدمها، الثابت أن أجهزة الدوله توحدت تماماً وباتت تعمل بتناغم ملحوظ وتنسيق جلي مع الرئيس الجديد، ووسائل الإعلام المرئي والمسموع تلاشت منها الأصوات المعارضة، وطويت صفحة الأسماء المناوئة للسلطة، وتحولت برامج التوك شو منبراً للدعاية الرئاسية.
لكن، قبل أن تسدل الستارة على المشهد، في إشارة إلى أن العرض انتهى، وإلى أن ليس هنالك ما يعكر صفو مزاج الرئيس المحبوب، تذكّر المحرك الأول لثورة 25 يناير مناضلي "الكيبورد".
أولى المعارك بين هؤلاء والسلطة الجديدة حدثت يوم حفل تنصيب الرئيس، عندما وقعت جريمة التحرش الشهيرة في ميدان التحرير أثناء الاحتفلات الشعبية بفوز السيسي. يومذاك، جرى التحرش بإحدى المشاركات في الاحتفال وسط أجواء شهدت عدداً من محاولات تحرش مماثلة. حاولت يومها مها بهنسي، مذيعة قناة التحرير (المحسوبة على النظام) تبرير التحرش قائلة "مبسوطين بقى".
اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي غضباً، وتحرك مناضلو الكيبورد على محورين، الأول نشر فيديو الاعتداء الهمجي على الشابة المحتفلة، مطالبين الدولة بالقيام بدورها في القصاص والحماية، والثاني كان الهجوم على مها بهنسي والمطالبة بالتحقيق معها.
أتى ضغط النشطاء على الفيسبوك وتويتر ثماره، إذ سرعان ما قُبض على مرتكبي الجريمة ثم جرى توقيف المذيعة عن العمل، وصدر قانون جديد قضى برفع عقوبة التحرش، فتحقق للمدونين ما أرادوا في أولى معاركهم مع السلطة الجديدة.
الصدام الثاني كان عندما كتب نصار عبدالله، أستاذ الفلسفة في جامعة سوهاج، مقالاً في جريدة "المصري اليوم" عن التجربة البرازيلية في الخلاص من أطفال الشوارع. عدّ النشطاء ذلك تحريضاً على هؤلاء الأطفال الذين لا ينسى أحد دورهم في المواجهات مع وزارة الداخلية لاسيما في أحداث شارع محمد محمود إبان حكم المجلس العسكري.
على أن الضغط على صفحات التواصل الاجتماعي أجبر الجريدة على سحب المقال من على الموقع الاكتروني، ودفع الكاتب للظهور في أكثر من برنامج تلفزيزني للتراجع عن موقفه مؤكداً أنه ضد التجربة البرازيلية ولم يكن يقصد مطلقاً تطبيقها في مصر. انتصر أهل "الكيبورد" مرة أخرى.
أما ثالثة المحطات فكانت وقف عرض المسلسل التلفزيوني "اهل السكندرية". وهو من تأليف بلال فضل وبطولة عمرو واكد وبسمة. الثلاثة يعرفون بمواقفهم المعارضة للسلطة الجديدة في مصر. يتحدث المسلسل عن ممارسات ضابط شرطة فاسد، وهي ليست المرة الأولى التي تنتج فيها الدراما المصرية عملاً فنياً عن الفساد في السلك الأمني. الجديد هنا أنه، لأول مرة، يصدر قرار يقضي بمنع عرض المسلسل. ومثل هذا المنع لم يحدث حتى في العهد السابق.
في تطور مثير أعلن حسن حامد، مدير مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة، وهي الجهة المنتجة للمسلسل، أن المسلسل منع من العرض على قناتي "الحياة" و"المحور" بقرار من الأمن المصري.
في موازاة ذلك، اشتعلت الحرب على صفحات التواصل الاجتماعي، لاسيما أن سبب المنع لم يعلن. فهل هو نتيجة كون مؤلف المسلسل وبطليه من معارضى السيسي؟ أم أن السبب هو كونه يتحدث عن ضابط شرطة فاسد؟ ثمة معلومات تفيد بأن رئيس الوزراء ابراهيم محلب هو من اتصل بمديري القناتين وطلب منع عرض المسلسل.
أياً كان سبب المنع، فالحرب اشتعلت على الانترنت. لكنها امتدت هذة المرة إلى صفحات الجرائد، ما دفع مدير قناة "الحياة" إلى نفي خبر المنع، في حين التزمت قناة "المحور" الصمت. أعلن مدير مدينة الانتاج أن مفاوضات تجري الآن سعياً إلى إيجاد حلّ، لكن الوضع لا يزال معلقاً، والحرب مستمرة على فيسبوك وتويتر.
أياً تكن النتيجة، فما حدث في الأسابيع الماضية، منذ تولي السيسي للرئاسة، يشي بأن حائط الصدّ الحقيقي المدافع عن الحريات هو صفحات التواصل الاجتماعي. ذلك أن الشبكة ما زالت فعّالة، وفرسان الكيبورد هم على ما يبدو الأقدر على المواجهة والأكثر تأثيراً في حرب الحريات الدائرة اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين