أم وأطفالها يعبرون الطريق موجّهين انظارهم ناحية صناديق القمامة. تنبش الأصابع الصغيرة القاذورات في محاولة لإيجاد لقمة تصلح لسد الجوع. تساعدهم الأم بالتوجيهات. بعد جمع الغلّة من الطعام الذي يمكن تناوله، تلتفت الأم يميناً ويساراً في مسحة من الكبرياء وتجلس على الرصيف تطعم أطفالها وتأكل. البحث في صناديق القمامة عن الطعام بات مشهداً اعتيادياً تواجهه من حين لآخر في الشارع المصري.
في محاولة للحدّ من هذا المشهد المؤلم، بات المواطنون المصريون يطالبون ربّات البيوت فيما بينهم بوضع فضلات الطعام في أكياس بلاستيكية لمساعدة الباحثين في القمامة للحصول على وجباتهم الغذائية بشكل نظيف تفادياً للمرض.
لم تتوقّف محاولات الحد من هذا المشهد المؤلم على هذه المبادرات الفردية، بل نتجت عنها مبادرة جماعية تحت شعار "لقمة هنية تكفي 100، هنا يوجد طعام لكل عابر سبيل" قامت بها مجموعة من السيدات في مدينة الاسكندرية، بدأت بوضع سيّدة صندوق طعام أمام منزلها، لتبدأ جاراتها في تقليدها، ويستفيد الفقراء في المنطقة وعابرو السبيل.
كان غرض هؤلاء السيدات القضاء على ظاهرة الجوع وحماية المحتاجين من التعرض للأمراض نتيجة تناول الطعام من القمامة، وذلك عبر توفير طعام صحيّ لهم، لكن المبادرة بقيت محدودة في انتشارها. أنشأت السيدات صفحة على فيسبوك لتشجيع الآخرين على اعتماد فكرتهن، لكن الصفحة لم تحصل على نسبة كبيرة من المتابعين.
جاءت مبادرة أخرى منذ 4 أشهر تحت شعار "مكافحة الجوع سهلة في مصر" في المحافظة نفسها تبنّتها مجموعة من الشباب، قرروا توسيع نطاق الفكرة لتشمل صناديق طعام أمام المساجد والمطاعم.
بدأ المشروع مع 4 أشخاص حاولوا تطوير الفكرة ليتفقوا مع المطاعم على وضع صندوق للطعام لديهم، ونجحوا في ذلك مع بعض المطاعم في المنطقة. قالوا على صفحتهم في فيسبوك "هنقدر بسهوله نقضي على الجوع في مصر، لأنه ببساطه مش مشكله نقص غذاء قد ما هي مشكله توزيع. كلنا ممكن نشارك وننزل الأكل النظيف الزيادة من بيوتنا وعمارتنا لأسرة منعرفهاش. تخيلوا لو عمارة 10 أدوار أو حتى 4، كل بيت ينزل حتى لو طبق أكل زيادة عن طاقته، هنوصل لليوم اللي المواطن المصري يمشي في الشارع يلاقي، على اليمين أكل نظيف وعلى الشمال أكل نظيف. محدش هيجوع وسطنا. ده اتحقق فعلاً في المناطق اللي ركزنا تركيب الصناديق فيها بشكلها الموحد. الموضوع في منتهى السهولة، محتاجين ناس أكتر تكلم المطاعم والعمارات السكنيه معنا في أي مكان".
يقول سيد علي أحد الذين تبنّوا فكرة مكافحة الجوع في مصر إنهم رغم قلة عددهم في بادئ الأمر استطاعوا نقل فكرتهم لعدة محافظات على رأسها العاصمة القاهرة، وتم نشر 104 صناديق في مختلف المحافظات في صعيد مصر كسوهاج وفي محافظة كفر الشيخ ومحافظة الشرقية ومحافظة مرسي مطروح.
يضيف الشاب العشريني الذي يعمل مدرساً للرياضيات أنهم حاولوا الاتفاق مع الكثير من المطاعم لوضع هذا الصندوق وكذلك حاولوا وضعه أمام عدد من المساجد والمنازل والجمعيات الخيرية.
تبنّت جمعية رسالة الخيرية تلك المبادرة بعد شهرين على انطلاقتها، بعد أن اجتمع الشباب مع رئيس مجلس إدراتها، وأقنعوه بأهمية فكرتهم. جمعية رسالة هي جمعية خيرية تقوم بالكثير من الأنشطة في مصر، تأسست عام 1999 كحركة طلابية في كلية الهندسة في جامعة القاهرة ولها أكثر من 60 فرعاً.
تخطط المجموعة اليوم لتطبيق فكرة جديدة ستساعد في التخفيف من حدّة الجوع، مع المطاعم التي لا يسمح موقعها بوضع صناديق الطعام أمام واجهاتها. تعتمد الفكرة على أن يقوم مشتري الطعام الراغب في المساهمة بدفع ثمن وجبة لشخص محتاج، فيترك إيصال الدفع لدى المحل الذي يتكفل بإعطاء المحتاج الوجبة دون إحراج.
تبقى هذه المبادرات محدودة في تأثيرها على الوضع المزري الذي تعاني منه مصر، كما أنها تستمر غالباً لفترات محدودة زمنياً، وفقاً للتمويل الذي تحظى به، أو لمدى حماسة مطلقيها. فقد سبق مثلاً لاتحاد القوى الصوفية، بالتعاون مع جمعية معكم للتنمية، إطلاق مبادرة شبيهة، سعوا عبرها لوضع صناديق خشبية تتضمّن وجبات ساخنة في منطقة الطالبية بالجيزة، لكنها توقفت بعد قرابة الشهر بسبب نقص التمويل وعدم وجود متبرعين، فاقتصرت على توزيع ما هو متاح من طعام من وقت لآخر على الفقراء، وأصبحت صناديق الطعام خالية في انتظار التبرّعات.
وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر في مايو 2013 عن معدلات الفقر والأمن الغذائي في مصر، فقد 13.7 مليون مصري ومصرية القدرة على الوصول لغذاء صحيّ يكفي للبقاء على قيد الحياة منذ عام 2009. ارتفعت نسبة مناطق الفقر وانعدام الأمن الغذائي في المدن بين عامي 2009 و2011 لـ40 بالمئة، ووصلت معدلات الفقر في الريف في الصعيد إلى 51.5 بالمئة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...