شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
برغر الفطر ولبن اللوز وجبنة الكاجو: وصفاتٌ نباتيةٌ، من أين جاءت ولم أُعدت لتشبه الأطباق التي تعودنا عليها؟

برغر الفطر ولبن اللوز وجبنة الكاجو: وصفاتٌ نباتيةٌ، من أين جاءت ولم أُعدت لتشبه الأطباق التي تعودنا عليها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 4 فبراير 201802:30 م
ما رأيكَ بفطور قوامه كيلو موز مهروس مع بعض السبانخ أو القرفة أو الكركم، يليه وعلى الغداء قطعة من برغر الفطر، لتنهي يومك بطبق من الخضار مضافاً له بعض الجبنة أو التونة أو المكسرات. قارئ هذا المقال من معشر المحاشي والمشاوي، لاتقلق فأنت في فضاء النباتيين، أولئك الذين اتخذوا فلسفةً خاصة لوجودهم، تعددت أبعادها لكن جوهرها واحد. فلسفةٌ تعود إلى آلاف السنين، في الهند واليونان، حيث ارتبط في الهند بمبدأ الـ"أهيمسا"، بمعنى رفض الإيذاء والعنف، وكذلك في اليونان، اعتبر أبيقور الطعام متعة يجب أن تكون مُحمَّلة بالخير لا الشر "ليكن الطعامُ دواءَك وليكن الدواء طعامك" وقبله فيثاغورس الذي اعتبر أن الحيوانات كائنات قريبة للإنسان، وعليه ألا يمسَّها بضرر. ومن تاريخنا العربي، تبرز شخصية المعرّي الفذّة، الذي قدم في نظرته للكون تناغماً مع العالم، دفعه في عامه الـ30 لأن يصبح نباتياً. ورغم أننا قد ابتعدنا في حياتنا اليوم، إلى حدّ ما، عن التواريخ القديمة وأهداف فلسفة النباتيين تلك، استمرت مبادؤها التي تبنتها الأديان، وعادت تظهر بأشكال جديدة، ولأهداف مختلفة، أولها البحث عن نظام غذائي يضمن الصحة، وثانيها نابعٌ، ولو بدرجات متفاوتة، من مسؤوليتنا تجاه الحفاظ على البيئة. وهنا يمكن أنْ ننظر للآثار التي قد تترتب على مستقبل العالم، لو امتنع البشر جميعاً عن أكل اللحوم وأصبحوا نباتيين، إذ ستنخفض بحلول عام 2050 انبعاثات الغازات في كوكبنا بنسبة 70% تقريباً. أكثر من 357 مليون نباتي حول العالم، على اختلاف نوعيه (Vegan vegetarian) تخلو موائدهم من اللحوم والدواجن، ليكون البرغر من الفطر والكبة من العدس واللبن من اللوز، مع الحفاظ على شكل الوجبة وقيمتها الغذائية. وهنا السؤال لِمَ يسعى النباتيون لجعل وصفاتهم بنفس شكل الأصلية وربما طعمها أيضاً؟ في الأسطر التالية سنحاول الإجابة، وبعيداً عن الفاصوليا البرازيلية والرافيولي الإيطالية والتوفي الآسيوي سنعرج على حكاية بعض وصفاتنا النباتية العربية بلسان طهاتها.

حكاية لبن اللوز وجبنة الكاجو

كيلو موز مهروس مع بعض السبانخ أو القرفة أو الكركم، تتناولها ياسمين كل صباح لتكفل يوماً مليئا بالطاقة والاستمرار، مهندسة بيئية -مصرية فرنسية- لاحظت اختلال التوازن بين كافة الكائنات، وثقل ذلك على الإنسان، فسعت لمقاومته، بادئةً بنفسها، فاتبعت النظام النباتي الخالي من المواد الكيماوية والمنتجات الحيوانية، ليصبح بعد حين نباتياً صرفاً (Vegan). بعد حين افتتحت مطعماً للنباتيين في المعادي، ورغم أنه لم يدم طويلا إلا أنها لم تكلّ، ففي العام الماضي أصدرت أول كتاب موجه للنباتيين الـ(Vegan) في مصر، "Happy Belly" يقدم 100 وصفة خالية من السكر ومنتجات الحيوانات والغلوتين، جمعتها ياسمين من خبرتها في الطهي وتجربتها الحياتية بين مصر وفرنسا، إلى جانب دراسات وقراءات أجرتها. happy belly المطلع على وصفات ياسمين لن يلاحظ بدايةً أنها نباتية لأن لها شكل الوجبات العادية التي قد نراها في أي مينيو أو كتاب طهي، تعلل بأننا قد اعتدنا الشكل التقليدي للوصفات في ثقافتنا وتخزَّنَ في لاوعينا، مايدفعنا لتقبله سريعاً، فضلا أن الـ100 سنة السابقة حملت لنا كافة أشكال الوصفات، درجة أن ما قد نضيفه لا يؤثر كثيرا. البرغر الذي تقدمه ياسمين غني بنكهاته وقيمته الغذائية، قوامه الفطر، والبصل، والتوم، والعدس، والتوابل، تخلط المكونات لتصبح كتلة متجانسة تنتظر الشواء والتقديم، قبل ذلك توشيها ياسمين برشة كاكاو، إضافتُها الخاصة، التي تحاول فيها التميز عن غيرها من الطهاة. جبنة بلا خمائر أو منتجات حيوانية، وصفة تعدها من زيت الزيتون والكاجو والأعشاب وبعض الملح، تخلطها وتصفيها لتحصل على وجبة قابلة للأكل في أي وقت. أما اللبن فتستخلصه من حبات اللوز، تخلطها بالماء بعدها نقعها به بضع ساعات، لتخرج بمنتج قد يختلف بنكهته عن اللبن المعتاد، لكنه يحمل ذات القوام والفائدة كما تؤكد. جبنة الكاجو، لبن اللوز، البرغر النباتي، وصفات ظهرت في تسعينيات القرن الماضي، تقول ياسمين، مضيفة لرصيف22 أن ذلك الوقت شهد إطلاق العديد من المطاعم والكتب المختصة بوصفاتٍ للنباتيين الـ(Vegan)، كان مركزها أمريكا وانكلترا، وعزز من انتشارها مشاهير الموضة والفن. [caption id="attachment_135578" align="alignleft" width="1024"] جبنة الكاجو من "Happy Belly"[/caption] قبل ذلك وفي ستينيات القرن الماضي ظهرت حركات مناهضة للعبث بالبيئة وانتهاك كائناتها، كان النظام النباتي أحد أسلحتها، تجلى ذلك أيضا في الزراعة الخالية من المواد الكيماوية، والابتعاد عن اللحوم لما يسببه تناولها من أمراض واختلال في التوازن البيئي بحسب قولها. تشير ياسمين إلى أن الأكل النباتي فكرة قديمة جدا تعود إلى أكثر من 300 سنة قبل الميلاد، في العهد اليوناني والروماني، اتبعه فلاسفة منهم فيثاغورس و أفلاطون وأبيقور "كانت اللحمة وقتها مقتصرة على الملوك والأعيان الذين كانوا أكثر عرضة للأمراض، في حين تمتع عامة الشعب بصحة جيدة بدليل أنهم كانوا يقومون بجميع الأعمال الموكلة لهم". 
لِمَ يسعى النباتيون لجعل وصفاتهم بنفس شكل الأصلية وربما طعمها أيضاً؟
هل يمكن أن ننصت لأجسادنا وأن نعرف ماذا تحتاج؟ هنا تجارب نباتيين تغيّرت علاقتهم بالطعام والجسد

رحلة الكفتة من آسيا الوسطى إلى بلاد الشام

عن تاريخ بعض أطباقنا النباتية تتحدث الكاتبة ومدوِّنة الطعام السورية ريتا باريش "بما أن اللحمة كانت على مر الزمن مادة مكلفة وغير متوفرة، ابتُكِرت سبلٌ للتحايل عليها وتقليدها، أوائل تلك الطرق كانت اللحمة المفرومة "الكفتة" التي قَدِمت من المطبخ المغولي وآسيا الوسطى، وكلمة "كوفتة" مفردة فارسية تحمل ذات المعنى". "بدأ مزج اللحمة مع مع مواد أخرى لتنكيهها وزيادة كميتها مثل البهارات والبيض والدهن والدقيق. ثم وفي بلادنا ظهرت الكبة، الطبق الريفي القديم" تقول ريتا مضيفة لرصيف22 "كان الهدف منها إطعام العائلة الكبيرة بكمية قليلة من اللحم، فمزجت اللحمة مع البرغل لتتشكل عجينة غنية بالكربوهيدرات ومشبعة وتعطي إحساس اللحمة في ذات الوقت". تتابع "مع الوقت تنوعت طرق طهيها لتصبح بأشكال ونكهات عديدة، بالطحين أو السميد، بالعدس وبالبطاطا، مسلوقة أو مقلية أو مفرودة بصحن، كالكبة النية، الكشك أيضاً طبق نباتي شارك البرغل في تكوينه". "العجة" وجهة للنباتيين في العالم العربي أيضاً لما تتضمنه من تنوع في المواد والنكهات، عنها تقول ريتا "هي عجينة من الطحين والبيض يضاف لها مكون أو أكثر، قد تكون نباتية أو حيوانية، أو الاثنين معاً، تقدم مخبوزة أو مقلية". تعرج سريعاً على الفلافل باعتبارها من أشهر الأطباق، لافتة أن "أهالي مناطقنا إجمالاً يأخذون البروتينات من الألبان والبقول أكثر من اللحوم، ودائما مايمزجون بين نوعين من البقول أو الحبوب مثل المجدرة والفول المدمس".

من الخضار والحبوب وزيت الزيتون.. مطبخ نباتي سوري مُطَوَّر

"جميع وصفات مطبخنا السوري يمكن أن تقدم دون لحمة، شيشبرك بالفطر، كبة باليقطين أو البطاطا، فاصولياء بالزيت، وغيرها الكثير" تقول الممثلة فاتنة ليلى التي تعيش وفق نظام نباتي منذ خمسة أعوام، يشاركها زوجها وطفلاها. تضيف لرصيف22 أن مبررها مناهضة قتل الحيوانات، في حين أن الألبان والبيض تنتجها دون تعرضها للأذى. [half_column centered=""]كبة بطاطا..إعداد فاتنة ليلىفاتنة ليلى شكلت فاتنة مطبخها النباتي بنفسها، بعضه مما ورثته عن أمها وجدتها وبيئتها الزراعية وسط سورية، وجزء آخر من اطلاعها وقراءاتها، والباقي أضافته من خبرتها وحياتها في ألمانيا. الطبق الأساسي على سفرتها سلطة الخضار، مضافا له أحد أنواع البقوليات أو الأرز والمعكرونة حبة كاملة، ليحقق الجسم حاجته الغذائية، كما تقول.  أما بديل اللحمة فهي الصويا المجففة، تنقعها فاتنة وتطحنها لتشكل منها العديد من الأطباق التي تعزز نكهتها بالبهارات، بذلك تستحضر الطعم الذي كانت تطهوه سابقا باللحمة، لافتة أن البصل والثوم والبهارات أساس أي وجبة دسمة الطعم. مع مرور الوقت بات إحساسها بالطعام مختلفاً، وخلقت فاتنة علاقة أكثر ثباتا مع جسدها، باتت تنصت له وتعرف ما يحتاج، فتعد له كبة العدس، أو السبانخ، بعد حشوها بالبصل والسماق والحمص والمكسرات، فضلا عن أطباقها المطهوة بزيت الزيتون والتي يعرف نكهتها الخاصة كل سوري تذوق أطباق الجدات.شكلت فاتنة مطبخها النباتي بنفسها، بعضه مما ورثته عن أمها وجدتها وبيئتها الزراعية وسط سورية، وجزء آخر من اطلاعها وقراءاتها، والباقي أضافته من خبرتها وحياتها في ألمانيا. الطبق الأساسي على سفرتها سلطة الخضار، مضافا له أحد أنواع البقوليات أو الأرز والمعكرونة حبة كاملة، ليحقق الجسم حاجته الغذائية، كما تقول. أما بديل اللحمة فهي الصويا المجففة، تنقعها فاتنة وتطحنها لتشكل منها العديد من الأطباق التي تعزز نكهتها بالبهارات، بذلك تستحضر الطعم الذي كانت تطهوه سابقا باللحمة، لافتة أن البصل والثوم والبهارات أساس أي وجبة دسمة الطعم. مع مرور الوقت بات إحساسها بالطعام مختلفاً، وخلقت فاتنة علاقة أكثر ثباتا مع جسدها، باتت تنصت له وتعرف ما يحتاج، فتعد له كبة العدس، أو السبانخ، بعد حشوها بالبصل والسماق والحمص والمكسرات، فضلا عن أطباقها المطهوة بزيت الزيتون والتي يعرف نكهتها الخاصة كل سوري تذوق أطباق الجدات. صورة المقال من مدونة: Shelikesfood.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image