شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
من كواليس مؤتمر سوتشي للحوار السوري... المؤتمر الذي لا يشبه غيره

من كواليس مؤتمر سوتشي للحوار السوري... المؤتمر الذي لا يشبه غيره

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 1 فبراير 201808:07 م

جاء انعقاد مؤتمر سوتشي في 30 يناير 2018، في منتجع سوتشي الروسي المطل على البحر الأسود، بعد حوالي ثلاثة أشهر على طرح الفكرة لأول مرة من قبل وزارة الدفاع الروسية. وبعد أن كان مشروعاً روسياً صرفاً، تحوّل إلى مشروع ثلاثي بعد انعقاد قمة سوتشي بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران في نهاية نوفمبر الماضي.

واتسمت فكرة المؤتمر الذي عُقد تحت اسم "المؤتمر السوري للحوار الوطني" بالغموض طيلة الفترة التي سبقت المؤتمر، ولم تتضح تماماً حتى بعد انتهاء أعماله، كما لم تتضح الغاية الفعلية التي سعت إليها روسيا من وراء تنظيمه، ولا مصالح وأدوار الفاعلين الآخرين في المؤتمر: إيران وتركيا.

شركاء غير متكافئين

بعد قمة سوتشي، تولّت أجهزة الأمن والجيش والخارجية في الدول الثلاث اعتماد الأسماء المدعوّة إلى المؤتمر، وفقاً لقاعدة ألا يُدعى إليه مَن تعترض عليه واحدة من الدول الثلاث.

لكن الدول الثلاث لم تُبدِ حماسة للمؤتمر، فإيران أظهرت القليل منها ولم تتفاعل إعلامياً وسياسياً معه أبداً، فيما لم تقم تركيا بدورها أيضاً في التحشيد له في أوساط المعارضة السورية أو الدفاع عنه، رغم كل خطابات التخوين التي كانت تقوم بها مؤسسات معارضة صديقة لتركيا، كالمجلس الإسلامي السوري وجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم.

لكن الموقف التركي تغيّر في الأسبوع الأخير، قبيل انعقاد المؤتمر، وقامت أنقرة بعقد لقاءات مع شخصيات سياسية وعسكرية معارضة، ودعتهم للمشاركة، الأمر الذي ربطه البعض بعملية "غصن الزيتون" التي بدأت قبل تسعة أيام من المؤتمر واستهدفت عفرين. وبحسب هؤلاء، لم يكن للعملية أن تبدأ لولا موافقة موسكو المسبقة عليها، ما يفتح المجال للتكهن بصفقة روسية-تركية مررت فيها أنقرة مؤتمر سوتشي مقابل نيل ضوء أخصر روسي في عفرين.

ولم تشهد أروقة المؤتمر حضوراً علنياً لممثلي تركيا وإيران، ولم تُلقَ كلمات باسم الدولتين، واقتصر ذكرهما على جملة سريعة في كلمة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في افتتاح المؤتمر.

لكن ذلك لم يمنع تواجد ممثلين عن الدولتين في غرف جانبية داخل المبنى الذي عُقد فيه المؤتمر. وكان هؤلاء المندوبون يقومون باعتماد الوثائق التي يتم إصدارها وترشيح الأسماء للجنة الوحيدة التي تمخّضت عن المؤتمر، وهي لجنة صياغة دستور سوري جديد.

مهرجان حزبي

لم تُظهر روسيا أي حرص على مراعاة التنوع في التمثيل داخل المؤتمر، مثلما جرى العرف في كل الملتقيات التي ناقشت الأزمة السورية. فبعكس الأرقام التي نقلتها وكالات الأنباء عن الخارجية الروسية، وصل عدد أعضاء وفد النظام السوري إلى حوالي 1300 شخص، مقابل 101 مثلوا المعارضة.

وينتمي أكثر من نصف وفد المعارضة إلى مجموعات تُعَدّ أصلاً قريبة جداً من موسكو، ولم تتواجد أبداً في أية منصة للمعارضة، ولا تُصنّف في الأوساط الشعبية المعارضة كمعارضة أصلاً.

فالمجموعات التي يقودها قدري جميل ورندة قسيس وهيثم مناع لا تمثل عملياً أية مجموعة مسلحة على الأرض، ولا تعترف بمؤسسات المعارضة المعترف بها دولياً، أما تيار الغد الذي يرأسه أحمد الجربا فإنّه الأقرب إلى المعارضة بشقيها السياسي والعسكري.

وكانت الهيئة العليا للمفاوضات السورية قد قررت مقاطعة المؤتمر، وتبعتها فصائل كردية، على رأسها الإدارة الذاتية للمناطق الكردية، في ظل اتهام الأكراد لروسيا بالتواطؤ مع تركيا في الهجوم على عفرين. كما أعلنت عشرات الفصائل العسكرية المعارضة عدم مشاركتها.

قرارات بالغالبية

بدأ المؤتمر بإعلان مديره الروسي أسماء لجنة رئاسة المؤتمر، دون أن يوضح طريقة ومعايير اختيارهم. وتألفت اللجنة التي ترأسها صفوان قدسي منه ومن: غسان القلاع، محمد ماهر قباقيبي، جمال قادري، ميس كريدي، أمل يازجي، رياض طاووز، قدري جميل، هيثم مناع، أحمد الجربا، ورندا قسيس.

ورغم الغلبة الساحقة لوفد النظام في المؤتمر، إلا أن المنظم الروسي طلب أن يكون إقرار المقترحات بالتصويت. ورغم اعتراض ممثلي المعارضة في لجنة الرئاسة (قسيس والمالح وجميل والجربا)، إلا أن روسيا أصرت على الطلب ورفضت آلية التوافق في اتخاذ القرارات المقترحة من المعارضة.

امتنع وفد المعارضة بالكامل عن المشاركة في التصويت على أي مقترح بالمطلق، وتولّى وفد النظام الحاشد التصويت حتى على المقترحات التي لا تعكس رغبة أعضائه.

[caption id="attachment_135370" align="alignnone" width="700"]image2 وفد النظام يصوّت بالإجماع في ظل عدم مبالاة وفد المعارضة الصغير[/caption]

وفي المرات القليلة التي رفض فيها أعضاء وفد النظام التصويت على مقترحات معيّنة، كان المدير الروسي للمؤتمر يؤكّد للمشاركين أن عليهم الموافقة، وعندها كان وفد النظام يصوّت بالإجماع.

ساعد مؤتمر سوتشي في ترسيخ التوافق التركي-الروسي على شكل الحل الممكن في سوريا، لكنه عمّق الفجوة بين موسكو وطهران
مؤتمر سوتشي للحوار السوري... بعكس الأرقام التي نقلتها وكالات الأنباء عن الخارجية الروسية، وصل عدد أعضاء وفد النظام السوري إلى حوالي 1300 شخص، مقابل 101 مثلوا المعارضة

معركة المطار

في المساء الذي سبق بدء المؤتمر، وصلت طائرة من أنقرة تضم الدفعة الأخيرة من المدعوّين إلى المؤتمر، وهم في أغلبهم من القائمة التي رشحتها تركيا.

بعد دخول المشاركين إلى بهو المطار، اعترض اثنان منهم (العميد أحمد بري، رئيس هيئة الأركان السابق في الجيش الحر، وأحمد سعود، قائد الفرقة 13 في الجيش الحر) على شعار المؤتمر الموضوع على لافتة كبيرة وسط المطار، ولافتات بأحجام أصغر في كل جدار وزاوية منه، لأنه يحمل العلم المتعارف عليه في الوسط المعارض بأنه علم النظام، وطالبوا بإزالة هذه اللافتات قبل دخولهم.

image1

image4

أدّى هذا الاعتراض إلى توقيف الوفد، ودخل في مشادة كلامية مع الجانب الروسي المرافق، وشهدت ساعات الليل عدّة جولات من المفاوضات بين الطرفين، شارك فيها القائد الروسي لقاعد حميميم، ومستشار وزير الخارجية التركي وآخرون.

وانتهى المطاف إلى موافقة روسيا على دخول الوفد في صباح اليوم التالي، بعد الموعد المحدد لبداية المؤتمر بحوالي ساعتين. لكن أنقرة كانت قد طلبت من أعضائه العودة إلى تركيا. وحين جاءت الموافقة الروسية، كان الوفد في طريقه إلى الطائرة، فرفض أعضاؤه العودة وغادروا.

المعارضة: الغرق في بحر المزايدات

مثلما حصل قبيل انطلاق الجولة الأولى من مباحثات أستانا قبل عام، ساد جو من الرفض في أوساط المعارضة لأعمال مؤتمر سوتشي حتى قبل بدايته، نظراً لأن فيه احتكاك مباشر مع روسيا، الداعم الرئيسي للنظام.

مؤتمر سوتشي للحوار السوري... حين كان أعضاء وفد النظام يرفضون التصويت على مقترحات معيّنة، كان المدير الروسي للمؤتمر يؤكّد أن عليهم الموافقة، وعندها كانوا يصوّتون بالإجماع

وتحوّل جو الرفض إلى مناخ تخويني لأولئك الذين ذهبوا إلى سوتشي، رغم أن معظم المخوّنين هم ممن يعتبر تركيا حليف المعارضة الأساسي، ولا يقبلون المساس بدعمها ولو تلميحاً.

واستغلّت أطراف إقليمية معارضة لتركيا حالة الرفض الشعبي لتؤجّج المجموعات التي تدعمها، بغية استهداف المؤتمر ورعاته، واستهداف تركيا ضمنياً أو فعلياً.

وشكّلت حادثة احتجاز طائرة الوفد القادم من أنقرة فرصة ذهبية لهذه الأطراف، إذ انتشرت صور أعضاء الوفد المحتجزين، وخاصة رئيس الحكومة المؤقتة السابق د. أحمد طعمة وهو يتوسّد حذاءه، ووُصفت هذه الصور بأنها مشاهد ذلّ تسببت فيها أنقرة لحلفائها.

وتشرف روسيا وتركيا وإيران بالفعل على آلية تواصل لتخفيف التوتر في الداخل السوري تستقبلها أستانا، عاصمة كازاخستان.

وترى دول غربية وعربية أن مؤتمر سوتشي هو محاولة لإيجاد عملية سلام منفصلة عن مسار جنيف، من شأنها أن تقوّض جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام، فيما تقول موسكو إن الهدف من جهودها لإحلال السلام أن تكون مكمّلة لجهود الأمم المتحدة لا أن تنافسها.

وصرّح المعارض السياسي السوري جورج صبرا بأن سوتشي "مشروع لخدمة السياسة الروسية... بعد أن وضعوا يديهم الثقيلة على الأراضي السورية".

بينما قال المعارض السوري ورئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين المشارك في سوتشي لوكالة فرانس برس إن "مسار جنيف مات" قبل سنة، ومؤتمر سوتشي "يقوم بالتأكيد على جثته"، و"الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) تفتح مساراً جديداً وقد باتت متحكمة بلوحة الأمر الواقع في سوريا، وبالتالي إن كنا نريد أن نساهم بأمر ما في خدمة السوريين، فعلينا أن نذهب إلى حيث صناع القرار وفي مقدمتهم روسيا".

النظام... الخاسر الأكبر؟

رغم السيطرة المطلقة لوفد النظام في المؤتمر، ورغم تنظيمه على أراضي الدولة الراعية للنظام، إلا أن ذلك لم ينعكس على النتائج الفعلية للمؤتمر. فالبيان الختامي الذي انتهى إليه المؤتمر لم يأخذ بعين الاعتبار أياً من البنود التي صوّت عليها وفد النظام، وإن كان هو وإيران، ومعه المعارضون الغاضبون من المؤتمر، قد استعانوا بالنسخة التي وزّعها وفد النظام باعتبارها البيان الختامي الفعلي للمؤتمر.

كما لم ينجح وفد النظام في إجراء أي تغيير في بنية لجنة صياغة الدستور السوري الجديد المنبثقة عن المؤتمر، والتي سيقوم مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستافان ديمستورا بانتقاء أعضاء منها لاستلام سلة الدستور في جنيف.

ويناقش مسار جنيف أربع قضايا هي: قضايا الحكم، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية.

واستغرق النقاش حول أسماء لجنة صياغة الدستور السوري الجديد وقتاً طويلاً، وأتى الاتفاق النهائي الذي مررته الإدارة الروسية للمؤتمر، بالضغط المباشر، محاصصةً بين الدول الثلاث الراعية له، فتألفت لجنة من 150 عضواً، بواقع 50 لكل منها.

وسيختار ديسمتورا من اللجنة الدستورية أسماء، بشكل يحافظ على التوازن فيها (بمعنى لو اختار 30 فسيكون توزيعهم بواقع 10 من حصة إيران و10 من حصة موسكو و10 من حصة تركيا، وسيراعي في ذلك التوزيعات الطائفية والمناطقية، إلخ).

ويبدو أن الأمم المتحدة توافقت مع روسيا على ترك حرية الاختيار لديسمتورا، مقابل موافقة الأخير على تبني مخرجات المؤتمر.

وإلى جانب النظام، خسرت هيئات المعارضة التي رفضت حضور المؤتمر تمثيلها في اللجنة الدستورية أولاً، والتي ستسحب صلاحية سلة تعديل الدستور السوري من هيئة التفاوض، كما خسرت فرصة للاحتكاك بالدول الثلاث الفاعلة في الملف السوري، ما سينعكس بلا شك على قدرتها على الحضور في الحل السياسي اللاحق.

ماذا بعد؟

لا يبدو أن سوتشي سيتحول إلى مسار، على غرار جنيف وأستانا، إلا أنه سيشكّل نقطة تحوّل في مسار الحل السياسي، بشكل يتلاقى فيه مسار جنيف المدعوم أوروبياً وأمريكياً مع مسار أستانا.

كما ساعد المؤتمر في ترسيخ التوافق التركي-الروسي على شكل الحل الممكن في سوريا، لكنه عمّق الفجوة بين روسيا وإيران التي لم تُظهر تفاعلاً مسبقاً مع المؤتمر، ولا حماسة لمخرجاته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard