شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
التنقيب عن الغاز والنفط في لبنان: ماذا يخبئ للبلاد ولجيرانها ولأعدائها؟

التنقيب عن الغاز والنفط في لبنان: ماذا يخبئ للبلاد ولجيرانها ولأعدائها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الخميس 1 فبراير 201812:17 م
في ديسمبر 2009، اكتشفت الشركة الأمريكية “نوبل للطاقة” كمية من احتياطي النفط والغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. بلغت مساحة الحوض 83,000 كم مربع، وهي تترامي في منطقة المياه الإقليمية لكل من سوريا ولبنان وقبرص وإسرائيل. منذ العام 2010 حاولت الحكومة اللبنانية حماية احتياطات الغاز والنفط المتواجدة في المياه الإقليمية التابعة لها والمتعارف عليها دولياً وفي آب من العام نفسه، أقرت رسمياً قانون النفط الذي أكّد على حق الدولة القانوني والرسمي بإدارة مصادر الطاقة التابعة لها. لقد حاولت الحكومة اللبنانية لسنوات، وضع خطّة ملموسة وثابتة للتنقيب عن النفط والغاز في البلاد، لكن التوترات السياسية المحلية والإقليمية أعاقت كل التحركات الرامية إلى وضع هذا القانون واستمرّ الحال حتّى عام 2017 عندما بدأت الحكومة بإقرار المراسيم الضرورية لبدء عمليّات التنقيب في البحر. إنّ إكتشاف الموارد الطبيعية في أي بلد، خصوصاً النفط، قد يكون سبباً للاحتفال أو القلق وفي الحالة اللبنانية، كانت ردة الفعل مزيجاً من الإثنين معاً. إنّ هذا البلد الصغير المطل على المتوسط يعاني منذ مدّة، من أزمة تأمين الطاقة الكهربائية على مدار الساعة، وبإمكان هذا الاكتشاف حل هذه المشكلة. من ناحية أخرى، فلبنان يشاطر حدوده مع دولة عدوّة له معها تاريخ بالغ التعقيد على المستويين الاجتماعي والسياسي، ناهيك عن أنّ لبنان، يحتل مرتبة متأخرة على مؤشر الفساد العالمي، مما يثير التساؤلات حول قدرة الحكومة على إدارة ملف الصناعة النفطية في غياب الحد الأدنى من الشفافية. والسؤال المطروح في هذه الحالة هو التالي: ما الذي نعرفه حتى الآن عن صناعة النفط والغاز المستجدّة في لبنان؟ وما هي التداعيات (سلباً أو إيجاباً) لهذا الملف وكيف نستطيع التعامل معها؟

تاريخ التنقيب عن النفط في لبنان

إن علاقة لبنان بموضوع النفط والغاز ليس بالأمر الجديد بل يعود إلى عام 1930، من القرن الماضي . فقد قام الانتداب الفرنسي في لبنان حينها بوضع أول مسودة لتسريع عملية التنقيب عن النفط في البلاد، وفي عام 1938 أعطي التصريح لشركة النفط العراقية (IPC) للبدء بعمليات التنقيب ، لكن هذه المبادرة علقت بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية. بعد نهاية الحرب قامت الشركة نفسها بحفر بئر تجريبي قرب جبل تربل في وادي البقاع الشمالي وكانت النتائج غير مشجعة، وقامت الشركة لعدة سنوات لاحقة، حتى العام 1963 تحديداً، بخمس جولات تجريبية اخرى في جنوب وشمال البلاد ولكن النتائج كانت سلبية أيضاً. اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 واستمرت حتى 1990 مما أدى إلى توقف عمليات التنقيب تماماً. وفي عام 1990، تم توقيع اتفاقية بين لبنان وسوريا سميت حينها "هيئة التعاون بين لبنان وسوريا للتنقيب عن النفط في لبنان"، لكن السنوات التي تلت الإتفاق كانت مليئة بالتوتر السياسي والعسكري في البلاد وتزامن ذلك مع ارتفاع حدّة التوتر الطائفي وما نتج عنها من اغتيالات سياسية ناهيك عن النزاع حول الحدود البحرية مع إسرائيل، ولاحقاً، خروج الجيش السوري من البلاد بعد ما سمّي بـ"ثورة الأرز" ثمّ العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006. لا شك أنّ فراغ سدة الرئاسة أيضاً أرخى بظلاله على مفاوضات النفط والغاز وزاد الأمر تعقيداً. وقد واجه لبنان صعوبة بالغة بتحديد وتعريف حدوده البحرية خصوصاً في الجنوب؛ وبالرغم من التوجّه للأمم المتحدّة مرّات عديدة في تشرين الأول 2010 وأيلول 2011 للمطالبة باعتراف صريح بالمنطقة الإقتصادية الثابتة قانونياً له (Economic Economic Zone) إلا أنّه وبسبب التخبّط السياسي الحاصل في البلاد وغياب الدعم المطلوب في مثل هذه الحالات من القوى الأكثر تأثيراً في المجتمع الدولي فإنه لم يستطع في نهاية الأمر من توجيه الدفّة لصالحه.

بعد سلسلة من المحاولات غير الناجحة

اذا و ضعنا الأمور في نصابها الصحيح فإن تجربة لبنان بالتنقيب عن النفط والغاز هي تجربة غير ناجحة تاريخياً، فما الذي يجعل الأمر مختلفاً الآن؟ من الممكن القول إنه ومنذ العام 2011 بدأ اكتشاف حقول الغاز في البحر في الدول المجاورة وتحديداً في قبرص وإسرائيل، وبما أنّ هذه الدول تتشارك الحوض البحري المتوسطي نفسه فإن احتمال وجود آبار مشابهة في المياه الإقليمية البنانية كبيرٌ. من ناحية أخرى، فإن إنتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016 أدخل البلاد في مرحلة استقرار سياسي نسبي مقارنةً بالسنوات السابقة، بالرغم من التصعيد العسكري في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، وتدخل حزب الله الفعلي في المعارك الدائرة هناك. في ظل هذه الظروف المستقرة نسبياً، قامت الحكومة اللبنانية بفتح ملف النفط والغاز في بداية العام 2017، وأقرت في كانون الثاني من العام نفسه مرسومين أساسيين هما:
  • ترسيم الحدود والبلوكات البحرية للمنطقة المراد التنقيب فيها
  • شروط العقد واتفقايات التنقيب والإنتاج التي تحدّد الأماكن والمساحات والطريقة التي سيتم فيها التنقيب عن التفط والغاز في المرحلة الأولى

الاتفاقية، وعودها وشروطها

إنّ مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية تبلغ تقريباً 22,000 كم مربع، أما المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل فتبلغ 854 كم مربع. تمّ تقسيم المساحة إلى عشرة مناطق (بلوكات) بالاعتماد على المسح الجيولوجي، الذي حدّد مساحة كل بلوك على حدة وشكل الآبار المزمع حفرها. بلغت مسافة المنطقة العازلة (حيث يمنع التنقيب) بين الشاطئ والأماكن المتوقعة لمنصات التنقيب حوالي 5.5 كم. وقد قامت الحكومة اللبنانية بطرح خمسة من أصل البلوكات العشرة (هي: 1-4-8-9-10) للمنافسة بين شركات النفط والغاز العالمية بطريقة المناقصة ولمدة خمس سنوات قابلة للتجديد. واختارت الحكومة ائتلافاً من ثلاث شركات للقيام بالمهمة هي: Total الفرنسية، ENI الإيطالية ،NOVATEK الروسية على ان تشمل المناطق ( البلوكات) التالية: - بلوك 4 بعمق يتراوح بين 686 و1845م تحت سطح البحر ( شمالاً) - بلوك 9 بعمق يتراوح بين 1211 و1909م تحت سطح البحر ( جنوباً) وتشكل شركتي Total وENI مجموعة واحدة مسؤولة عن عمليات الحفر والتنقيب والاكتشاف والانتاج وهي مجموعة تتّمتع بممتلكات وإمكانات مالية تتخطى الـ10 بلايين دولار أميركي، بينما تقوم شركة NOVTEK بتقديم المساعدة الفنية والتقنية المطلوبة وتتولى مسؤولية أعمال التسويق والتنظيم. وتقوم الشركات الموقعة على عقود الاستخراج والإنتاج بدفع رسوم للدولة اللبنانية تبلغ 4% من قيمة الغاز المستخرج وما بين 5-12% من قيمة النفط المستخرج اعتماداً على كمية البراميل المستخرجة يومياً. وقد عقد وزير الطاقة والموارد المائية والكهربائية السيد سيزار أبو خليل مؤتمراً صحفياً في 15 ديسمبر/كانون الأول 2017، وأوضح ان الرّبح المتوخّى جبايته من المنطقة (بلوك) 4 هي بحدود 65-71%، وبحدود 55-63% من المنطقة (بلوك) 9. وحيث أنّه لم تبدأ عمليات التنقيب والحفر الجدية بعد فإنّه من الصعب إعطاء تقديرات دقيقة للعائدات المتوقعة. 
هل ينجح تأسيس صناعة غاز ونفط في لبنان، رغم الظروف الجيوسياسية الدقيقة للمنطقة؟
كيف يمكن لبلد مقسّم طائفياً الاستفادة من عائدات صناعة النفط والغاز لتشمل الوطن كله وليس أفراداً نافذين فيه فحسب

التداعيات الجيوسياسية

تميّزت معظم المقالات التي تناولت موضوع النفط والغاز بنبرة احتفالية مرحبّة بدخول لبنان إلى مجموعة الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط. لكن حقيقة الأمر تبقى أنّه حتّى الآن لم يتم اكتشاف أي نفط أو غاز وأن عمليات الحفر والتنقيب ستستمر، على الأقل، حوالي 5 سنوات. ولذلك فإن الأمر يحتاج إلى نظرة أوسع وأكثر موضوعية لفهم الإطار الجيوسياسي الذي تعمل ضمنه صناعة النفط والغاز. أولاً، هناك جيران لبنان الذين من المحتمل أن يتسببوا بتعقيدات كبيرة؛ فهناك إسرائيل التي هي بصدد تطوير صناعتها الخاصة برّاً وبحراً، مع وجود آبار منتجة للغاز الطبيعي (ما بين عامي 2004 و2013) وأخرى تم اكتشافها ولكنها ليست في مرحلة الإنتاج بعد. وهي تحاول (أي اسرائيل) خلق علاقة مع اوروبا مستفيدة من قربها الجغرافي منها لتصدير إنتاجها من النفط والغاز. كما أنّه في العام 2017 تم الإتفاق بين إيطاليا، اليونان، قبرص وإسرائيل على بناء خط غاز تحت الماء من الحقول المنتجة في شرق المتوسط إلى اوروبا ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة خط الغاز هذا 6 بلايين يورو. ويبقى دور لبنان ضمن هذه اللعبة المعقدّة غامضاً وقد يصبح الأمر صعباً في حال قرّرت الحكومة مد خط أنابيب مماثل في حال تم اكتشاف الغاز، بسبب أنّه أولاً: لا يتمتّع (لبنان) بالعلاقات السياسية نفسها كونه عدواً لإسرائيل وبالتالي لا يستطيع المشاركة ببناء الخط المزمع إنشاؤه، وثانياً: بسبب النزاع المحتمل على الحدود البحرية مع إسرائيل في البلوك رقم 9. ومن هنا، فإن عملية اختيار الدول الثلاث التي سبق ذكرها للتنقيب والإنتاج، وتحديداً شركة NOVATEK الروسيّة، من الممكن وضعها في خانة محاولة توفير غطاء سياسي لإدارة الملف بشكل مناسب، خاصة وأنّ روسيا تسعى في الوقت الراهن إلى تعزيز علاقاتها السياسية مع لبنان تمهيداً لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا المجاورة والحاجة للمساعدة في عمليات إعادة الإعمار. كذلك فإن وجود موطئ قدم لروسيا في صناعة النفط والغاز الشرق أوسطي قد تكون مفيدة اقتصادياً للدولتين من زاوية توسيع خيارات روسيا للتواجد أكثر وبشكل فاعل في شرق المتوسط، الأمر الذي كانت تطمح إليه دائماً. 

التداعيات الاقتصادية والبيئية

إن التداعيات الجيوسياسية لصناعة النفط والغاز قد تصبح أكثر تعقيداً إذا ما أضفنا إليها عوامل الاقتصاد والبيئة. فقد لاحظ عدد من المحللين الاقتصاديين أنّ عائدات النفط والغاز قد تساعد في خفض الدين العام في لبنان لتضعه في مسار إيجابي بالنسبة لميزان المدفوعات. ولأنّ العملة البنانية (الليرة) ترتبط بالدولار الأمريكي بشكل وثيق، ولأنّ النظام المالي في لبنان يتمتع بقاعدة صلبة استطاعت على مدى سنوات امتصاص الأزمات والصمود خلال الأوقات الصعبة، فإنه من المتوقع أن يتخطى لبنان ما تعرضت له بلدان نفطية أخرى من أزمات تشبه ما حصل في نيجيريا. الأمر الإيجابي الآخر هو أنّ لبنان الذي ما زال يعاني من أزمة طاقة مزمنة، قد يستطيع من خلال صناعة النفط والغاز إيجاد حلول دائمة وثابتة لهذه المشكلة، وبذلك لن يكون مضطراً لاستجرار الطاقة او استئجارها من الخارج وبالتالي سيكون قادراً على تأمين اكتفاء ذاتي إضافة إلى انعكاس هذا الأمر على أزمة البطالة المتفاقمة والتي قدرها البنك الدولي بنسبة 6.8% من إجمالي القوى العاملة. من جهة أخرى فإن التداعيات الإيجابية التي سبق ذكرها يقابلها تحفظّات تتعلق بالقدرة على إدارة العائدات داخلياً. إنّ وجود لبنان ضمن دائرة الدول الأكثر فساداً في العالم عطفاً على المشكلة الطائفية المتجذرة فيه والتي يتم تقسيم كل شيء تقريباً من خلالها بين السياسين والمجموعات السياسية الطائفية يجعل أمر الاستفادة من العائدات لتشمل الوطن كله وليس أفراداً نافذين فقط أمراً صعباً ومعقدّاً. ثم إنّ البنى التحتية المتهالكة التي لم يتم تطويرها وتحديثها منذ سنوات تحتاج لتحسينات أساسية لتواكب التطور الذي ستحتاجه الصناعات الرديفة الناتجة عن اكتشاف وإنتاج النفط والغاز. وبقدر ما تستطيع هذه الصناعة الجديدة تحفيز الاستثمرات الأجنبية المباشرة (foreign direct investment) في تحديث البنى التحتية فإن هذا لا يعني إطلاقاً أنّ ورشة التحديث يجب أن لا تبدأ الآن. بقي أن نقول أخيراً أنّ قرب منصّات الحفر والتنقيب من الشاطئ اللبناني ستدفع حتماً بالمنظمات البيئية المختلفة للاحتجاج بقوّة حيث أنّ المواقع 4 و9 هي شواطئ نظيفة نسبياً وتعتبر متنفسّاً ومنتزّهاً بحرياُ للعموم. وبالرغم من أنّ شركات النفط والغاز توظّف بلايين الدولارات للمحافظة على البيئة وعدم إيذائها، فإنّ احتمال التدهور البيئي السريع أمر لا يمكن استبعاده مطلقاً. إن مكبّات النفايات العشوائية وسوء إدارتها في لبنان تشكّل حالياً عاملاً أساسياً في تلوث مياه المتوسط، فهل ستضيف صناعة النفط والغاز - إذ وجدت في لبنان - أضراراً أخرى؟ لا زال أمام لبنان طريقاً طويلاً وشاقاً قبل أن يؤسس لصناعة غاز ونفط ناجحة. وبنفس القدر الذي يكون فيه اكتشاف هذه الموارد نافعاً لاقتصاد البلد، فإن الإطار الجيوسياسي الذي يحيط بهذه العملية وتداعياتها من الممكن أن ينتهي به الأمر لعنةً أكثر منه نعمةً على هذا البلد المتوسطي الصغير.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image